سياسة إذلال المواطن السوري*
قاسيون ـ فؤاد عبد العزيز
يروى بأن حافظ الأسد ، عندما عرضوا عليه السرافيس الجديدة التي ظهرت في بداية التسعينيات ، من أجل استخدامها كوسيلة نقل داخل المدن وبين الأرياف ، علق بسؤال واحد فقط : هل هذا يعني بأن المواطن الذي يريد أن يركب هذه السرافيس أو ينزل منها ، سوف يضطر لأن يحني رأسه وظهره ..؟ ثم ابتسم بخبث ، وقال لهم : توكلوا على الله ..
وقبل ذلك ، كان النظام قد روض الشعب السوري ، عبر عمليات الترويع من الاعتقال والنسيان في غياهب السجون لسنوات طويلة ، دون أن يجرؤ أحد من أهلك السؤال عنك وعن مصيرك ، بل غالبا ما كان ذوو المعتقل يتبرأون من ابنهم ، من أجل أن تستمر حياتهم وأنشطتهم في حدودها الدنيا .
بعد العام 2000 ، أي بعد تسلم بشار الأسد السلطة ، لا أحد ينكر ، فقد حدثت انفراجة محدودة ، أصبحت معها المخابرات لا تتدخل بشكل مباشرة في حياة الناس العاديين ، وإنما انصب جهدهم على الناشطين السياسيين البارزين والأسماء المعروفة ، أو لكل من تسول له نفسه بالانضمام علنا إلى هذه الأسماء ، حيث يتم البطش به على الفور .
وهذا لا يعني بأن النظام لم يستمر بسياسة إذلال السوريين ، وإنما استخدم طرقا مختلفة ، غير تلك التقليدية التي كان يستخدمها حافظ الأسد ، والذي جعل من أي عنصر مخابرات في الشارع ، بمثابة الحاكم العرفي على الشعب ، يفعل به ما يشاء دون حسيب أو رقيب .
أول ما قام به بشار الأسد هو تغيير معايير الوطنية ، والتي كانت في السابق الولاء لحافظ الأسد فقط ، أما بعد العام 2000 ، فقد أصبح الولاء لحزب الله جزءا أساسيا من هذه المعايير ، وقد يعرضك انتقاد الحزب أو أمينه العام ، لما هو أخطر من انتقاد بشار الأسد ذاته .. وبذلك أصبح الشعب السوري مضطرا لأن يبدي الولاء لمكون خارجي لا يمت له بأي صلة .. بل على العكس يختلف عنه في المذهب وفي الاستراتيجية ، وفي كل شيء تقريبا .
الأمر الآخر الذي عمل عليه بشار الأسد ، بقصد إذلال الشعب السوري بعيدا عن قبضة المخابرات المباشرة ، هو تمكين عصابة من رجال الأعمال المقربين منه والمحيطين به ، من لقمة عيشهم ، حيث راح هؤلاء يفرضون ما يشاؤون من قرارات ظالمة ، بهدف زيادة ثرواتهم ، وسط تماهي النظام معهم والانصياع لرغباتهم ، حتى بات المواطن السوري بحاجة للعمل في أكثر من موقع ، من أجل أن يكون قادرا على دفع فواتير موبايلات الأسرة لرامي مخلوف فقط ، هذا فضلا عن ظاهرة تغيير موديل الموبايل وفقا للمزايا الجديدة ، الذي أصبح إجراء لا يمكن الاستغناء عنه بسهولة .
أما اللقطة الأخرى ، فكانت في ظاهرة الفساد ، التي تعاظمت في عهد بشار ، في الوقت الذي أعلن فيه لدى قدومه إلى السلطة ، بأن مشروعه الأساسي هو مكافحة الفساد ، إلا أن ما حدث هو أن الفساد اتخذ شكلا عاديا ، أصبح معه المواطن مضطرا لرشوة أصغر موظف في الدولة ، من أجل تتيسر أموره ، ناهيك عن ظهور طبقة جديدة من أصحاب الأموال والميسورين في كل مكان ، حيث أصبح لهؤلاء حظوة ومكانة ، راحوا يتسلطون فيها على الناس العاديين ، ضاربين بعرض الحائط كل تهديداتك بالشكوى عليهم ، لأنهم بكل بساطة كانوا يدفعون ما يترتب عليهم وزيادة إلى أجهزة المخابرات ، التي كانت تحميهم من أي مساءلة .
ويمكن القول ، إنه في العشر سنوات الأولى من حكم بشار الأسد ، وإلى ما قبل انطلاق الثورة السورية ، في العام 2011 ، كان الشعب السوري يقف على حافة الانفجار ، من تراجع دور الحكومة في ضبط الأمور ، وتخليها عن مسؤولياتها ، لصالح طبقة جديدة من التجار ، التي راحت تفرض شروطها على الحياة الاقتصادية للشعب السوري ، بعيدا عن أي رقابة أو محاسبة ، وكل ذلك كان يجري تحت شعارات براقة تدعي العدالة الاجتماعية ، وتوزيع الدعم على مستحقيه .. بينما على أرض الواقع ، كان الشعب السوري ينقسم بسرعة هائلة إلى طبقتين : طبقة تملك وتتحكم في كل شيء ، وطبقة تعمل وتشقى من أجل زيادة ثروات الطبقة الأولى .. أما فئة الموظفين الحكوميين ، فقد تم إغراقها بالديون من المصارف الحكومية ، التي راحت تمنحها القروض ، بتسهيلات غير مسبوقة ، ودون تقدير لما سيغدو عليه وضع هذه الأسرة ، بعد أن تستنفذ القرض ، في تلبية حاجيات أساسية وليست كمالية .
كل ذلك ، ساهم في انتفاضة الشعب السوري ، الذي وجد نفسه أمام خيارين ، إما أن يكون قريبا من المتنفذين من أجل أن يحصل على حقوقه ، وإما أن يكون اللقمة السائغة في أروقة البيروقراطية ، المتحكم بها حفنة من أبناء السلطة .. لهذا اختار الثورة والتغيير ، رغم معرفته بتكلفتها الكبيرة ، لكنه أبدى استعداده لتحملها .. وأكبر دليل على ذلك أن الشعب السوري ، لايزال يريد إسقاط النظام ، ويرفض العودة إلى بلده ، مادام بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا .