لما كنا عايشين ..!*
قاسيون ـ فؤاد عبد العزيز
في مطلع العام 2010 ، حضرت نقاشا مفتوحا في مدرج محافظة درعا ، بين رجال الأعمال ونائب رئيس الوزراء آنذاك ، عبد الله الدردري ، للوقوف على الصعوبات التي تعترض تطوير استثماراتهم في سوريا ، وسبل تذليلها .
يومها وقف رجل الأعمال ، رمضان مشمش ، وتحدث على الملأ ، عن عمليات ابتزاز تعرض لها من أجهزة الأمن ، من خلال توقيف استثماراته ، تحت ذرائع مختلفة .
وقال مشمش للدردري في ذلك الاجتماع ، إن بشار الأسد ولدى زيارته إلى الإمارات ، التقى برجال الأعمال السوريين ، وطلب منهم القدوم إلى سوريا والاستثمار فيها ، ووعدهم بتقديم كل التسهيلات التي يحتاجونها ، ثم وزع عليهم رقم هاتف ، قال لهم إنه للاتصال به مباشرة ، وبمن يستطيع إبلاغه بحاجتهم على وجه السرعة .
ويتابع مشمش ، أنه بناء على ذلك جاء إلى سوريا مع غيره من رجال الأعمال ، وبدأ بمشاريع كبيرة ، بعشرات ملايين الدولارات ، لكنه فوجئ بعد فترة من الإقلاع بالمشروع ، وإذ بأجهزة الأمن تحاصر المكان ، وتطلب من العمال التوقف عن المتابعة .. ويقول إنه بعد أن تواصل مع أجهزة الأمن لمعرفة السبب ، طلبوا منه ترميم عدة مدارس في طرطوس بقيمة 12 مليون ليرة .. وبالفعل هذا ما فعله بحسب قوله ، لكنه فوجئ بعد فترة بتكرار محاصرة أجهزة الأمن للمكان ، وحدث نفس الشيء ، حيث طلبوا منه هذه المرة تزفيت شارع في الست زينب بقيمة 6 ملايين ليرة سوريا .. ثم توقف العمل مرة ثالثة وأيضا طلبت منه أجهزة الأمن تقديم تبرعات أو ما شابه لشيء له علاقة بالمنطقة الساحلية ، بقيمة ملايين الليرات .
هذه الحادثة ظلت عالقة بذهني لفترة طويلة ، إلى أن التقيت بأحد رجال الأعمال السوريين الكبار المقيمين في الإمارات ، ورويت له ما حدث مع رمضان مشمش ، فضحك ثم قال لي : صحيح .. لقد ورطنا بشار الأسد بكل معنى الكلمة ، أما بالنسبة لرقم الهاتف الذي وزعه علينا ، فقد تبين أنه وهمي ، لا أحد يرد عليه .. وعلق على قصة مشمش بالقول : مجموع ما دفعه من أجل تسيير أعماله لا يتجاوز الـ 30 مليون ليرة سوريا ، أما أنا فقد دفعت نحو مليار ليرة سوريا ، ومع ذلك فإني أفاجئ بين الفترة والأخرى بمحاصرة عناصر الأمن لمشاريعي ويطلبون التوقف عن المتابعة بها ، فأعرف أنه يجب علي أن أدفع المعلوم ..
وعلى ما يبدو أن هذا التعامل لم يكن يقتصر على رجال الأعمال السوريين ، بل كان يمتد للشركات العربية والأجنبية ، التي كانت تستثمر في سوريا .. حيث روى لي مرة أحد المدراء في شركة الديار القطرية ، أن أجهزة الأمن كانت تحاصر مشروعهم في رأس هانئ في اللاذقية بين الفترة والأخرى بحجة وجود مخالفات ، ثم يطلبون منهم دفع مبالغ طائلة كرشاوي لبعض رجال المخابرات أو لمتنفذين من عائلة الأسد ، من أجل أن يستطيعون المتابعة ..
هذا بالضبط ما كان يجري في دولة الأسد الأمنية قبل العام 2011 ، أي في مرحلة "كنا عايشين" ، دون أن يعرف الكثير من أبناء الشعب السوري بمثل هذه الحوادث .. لكن من خلال صلتي بعدد كبير من رجال الأعمال في تلك الفترة ، بحكم عملي الصحفي ، فقد سمعت قصصا تشيب لها رؤوس الأبقار ، عن حالات ابتزاز بمئات ملايين الدولارات لرجال أعمال سوريين ، أرادوا أن يعودوا إلى البلد ويعملون فيها ، إلا أن أجهزة الأمن كانت لهم بالمرصاد ..
الجديد في الموضوع أن النظام يطلب اليوم من هؤلاء المستثمرين العودة إلى سوريا ، واعدا إياهم بتقديم كل التسهيلات والخدمات ، بما فيها تقديم القروض المجزية لهم .. فكتب لي أحد رجال الأعمال على الخاص تعليقا على هذا الخبر : لا يقع في الحفرة مرتين سوى الحمار ..
"الصورة : مشروع البوابة الثامنة الذي نفذته شركة إعمار الإماراتية في منطقة يعفور بريف دمشق بقيمة أكثر من مليار دولار ، وتم إجبار صاحب المشروع على التبرع ببناء سوق دمشق للأوراق المالية بكلفة مليار ليرة سوريا "