منبج .. المعركة المؤجلة*
قاسيون ـ يشار كمال
تداولت قبل أيام وسائل التواصل الاجتماعي منشورات قالت إنه تم إلقائها على مدينة منبج ، وفيها يحذر الجيش الوطني السوري التابع للمعارضة ، قوات "قسد" المسيطرة على المدينة ، بأنه قادم لتحريرها في القريب العاجل .
وبالتزامن مع هذه الأخبار ، تم تداول أنباء أخرى تتحدث عن نية تركيا الانسحاب من نقاط مراقبتها في ريف إدلب ، والتي تقع تحت سيطرة النظام ، الأمر الذي ربطه مراقبون بالحدث الأول ، مشيرين إلى أنه لا بد أن يكونهناك تفاهما جديدا بين روسيا وأمريكا من جهة ، وبين تركيا من جهة أخرى ، يقضي بانسحابها من نقاط المراقبة تلك ، مقابل السماح للجيش الوطني السوري بدخول مدينة منبج ، وبحماية تركية ..
طبعا لا يمكن الجزم بدقة هذه الأخبار والمعلومات ، كونه لم يصدر عن الجهات ذات العلاقة أي تصريحات بهذا الشأن ، وبالذات من الجانب التركي أو الروسي ، حيث أنه حتى الآن لم تعلن تركيا انسحابها من نقاط المراقبة ، على الرغم من أن الناشطين ، نشروا صورا عديدة لعمليات تجميع الآليات العسكرية التركية ، وبما يوحي بأنها قد انسحبت بالفعل .
وعلى جانب ثاني ، فإن تركيا لا تخفي اهتمامها بمنبج ، التي أطلقت لأجلها إحدى عملياتها العسكرية في الشمال السوري ، لكنها توقفت بعد أن تدخلت أمريكا وطلبت التريث ، في محاولة منها لإقناع قوات "قسد" التي تسيطر على المدينة للخروج منها بدون قتال .
إلا أن قوات "قسد" لم تخرج من المدينة بحسب الوعد الأمريكي ، ولاتزال تسيطر عليها عبر مجالس محلية ، قامت بوضعهم من أبناء المدينة ، لكنهم يخضعون بالكامل لسيطرة قواتها وتوجيهاتهم ، الأمر الذي تعتبره تركيا تهديدا لأمنها بالقرب من حدودها الجنوبية .
ويرجح العديد من المراقبين بأن معركة منبج التي تم تأجيلها سابقا ، هي قادمة لا محالة ، مطلع العام القادم على أبعد تقدير ، وذلك بعد أن ضاقت تركيا ذرعا بسلوك قوات سوريا الديمقراطية ، والتي تصنفها تركيا على أنها تنظيم إرهابي يتبع لحزب العمال الكردستاني ، ويسعى لزعزعة الأمن وخلق الفوضى على أراضيها ، وخصوصا بعدما قامت "قسد" مؤخرا بإطلاق سراح عدد من مقاتلي تنظيم "داعش" من معتقلاتها ، حيث يقول العديد من الناشطين بأنها قامت كذلك بتسهيل دخولهم إلى تركيا .
وعدا عن كل ما سبق ، فإن الدوافع التي تتحدث عن نية الجيش الوطني السوري فتح معركة لتحرير منبج ، كثيرة ، أهمها أن السيطرة على المدينة يتيح للمعارضة فتح خطوط الاتصال بين المناطق التي تسيطر عليها ، من جرابلس إلى مدينة الباب ، الأمر الذي سيسهل من حركتها وإدارتها لتلك المناطق .
بالإضافة إلى ذلك ، يرى متابعون أن مماطلة النظام والدول الداعمة له ، في تسريع الحل السياسي ، هو ما يدفع المعارضة إلى أن تبحث عن معارك جديدة لتوفير أمن واستقرار الحاضنة الشعبية التي تعيش في كنفها ، إذ أنه من غير المعقول أن يستمر الحال على هذا النحو ، بينما يرغب الكثير من السوريين في تركيا العودة إلى الداخل وبدء حياتهم منها والاستقرار فيها .
ومن جهة أخرى ، فإن الزائر للمناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري ، لا بد أن يلحظ التطور السريع الذي تشهده تلك المناطق ، من حيث توفير جميع متطلبات الحياة الآمنة ، والاستقرار ، عبر مشاريع كبيرة وفي كافة المجالات الخدمية … وكل ذلك يجري بالطبع بمساعدة فاعلة من تركيا وبعض الدول الغربية .
وبناء عليه ، نعتقد أن الكرة اليوم في ملعب النظام ، وفي ملعب جميع القوى التي تماطل في إنجاز الحل السياسي العادل في سوريا .. فهم وحدهم من سيقرر إن كانت معركة منبج ضرورة ، أم أنه يمكن تأجيلها أو حتى إلغائها بالكامل .