لبننة الاقتصاد السوري
قاسيون ـ علي الأحمد
كان يلفت انتباهنا عندما كنا نزور لبنان في منتصف التسعينيات من القرن الماضي ، هو هذا الفارق الكبير بين البنية التحتية وحياة الناس المعاشية ..
فالبلد في ذلك الوقت كانت أشبه ما تكون بالصومال من حيث الدمار والفوضى ، بينما كان الشعب يعيش كما لو أنه في باريس .
فمثلا كان من المألوف أن تشاهد أسرة لبنانية تسكن في بيت من الصفيح في أحد أحياء بيروت المدمرة ، ويحمل جميع أفرادها الجوالات في ذلك الوقت ، و تشاهد سيارة "المرسيدس" تقف أمام البيت ، ثم تسمعهم يتحدثون عن " الشوبينغ " ..
بينما كنا في سوريا وبعد العام 2000 ، وعندما بدأت ظاهرة الجوالات تنتشر على نطاق ضيق ، كان السوري يضع الجوال على خصره ، ويمشي فاردا يديه كما لو انه يحمل مسدسا عيار " 16 " مم ..
على ما يبدو أن التجربة اللبنانية ، بدأت تغري الكثير من مسؤولي النظام ، لتعميمها في سوريا ، فهي تتناسب مع أسوأ دعاية أراد النظام أن يفرضها عبر وسائل الإعلام منذ ست سنوات وحتى اليوم ، وهي أن الحياة في سوريا طبيعية وها هي بيوت اللهو وأماكن السهر والكازينوهات لا تزال تعمل كما في السابق وأكثر ..
الجديد في الموضوع هو الخدمات البنكية الجديدة التي بدأ يتحدث عنها حاكم مصرف سوريا المركزي محمد عصام هزيمة ، خلال لقائه مع التجار والصناعيين ، مدعوما بتغطية إعلامية مؤيدة له ولطروحاته دون مناقشتها على أرض الواقع .
فالسيد هزيمة أعلن مؤخرا خلال لقائه مع أعضاء عرفتي تجارة وصناعة دمشق عن مشروع الدفع الالكتروني ، وبأنه بات في مراحله الأخيرة ، مع أن هذه المراحل ، يجري الحديث عنها منذ العام 2017 ، أيام الحاكم قبل السابق ، دريد درغام . عن مشروع الدفع الالكتروني يعني أن الدفع سوف يصبح عبر البطاقات البنكية مثلما هو معمول به في أرقى الدول الأوروبية ، وهذا الأمر ، كما هو معروف ، يحتاج لأن يوطن أغلب الناس أموالهم في البنوك والمصارف ، وهو أساسا لن يكون مجديا ما لم يكن هناك توطين للأموال في البنوك .. فما هي الجدوى من هذا المشروع ، رغم أهميته ، في الوقت الذي تشير فيه التقارير إلى أن الشعب السوري في أغلبه لا يملك قوت يومه ..؟
في الواقع ، المتأمل لتصريحات هزيمة حول هذا الامر ، يدرك أن المشروع موجه لأمراء الحرب بالدرجة الأولى وليس للاقتصاد الوطني كما ادعى ، لأن من أهم مزايا الدفع عبر البطاقات البنكية هو سهولة تحويل الأموال ونقلها من بنك لآخر ، بالإضافة إلى أنه يسهل عملية هروب رؤوس الأموال إلى الخارج ، لأن حاملي هذه البطاقات ، وخصوصا إذا كانت صادرة عن البنوك الخاصة ، يستطيعون استخدامها في أي دولة في العالم ودون أن يضطروا لحمل الكاش ، الممنوع نقله عبر الحدود وفي المطارات بكميات كبيرة ..