شرق الفرات .. وسياسات التنازل لدى بشار الأسد
قاسيون ـ فؤاد عبد العزيز
الحديث عن مطامع اقتصادية ، لكل هؤلاء الذين يتجمعون ويتقاتلون في أقصى الشمال الشرقي من سوريا ، لم يعد تنجيما في فنجان ، أو أنه قراءة متسرعة وخفيفة للحدث ، بل إن الخفيف هو من يقلل من أهمية الشروط الاقتصادية ، في إدارة النزاعات والصراعات بين الدول .
وكما يعرف الجميع ، ينام شرق الفرات السوري ، على ثروة طبيعية كبيرة ، قوامها النفط والغاز والمياه ، هذا ناهيك عن الثروة الزراعية والحيوانية والأراضي الخصبة الواسعة .
وهي منطقة ، خرجت عن سيطرة النظام السوري ، منذ نحو ثماني سنوات ، وبكل ثرواتها ، التي تحت الأرض وفوقها .. لكن ما يلفت الانتباه على الدوام ، أن النظام قاتل بشراسة ، من أجل استرجاع جرود جرداء في مناطق شتى من سوريا ، لكنه أبدا لم يخض ولا معركة في تلك المنطقة الغنية من سوريا ، مع أنه كان يجب أن تكون معركته الأولى هناك ، وبالذات عندما زادت الضغوط الاقتصادية عليه ، جراء تأمين النفط والغاز والقمح لحكومته وجيشه .
هذا يعني شيئا واحدا ، أن النظام كان قد تخلى عن تلك المنطقة ، ومنذ بداية الثورة ، ضمن اتفاقيات تحت الطاولة الدولية مع تركيا ، مقابل تركه ينعم بكرسي الحكم .. وهي تنازلات اعتاد عليها النظام منذ العام 1998 ، في اتفاقية أضنة ، التي كان من أبرز نصوصها ، ليس المنطقة الآمنة لتركيا بعمق 5 كيلو متر فحسب ، وإنما التخلي عن المطالبة بـ"لواء اسكندرونة" وشطبه تماما من الخرائط السورية … وهذا الأمر في ذلك الوقت ، كان مؤشرا خطيرا ، عن سياسة حافظ الأسد في نهاية عهده ، الذي كانت تروج له وسائل الإعلان بأنه رفض التوقيع على سلام مع إسرائيل ، مقابل بضعة مترات بالقرب من بحيرة طبرية ، بينما في هذا الاتفاق ، يتنازل عن منطقة بحجم محافظة طرطوس أو أكبر .
الكثيرون يقولون ، إن مهندس اتفاق أضنة ، ليس حافظ الأسد ، الذي كان في تلك الفترة ، على حافة قبره ، ويعاني من الاضطراب والأوجاع ، وإنما بشار الأسد ، الذي بدأت فترة حكمه لسوريا ، بشكل فعلي في العام 1998 .
ومن مؤشرات ذلك ، هو سياسات التنازل التي ميزت عهد بشار الأسد بعد العام 2000 وصاعدا ، فهو بعد ذلك التاريخ ، كان تقريبا في كل عام يتنازل عن شيء من السيادة الوطنية والنفوذ العربي والإقليمي لسوريا ، وصلنا معها في العام 2009 إلى توقيع أكثر من 50 اتفاقية مع تركيا ، كانت تتيح لها الإشراف على أبرز وزارة الدولة السورية ، وتعطيها امتيازات تجارية واقتصادية كبيرة ، تسببت بدمار الصناعة السورية ، بعد أشهر قليلة من تطبيقها ..
ونفس الشيء ، حدث في تخليه عن دوره العربي ، عندما انحاز لميليشيات وعصابات حزب الله ، على حساب سيادة لبنان وعلاقاته العربية .. ولا نريد في هذا الصدد التطرق إلى انسحابه من لبنان ، بطريقة مهينة ومذلة ، لأننا بالأساس كشعب سوري لم نكن نرغب بهذا التواجد ، ولكن بنفس الوقت ، كنا نرغب لهيبة بلدنا أن تبقى محفوظة ، وأن يخرج جيشنا من لبنان مرفوع الرأس وليس مطأطئه ..
سياسات التنازل ، لمن لا يدري ، امتدت إلى الأردن ، ولازالت الأردن حتى اليوم تحتفظ بأوراق لمباحثات في العام 2010 ، يطالبون فيها الحكومة السورية بعمق 5 كيلو متر على طول الحدود ، ويقولون إن بشار الأسد كان على وشك أن يوافق لولا بدء الثورة السورية في العام 2011 .
ونفس الشيء في الحدود مع لبنان ، الذي كان يطالب بترسيم الحدود ، مع مطالبته بمناطق جديدة من سوريا ، لم يكن بشار الأسد يمانع بإعطائهم إياها ، مقابل أن يحفظ ذلك سلامة كرسي حكمه ..
نظرية التنازل عن الأراضي السورية والسيادة الوطنية ، لدى بشار الأسد ، تجلت بشكل أكبر ، بعد العام 2011 ، عندما جلب كل قوى الأرض لكي تقيم قواعدها العسكرية على أرض سوريا ، وتحصل على ما تشاء من امتيازات .. ولكم أن تتخيلوا ، من كل هؤلاء الأعداء الذين يتحدث عنهم نظام الأسد ، ومؤامراتهم ، فإن لا أحد يريد أن يسقط حكمه ..! بل على العكس ، الكل يسعى للحفاظ عليه ، بدءا من أمريكا واسرائيل وانتهاء بالبحرين ..
لذلك ، لم نعد نستغرب أن يكون هناك اتفاقا بين النظام وتركيا ، على أخذ المنطقة الشمالية من سوريا بكامل ثرواتها ، مقابل أن يدعوه وشأنه في الحكم ..
كل تصرفات وسلوك بشار ، تشير إلى أنه لم يعد راغبا بحكم العالم كما توقع له عضو مجلس الشعب في مطلع الثورة ، وإنما هو قابل بأي شيء .. المهم أن يبقى رئيسا ولديه شعب وحكومة .. ومؤامرة كونية يحاربها .. وممانعة يتحالف معها .. وكل ذلك لا يتطلب منه أن يكون حاكما لبلد عظيم مثل سوريا .. وإنما يكفيه قصر المهاجرين والمنطقة المحيطة به ..