أنس العبدة .. خطبة عصماء لكنها جوفاء
<p><br></p><p><span style="background-color: rgb(231, 99, 99); color: rgb(255, 255, 255);"> قاسيون ـ سامر العاني
</span></p><p>لم تعد الخطب السياسيّة الرنّانة تطرب مسامع السوريين، لاسيما تلك التي اتّكأت على جمل اجترّها قائلها من خطب عفا عليها الزمن، دون أن تراعي التغييرات التي طرأت على الوضع السوري منذ عام 2011 حتّى اليوم.
</p><p>هنا جذر المشكلة التي تعاني منها المعارضة السياسيّة السوريّة، وهذا ما برز جليّا في الكلمة التي وجّهها رئيس الائتلاف الوطني السوري "أنس العبدة" مؤخّراً حول الأوضاع الاقتصاديّة وقانون قيصر.
</p><p>إنّ المعارضة السوريّة ارتكبت، وما زالت مستمرّة في ارتكاب خطأ اعتبار معاناة الشعب السوري متعلّقة بشخص بشّار الأسد فقط، لاسيما في الوقت الذي تطرح فيه روسيا رؤية للحل قد لا يكون على رأسها بشّار الأسد، إنّما حكما سيكون على رأسها أحد أعمدة نظامه، وهذا ما قد يضع المعارضة السياسيّة في مأزق حقيقي أمام موسكو حين تقول لهم " مادامت مشكلتكم مع بشار الأسد فها نحن أبعدناه كما ترغبون".
</p><p>يجب على المعارضة توصيف المشكلة في النظام السوري بالكامل ابتداءً من رئيس الجمهوريّة وحتّى أصغر شرطي في وزارة الداخليّة، وهذا ما لم يتطرّق أو يرد التطرّق له رئيس الائتلاف السوري المعارض، بل قال "الجهة الوحيدة المسؤولة عن معاناة الشعب السوري وعن انهيار الاقتصاد هو بشار الأسد والدائرة المحيطة به" وهذا قد يدعم ويُسهّل على الروس السير في رؤيتهم حتّى النهاية.
</p><p>لاشكّ أنّ قانون قيصر "لا يستهدف المدنيين بل يحميهم" كما قال "العبدة" هذا من الناحية السياسيّة، لكن للقانون ارتدادات اقتصاديّة ستتسبّب بانهيار معيشة السوريين، وهذا ما لم يأت على ذكره "العبدة" في كلمته، فمن يعيش في الداخل السوري، لاسيما في مناطق سيطرة المعارضة، كان ينتظر من الائتلاف كلمة تطمينيّة تعلن عن إجراءات عمليّة لمواجهة انهيار الليرة السوريّة وتخفف الضرر الاقتصادي الذي سيعصف بحياتهم هناك، كان المأمول من تلك الكلمة الإعلان عن الخطوات التي سيتّخذها الائتلاف لمواجهة انهيار الليرة والتضخّم الاقتصادي الناتج عن ذلك، لاسيما أنّ الائتلاف الوطني على مدى ثمانية أعوام منذ بداية تشكيله لم يستطع التحرّر من سطوة الأسد الاقتصاديّة على مناطق المعارضة، ولم يستطع "العبدة" وهو صاحب أطول فترة زمنيّة تربّع فيها على عرش تلك المؤسّسة، الاستغناء عن التعامل بالليرة السوريّة واستبدالها بأيّ قطع أجنبي اخر، وبالتالي بقي نظام الأسد يسيطر على أهم الأمور السياديّة في مناطق المعارضة بيد بشار الأسد ونظامه.
</p><p>وبالعودة إلى مقدّمة الكلمة، فلا مبرّر لحشر جملة ليست من مضمون أو محور الكلمة، وهي التأكيد على أنّ هدف المعارضة السوريّة "ليس الوصول إلى السلطة وإنما أن يتمكن الشعب السوري من اختيار من يكون في هذه السلطة" ليعيد من خلالها ذاكرة السوريين إلى خطاب أوّل رئيس اقتلعته ثورة الربيع العربي "زين العابدين بن علي" عندما قال "لا رئاسة مدى الحياة... ولتبق إرادة الشعب التونسي بين أيديه" ثمّ خطاب الرئيس المصري المخلوع "حسني مبارك، عندما قال " إنني لم أكن يوماً طالب سلطة أو جاه" وهذا ما ذكره أيضاً اليمني "علي عبدالله صالح، والليبي "معمّر القذّافي وحتى رأس نظام الإجرام السوري "بشّار الأسد"، فمن المعروف أنّ أيّة معارضة، هدفها الوصول إلى السلطة من أجل تطبيق برنامجها ورؤيتها لإدارة الدولة، وليس معيباً أن يسعى أيّ رجل سياسة ودولة للوصول إلى رأس هرم السلطة، بوصلته حريّة شعبه ونقله من حالة الاستبداد إلى حالة الديمقراطيّة، شريطة أن يأتي به الشعب، وأن يختلف عن الحاكم المستبدّ، لا معه فقط، وهذا ما لا يريد الإفصاح عنه جلّ السياسيين السوريين خوفاً من ردود الأفعال.
</p><p>يبدو أنّ السيّد رئيس الائتلاف لم يحسم أمره بعد في أن يبقى على كرسي رئاسة الائتلاف أو أن ينتقل إلى رئاسة هيئة المفاوضات، لكنّه مازال يعمل على الأمرين معاً، من هنا قال في كلمته "أمامنا الآن كشعب سوري بكل اصطفافاته فرصة حقيقية لأن يكون لنا كلمة وبصمة في صياغة مستقبل سورية" ليظهر مرونة تجاه الفئات التي اصطفّت إلى جانب نظام الإجرام على مدى تسعة أعوام ونيّف من عمر الثورة، وهذا ما قد يعزّز مكانته الدوليّة كشخص يُعتمد عليه في ضمان تحقيق السلم الأهلي دون محاسبة جمهور الأسد، ليبقى السؤال مطروحاً، كيف سيكون لمن اصطفّ مع نظام الأسد الإجرامي، أو داعش المتطرّف أو PYD الإرهابيّة "كلمة وبصمة في صياغة مستقبل سورية".
</p><p>في المحصّلة، لا يريد الشعب السوري في مناطق سيطرة المعارضة سوى أمرين اثنين، حياتهم ولقمة عيشهم، وعلى اعتبار أنّ المعارضة السياسيّة لا تستطيع حماية حياة المدنيين بفعل الصراع الدولي في سوريا، وعدم امتلاكها القدرة على اتّخاذ أيّ قرار في هذا الشأن، فإنّ المأمول منها الاهتمام بالأمور الخدميّة والمعيشيّة، فكلّ خطبة لا تتضمّن الإعلان عن إجراءات وخطوات عمليّة من شأنها تحسين الأوضاع المعيشيّة للمدنيين، سينظر إليها الناس على أنّها خطبة جوفاء مهما كانت عصماء.</p>