نحن والقضية الكردية
قاسيون ـ يشار كمال
في المنطقة الجنوبية نحن الأقل احتكاكا بالمسألة الكردية السورية ، ومعلوماتنا عنها لم تكن تتعدى ما ينقله الرواة ، من مدرسين و طلبة جامعات و جنود حظوا بلقاء زملاء أكراد .. والسبب ببساطة هو البعد الديمغرافي ، ناهيك عن أن النظام كان بارعا بتطويق الحرائق وعدم السماح برؤيتها حتى من مسافات قريبة ، وسوى ذلك كان الأكراد بالنسبة لنا شيئا بعيدا ، بل أكاد أجزم أننا كنا نعلم عن أكراد العراق وتركيا أكثر مما كنا نعلم عن أكراد سوريا
ولا بد من الإشارة إلى أن هناك عدد من العائلات المعروفة في حوران ودمشق ذات الأصول الكردية ، إلا أنها مندمجة بالمجتمع منذ مئات السنين ، وبالتالي لم يكن لديها هذا الوجع القومي الموجود لدى الأكراد في الشمال
اليوم يبدو أن الصورة اختلفت كثيرا ، ولم يعد مقبولا استمرار الجهل بأحد أبرز مكونات الشعب السوري . أو بحسب الأكراد ، ثاني أكبر قومية في سورية بعد العرب ، لأن ما يجري على وسائل التواصل الاجتماعي من حوارات سلبية بين أكراد وعرب حول التطورات على الأرض والاقتتال بين الجيش الوطني ، وقوات سوريا الديمقراطية التي يغلب عليها المكون الكردي ، جعلتنا نتأثر كثيرا بردود الأفعال وبتلك اللغة الانفعالية التي يقودها كلا الطرفين دون أن يكون لدينا معرفة عميقة بجذور المسالة
بالنسبة لي أرى أن الأكراد يجب أن ينالوا حقوق المواطنة كاملة في سوريا المستقبل ، وبالشكل الذي يعبر عن خصوصيتهم ويحافظ على ثقافتهم ، وأعتقد جازما أن الكثير من السوريين ليس لديهم مشكلة كبيرة في هذا الأمر . غير أن المشكلة لا يمكن حلها على وسائل التواصل الاجتماعي . فقد اتضح أن هناك توتر كبير ناتج عن الثقافة التي زرعها النظام سابقا بين مكونات الشعب السوري ، والتي جعلت الكل يشعر بالعداوة تجاه الآخر ، المختلف دينيا وعرقيا
ويجب أن نعترف أن النظام في عام 2004 استخدم العشائر في الشمال لقمع ثورة الأكراد . رغم أنه كنظام وكدولة كان بوسعه أن يقوم بهذه المهمة دون الحاجة للاستعانة بأحد ... لكن على ما يبدو أنه كان يخطط جيدا لهذه المرحلة ، من أجل زرع المزيد من التفرقة بين مكونات الشعب السوري ، وبحيث لا يكونوا قادرين على الاجتماع والتحالف ضده
لا بد أن نؤكد من جديد أن حزب البعث نجح كثيرا في تفتيت المجتمع السوري ، وعلينا أن نتحمل النتائج الكارثية التي خلفها هذا النظام و أن نواجهها برجولة .. لن ينفعنا التشنج والحرب الكلامية .. ففي النهاية هناك من يراقب اختلافنا وينتطره ، وهو يحمل بيديه الخرائط الجديدة للمنطقة ، ويملك القرار في فرض ما يشاء .. ولا أدري إذا كنت أعبر عن فئة واسعة من الشعب السوري في هذا المجال ، لكني على الأقل أنقل رأيي الشخصي هنا : يحب أن نستوعب مخاوف الأكراد ونتفهمها ، وأن نراهن فيما بعد على أنفسنا وعلى عدلنا وعلى ثقافة المواطنة الجديدة التي يجب أن نزرعها في سوريا المستقبل .
فما خربه حزب البعث فينا لا يمكن إصلاحه بين يوم وليلة .. يبدو أننا بحاجة لسنوات طويلة ، قد تمتد لعشرات السنين من أجل أن نعود فقط لسورية الخمسينات ... وفهمكم كفاية