بيربوك في دمشق للمرة الثانية: افتتاح السفارة الألمانية

بدأت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، اليوم الخميس 20 مارس 2025، زيارة رسمية إلى العاصمة السورية دمشق، في ثاني زيارة لها منذ الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، برفقة النائب البرلماني عن الحزب الديمقراطي المسيحي، أرمين لاشيت. وتهدف الزيارة، بحسب وكالة الأنباء الألمانية (DPA)، إلى تعزيز الحوار مع الإدارة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع، وبحث القضايا السياسية والأمنية الملحة مع ممثلي المجتمع المدني، في ظل مرحلة انتقالية تشهد تحديات وفرصاً كبيرة بعد عقود من الصراع.
وفور وصولها إلى دمشق، أكدت بيربوك في تصريحات صحفية أن "التدخلات الأجنبية في سوريا أنتجت الفوضى فقط"، مشددة على أن "مستقبل البلاد يجب أن يقرره السوريون أنفسهم دون أي تدخل خارجي". ودعت جميع الأطراف إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس" لدعم جهود المصالحة الداخلية، معتبرة أن "المصالحة الوطنية هي السبيل لتحويل تطلعات السوريين إلى واقع ملموس". وأشارت إلى أن الحكومة الانتقالية تواجه مهاماً شاقة، لكنها أثنت على الاتفاق مع السوريين الكرد في الشمال الشرقي، واصفة إياه بـ"دليل على إمكانية بناء سوريا موحدة"، مع التأكيد على ضرورة تحقيق عدالة انتقالية فعالة لمحاسبة مرتكبي الجرائم في عهد الأسد.
إعادة افتتاح السفارة الألمانية
من المقرر أن تشهد الزيارة حدثاً بارزاً يتمثل في إعادة افتتاح السفارة الألمانية في دمشق، بعد إغلاقها لأكثر من 12 عاماً في 2012 عقب اندلاع الثورة السورية. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية (AFP) عن مصدر في وزارة الخارجية الألمانية أن فريقاً دبلوماسياً صغيراً سيتولى إدارة البعثة، في حين ستبقى الخدمات القنصلية وطلبات التأشيرات تحت إشراف السفارة الألمانية في بيروت، نظراً للوضع الأمني غير المستقر بالكامل في العاصمة السورية. ويُعد هذا القرار خطوة رمزية وعملية تعكس رغبة برلين في إعادة بناء العلاقات مع سوريا في مرحلة ما بعد الأسد، مع الحفاظ على نهج حذر يراعي التطورات الميدانية.
بداية سياسية جديدة
في سياق متصل، أكدت بيربوك، خلال زيارتها لبيروت مساء الأربعاء، التزام ألمانيا بمواصلة تقديم المساعدات الإنسانية لسوريا، مشيرة إلى إمكانية تخفيف العقوبات بشرط تحقيق تقدم ملموس في ضمان الحرية والأمن لجميع السوريين دون تمييز على أساس الجنس أو الانتماء الديني أو العرقي. وقالت في تصريح قبل مغادرتها: "بداية سياسية جديدة بين أوروبا وسوريا ممكنة، لكنها تتطلب ضمانات واضحة لحقوق الجميع". وكانت ألمانيا قد تعهدت، يوم الإثنين الماضي، خلال مؤتمر المانحين في بروكسل، بتقديم 300 مليون يورو كمساعدات جديدة لسوريا، في إطار جهود الاتحاد الأوروبي لدعم إعادة الإعمار والاستقرار.
سياق الزيارة الثانية
تُعد هذه الزيارة الثانية لبيربوك إلى دمشق منذ سقوط نظام الأسد، حيث سبق أن زارت العاصمة في 3 يناير 2025 برفقة وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو. وخلال تلك الزيارة، التقت الرئيس أحمد الشرع في قصر الشعب، حيث أعربت مع بارو عن تفاؤل حذر بشأن المستقبل، مشددين على ضرورة التزام الإدارة الجديدة بالاعتدال واحترام حقوق الأقليات كشرط للتعاون الأوروبي. وأكد الوزيران آنذاك استعداد أوروبا للانفتاح على دمشق، في حال التزمت القيادة السورية بمبادئ الحكم الرشيد والشفافية.
أهمية الزيارة
تأتي زيارة بيربوك في وقت تشهد فيه سوريا تطورات متسارعة، بما في ذلك جهود نزع السلاح في الساحل السوري، اتفاقات التهدئة مع لبنان، وتصاعد التوغلات الإسرائيلية في الجنوب. وتعكس هذه الزيارة حرص ألمانيا، كلاعب رئيسي في الاتحاد الأوروبي، على لعب دور فاعل في دعم المرحلة الانتقالية، سواء من خلال المساعدات الإنسانية أو إعادة فتح قنوات التواصل الدبلوماسي. ويرى مراقبون أن افتتاح السفارة قد يمهد الطريق لعودة دبلوماسية أوروبية أوسع إلى دمشق، مع تركيز على ضمان استقرار طويل الأمد يحول دون عودة الفوضى التي شهدتها البلاد لعقود.
تحديات المستقبل
رغم التفاؤل الذي أبدته بيربوك، تبقى التحديات أمام الحكومة الانتقالية كبيرة، منها إعادة بناء الاقتصاد، عودة اللاجئين، ومواجهة التدخلات الإقليمية. ومع استمرار التوترات الأمنية، خاصة مع إسرائيل وحزب الله، تبرز أهمية الدعم الدولي الذي تعهدت به ألمانيا والاتحاد الأوروبي. وتظل زيارة بيربوك محط أنظار السوريين والمجتمع الدولي، كمؤشر على مدى جدية الدول الأوروبية في مساندة سوريا للخروج من أزمتها التاريخية نحو مستقبل مستقر وعادل.