هل يصلح رجال العهد القادم ما أفسده العهد البائد؟
<p><span style="color: rgb(247, 247, 247); background-color: rgb(231, 99, 99);">قاسيون ـ سامر العاني</span><br></p><p>سنة جديدة انقضت دون أن يحرز الائتلاف الوطني السوري أي تقدم سياسي في الملف السوري، سنة مليئة بالخلافات الداخلية نتيجة سياسة رئيس الائتلاف، بعد أعوام بذلت فيها جهود كبيرة لحل الخلافات العالقة بين الكتل المختلفة، فأضاع بذلك فرصة ذهبية كان يمكن الاستفادة منها إلى أقصى درجة لو اتكأ على الحالة المستقرة، وسخّرها للإنجازات بدل الانصراف إلى محاولة تعزيز منصبه من خلال مبدأ "فرّق تسد" الذي اتّبعه، وتلك السياسة نتج عنها انقسام الائتلاف الوطني إلى ثلاث فرق.
</p><p>الفريق الأوّل لا يتجاوز أصابع اليدين، ويُدين بالولاء الشديد إلى حد التبعية لرئيس الائتلاف، بيد أنّه يحتل مراكز مهمة في الهيئة السياسية ومكتب الاستشارات الاستراتيجية والدائرة القانونية والأمانة العامة، وهذا الفريق سخّر كل طاقاته وسلطته للدفاع المستميت عن رئيس الائتلاف.
</p><p>الفريق الثاني كان له موقف واضح، إذ اعتبر أنّ استفراد "نصر الحريري" بالسلطة وسوء استخدامه لها يؤسس لمرحلة من الفساد والاستبداد، وعلى الرغم من أن هذا الفريق استطاع تحجيم كم الفساد الإداري والسياسي إلا أنه لم يستطع القضاء عليه تماماً نتيجة قوة مراكز حاشية رئيس الائتلاف.
</p><p>وأما الفريق الثالث فوقف أعضاؤه على الحياد ولم يكن لهم رأي واحد، فمنهم من حاول لعب دور توافقي لحل الخلاف بين الفريقين المتصارعين، ومنهم من استغل الظرف لابتزاز الفريقين وتحصيل أكبر كم من المكاسب.
</p><p>تلك السياسة نتج عنها قرار من غالبية أعضاء الائتلاف الوطني بعدم التجديد للحريري، والسعي لتجريد فريقه من أي مناصب قد تؤثر على عمل قيادة الائتلاف في الدورة القادمة، وهذا ما دفع الحريري للتفكير في بدائل ليبقى زعيماً في صفوف المعارضة، فكان الحل الأنسب بالنسبة له أن يفتتح مشفىً خاصاً في الداخل السوري ويتحول إلى زعيم شعبي دون أي تغيير في سياسته القائمة على مبدأ (فرِّق تسد).
</p><p>إنّ هذا الحل من أخطر ما يمكن أن يحدث، فسياسة نصر الحريري التي يبرع بها يمكن أن تنتج صراعاً سياسياً في الائتلاف الوطني كمؤسسة سياسية، لكنها تنتج كوارث كبيرة في الداخل السوري، لاسيما بين الفصائل العسكرية، وقد تؤدي إلى حالة من الفوضى إن تمكّن بالفعل من إشراك إحدى الفصائل في مشروعه.
</p><p>دور الائتلاف مهم تجاه هذا الأمر، وانطلاقاً من مبدأ الشفافية والمحاسبة فإن المسؤولية الوطنية والأخلاقية تحتم على أعضائه فتح تحقيق حول القرارات العبثية التي أصدرها نصر الحريري منفرداً دون الرجوع إلى الهيئة السياسية أو الهيئة العامة، وعلى رأسها قرار إحداث المفوضية العليا للانتخابات.
</p><p>المساءلة الثانية التي يجب التحقيق فيها هي مصدر ثروة نصر الحريري، فمن يشتري منزلاً بأكثر من نصف مليون دولار لابد أن يمتلك أضعاف هذا المبلغ!، ومطالبة الشعب السوري في هذا الشأن محقة، إذ ليس من المعقول أن تستنسخ المعارضة تجربة رفعت الأسد الذي حمل أموال السوريين وغادر البلاد، وهنا يمكن القول إنه من حق السوريين أن يعرفوا أين تذهب أموالهم، ومن حق الحريري أن يدافع عن نفسه وينفي تلك التهمة بالأدلة والبراهين، فالصمت لن يحل تلك المشكلة، بل سيضع الصامتين في خانة الحياد، والمحايد شريك الباطل إن كانت المعركة بين حق وباطل.
</p><p>تقلد نصر الحريري منصب الأمين العام للائتلاف الوطني عام 2014 ودمّر ما يكن تدميره من البنية الإدارية للائتلاف قبل أن تنتهي مهمته، ثمّ تقلّد منصب رئيس وفد الهيئة العليا للمفاوضات في محادثات جنيف عام 2017، وأجاب على أسئلة دي مستورا التي كانت ورقة رابحة بيد رياض حجاب مفقداً بذلك جزءاً من قوة هيئة المفاوضات، ثم انقلب على رياض حجاب وتولى رئاسة هيئة التفاوض السورية ودمّرها قبل أن يرحل عنها، وآخر محطة كانت تدمير ما بقي من الائتلاف الوطني خلال العام المنصرم، ومن المستغرب أنّ هذا الفشل المتكرر لم يعهد عنه، إذ كانت فترة رئاسته للأطباء في مشفيي الأسد الجامعي ودرعا الوطني لدى نظام الأسد قبل اندلاع الثورة مكلّلة بالنجاح على الرغم من أنّه كان طبيباً جديداً لم يمض على إنهاء اختصاصه أكثر من ثلاث سنوات، وهذا ما يستبشر به خيراً في صفوف المعارضة.
</p><p>أمام الائتلاف الوطني مرحلة هامة عنوانها الإصلاح ومكافحة الفساد، وتلك المرحلة تحتاج لجهود كبيرة بعد عام مليء بالفساد وغياب الشفافية، وإن صحّ ما قاله لي عضو بارز في الائتلاف الوطني بأنّ القرارات داخل الائتلاف تحمل درجة من السريّة لا يمكن لأحد الاطلاع عليها، وأنّ تلك القرارات تخص الائتلاف ولا شأن للسوريين بها، فإنّ ذلك نذير شؤم، والصدمة الأكبر عندما علمت أنّ النظام الأساسي للائتلاف الوطني يعتبر من الوثائق الخاصة وقد يكون لديهم قرار يمنع أي أحد من الاطلاع عليه.
</p><p>ويبقى السؤال الذي ينتظر الإجابة قولاً وعملاً، هل يصلح رجال العهد القادم ما أفسده العهد البائد؟</p>