الثورة السورية في 18 آذار .. هل من منصت ..؟
قاسيون ـ فؤاد عبد العزيز
أكاد لا أتذكر من كل أحداث الثورة السورية، ويعلق في ذهني تماما، إلا يوم انطلاقتها في 18 آذار من عام 2011 .. كان بشار الأسد قد أعلن قبل أيام في لقاء مع إحدى المحطات العالمية، بأن شعبه خراف، وبأنه الراعي الذي لا يحتاج لقيادته سوى لـ "شبابة"، وذلك ردا على سؤال المذيع عن إمكانية قيام ثورة شعبية في سوريا، بعد انطلاق ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا ..
لقد جعلتنا تلك المقابلة نشعر بالإهانة الكبيرة نحو أشقائنا الذين ثاروا على أنظمة بنفس وساخة نظامنا.. ورحنا نتساءل : هل هم أرجل منا ..؟ ثم أخذت العيون تتطلع إلى زوايا الوطن، بحثا عمن يقول لهذا الرجل بأنه كذاب، وبأن الشعب السوري يمقته ويمقت حكمه وحكم والده.. فكانت أن جاءت الاستجابة الشافية لـ"الغليل"، من درعا..
كنت في درعا في ذلك اليوم، وأستعد للذهاب إلى دمشق والالتحاق بعملي في وكالة سانا، عندما جاءني الصديق محمد العويد بعد صلاة الجمعة، وكان مديرا لمكتب سانا في درعا، ليخبرني أن محافظ درعا فيصل كلثوم، اتصل به قبل قليل وطلب منه الالتحاق فورا بالعمل، لأن هناك اعتصاما كبيرا أمام الجامع العمري، والأوضاع تنذر بالتفاقم … فطار هو إلى مكتبه في درعا، وطرت أنا إلى دمشق..
حتى اليوم لا أستطيع وصف الوجوه التي قابلتها لدى دخولي إلى صالة التحرير في وكالة سانا بدمشق.. شيء يبعث على الغبطة حقيقة، مع رؤية وجوه كانت إلى فترة قريبة تعاملك وكأنك ضيف على هذا البلد، وأنك يجب أن تحمد الله أنهم سمحوا لك بالعيش والعمل فيها، ثم فجأة أصبحت هذه الوجوه وكأنك صفعتها بـ"النعال" ..اقترب مني أحدهم، وسألني بصوت هامس: شو صاير عندكن بدرعا..؟ فقلت له وأنا أراقب ارتفاع ملامح الرعب في وجهه: الدنيا قايمة ..سحب وجهه من أمامي ، وذهب إلى جهاز كمبيوتره، ليمارس الوجوم شأنه شأن أكثر من خمسين صحفيا كانوا موجودين في الصالة..كان المشهد ثقيلا بالنسبة لي، فجميع الوجوه حزينة، أو تتظاهر بذلك، بينما أنا أكاد أطير من الفرح والسرور، وممنوع عليّ إظهار ذلك .. فماذا أفعل ..؟ كنت بين الفترة والأخرى، أستل هاتفي وأخرج من الصالة لأتصل بالصديق محمد العويد، الذي كان يضعني في صورة الأحداث أولا بأول، ثم أعود لأروي لبعض المرعوبين، بأن الأوضاع في درعا بدأت تخرج عن السيطرة وهي تنذر بانفجار عظيم..
في هذه الأثناء كانت وكالات الأنباء العالمية، تنقل الأخبار تباعا، بينما تعطل العمل في وكالة سانا، وفي جميع وسائل الإعلام الرسمية، بانتظار الأوامر من القصر الجمهوري، عن كيفية التعامل معها .. بحدود الساعة الحادية عشرة ليلا، أضاءت أجهزة كمبيوتراتنا، معلنة صدور أول خبر من سانا بعد توقف الإرسال لأكثر من أربع ساعات، كان الخبر من ثلاثة أسطر، ويتحدث عن تجمع عدد من المواطنين في درعا، ودخول مندسين على التجمع، ما أدى إلى مقتل اثنين..طبعت الخبر، وهرعت به إلى أمين التحرير المسؤول عن الفترة المسائية، وكانت في ذلك الوقت، يوسف دحدل .. قلت له بشيء من الانفعال:"من كتب هذا الخبر .. ؟" نظر إلى من فوق نظارتيه، فاتلا شفتيه، لكن دون أن ينبس بشيء، أردفت بعصبية واضحة: "الخبر كاذب .. وسوف يقلب الدنيا"..لكنه أيضا لم يعلق بشيء .. فحملت أغراضي وخرجت من الوكالة، وكلي يقين بأن بداية الثورة السورية الفعلية سوف تكون بعد هذا الخبر.