المجلس العسكري .. واقع أم طموح ..؟*
قاسيون ـ فؤاد عبد العزيز
حسم الفنان جمال سليمان الجدل الذي ثار خلال الفترة الماضية ، على مقترح تقدمت به شخصيات من المعارضة السورية لروسيا ، بتشكيل مجلس عسكري ، يتولى قيادة المرحلة الانتقالية في سوريا ، حيث نفت كل من منصة موسكو والقاهرة ، أن تكون قد تقدمتا بهذا المقترح ، فيما أكد سليمان بأنه هو صاحب هذا المقترح ، ولكن تقدم به بصفته الشخصية ، وليس باسم منصة القاهرة ، التي يعتبر أحد أبرز أعضائها .
وبغض النظر ، عن تفاصيل الجدل الذي دار حول هذا المقترح ، وبالذات ما ورد في تقرير صحيفة الشرق الأوسط ، التي بينت بأن وثيقة المعارضة ، طالبت بأن يصدر بشار الأسد نفسه ، مرسوما بتشكيل هذا المجلس ، لكن على جانب آخر ، يشير الأمر إلى أننا أمام تحريك جديد للمياه الراكدة في الأزمة السورية ، والتي تحولت إلى مياه آسنة ، بسبب تعنت النظام السوري ، وتعطيله لعمل اللجنة الدستورية ، وتفريغها من مضمونها .
بدون شك ، هذا التفصيل خطير ، لأن سليمان يعلم جيدا ، بأن بشار الأسد لن يصدر مرسوما من تلقاء نفسه ، بتشكيل مجلس عسكري يتولى السلطة بدلا عنه ، وأغلب الظن أنه تقدم بهذا المقترح للروس ، بعد جدل طويل ، وكونه يعلم بمدى سطوتهم عليه ، وبمقدرتهم على إجباره على إصدار مثل هذا المرسوم .
بالإضافة إلى ذلك ، فإن فكرة المجلس العسكري ، على ما يبدو ليست خاصة بهذا المقترح ، وإنما يجري العمل عليها من أطراف أخرى ، وفقا لتأكيدات العميد مناف طلاس ، الذي ثارت الشائعات خلال الفترة الماضية ، عن أن هذا المجلس سوف يكون بقيادته .
وقد تناقلت العديد من الغرف على وسائل التواصل الاجتماعي ، تسجيلا لطلاس ، يعلن فيه صحة العمل على تشكيل مثل هذا المجلس ، ولكن دون أن يقدم أية تفاصيل ، تؤكد جدية هذه الفكرة وقابليتها للتطبيق ، وخصوصا من ناحية وجود الدعم الدولي لها ، من قبل أمريكا والدول الأوروبية ، على اعتبار أنها الوحيدة القادرة على فرض الحل السياسي في سوريا ، رغما عن كل الأطراف المتدخلة فيها .
إذا ، وكما يبدو ، هناك حراك من نوع ما ، يتسارع بالتوازي مع حراك آخر ، يقوم به النظام ، عبر إعادة ترشيح بشار الأسد لولاية جديدة ، بهدف تعطيل كافة المشاريع الأخرى ، ومنها فكرة المجلس العسكري ، أو حتى قبل أن يتبلور الموقف الأمريكي ، تجاه الأزمة السورية ، مع إدارة بايدن .
لكن من جهة ثانية ، دعونا نناقش الامر بمنطقية .. هل سيسمح الأسد ومن خلفه الروس والإيرانيين ، بتشكيل مثل هذا المجلس والتخلي عن بشار الأسد ..؟
للوهلة الأولى ، يمكن الإجابة بأن هذا الأمر أشبه بالمستحيل ، وخصوصا بالنسبة لبشار الأسد ، الذي ارتكب كل هذه الفظائع بحق سوريا والشعب السوري ، فهو عندما قام بها ، كان يعلم أن التراجع خطوة واحدة للوراء ، يعني نهايته على حبل المشنقة ، لذلك هو سوف يقاتل حتى اللحظة الأخيرة ، حتى لو اضطره الأمر لتفجير المنطقة برمتها ، ومن خلفه إيران ، التي ستدعمه بكل قوتها لمناهضة تسليمه السلطة .
أما بالنسبة لإمكانية قبول بشار الأسد ، بالتخلي عن السلطة ، فهذا الأمر يعود إلى روسيا ، ومجموعة الدول الدولية ، التي يمكن أن توفر له الحماية والأمان والعيش ، بعيدا عن سوريا ، ومدى الضمانات التي ستقدمها له … وحتى هذا الأمر سوف تقاومه إيران بكل طاقتها ، لأن أي تغيير في تركيبة النظام ، ولو بنسبة 20 بالمئة ، يعني خروجها من سوريا بشكل كامل ، وهذا الأمر يعني ضياع جهودها وأموالها ، التي بذلتها على مدى أربعين عاما ، هباء منثورا ، لأن أي تغيير في سوريا ، سوف يمتد إلى لبنان ، وينهي مغامرة حزب الله ، بشكل كامل .
باختصار ، القضية معقدة كثيرا ، وحساباتها أصعب من أن يتم تحليلها عبر المقالات والآراء ، وإنما هي مسألة استراتيجية بكل معنى الكلمة ، يتطلب حلها ، حل العديد من القضايا في منطقة الشرق الأوسط ، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني ، وغيرها من الملفات الشائكة في المنطقة .. لكن في النهاية نستطيع القول ، إنه ليس هناك شيء مستحيل بالنسبة للدول الكبرى ، فيما لو قررت التغيير ..