بين لعنة الحرائق وعدالتها*
قاسيون ـ عادل قطف
أظهرت الحرائق التي ضربت جبال الساحل السوري في الأيام الماضية ، بأن الانقسام والشرخ بين أبناء المجتمع السوري الواحد ، لا يمكن التعمية عليه ببعض كلام الوطنية والعيب والحرام ، التي حاول بعض الناشطين ، أن يردوا فيها على من أظهر الشماتة بالموالين للنظام ، ممن وصلت الحرائق إلى بيوتهم ، بل إننا أمام واقع مر لا بد أن نقف عنده ، وهو أن الشعب السوري ، ليس من السهولة أن يعود شعبا واحدا ، وحتى لو سقط النظام ، فإننا أما مخاطر تنتظر سوريا مستقبلا ، والتي قد تقود إلى مطارح غير مستحبة ، كالتقسيم على سبيل المثال .
برأينا أن درس الحرائق الأخير ، يعطي صورة واضحة عما وصل إليه الشعب السوري ، بعد نحو عشر سنوات ، من محاولات تفتيته على يد هذا النظام المجرم .. ونأسف للقول بأنه نجح في إحداث الشرخ المطلوب ، بحيث أن خيارات سوريا المستقبلية سوف تظل محصورة ، بين الإبقاء على هذا النظام ، أو استبداله بنظام آخر من نفس الطبقة السياسية ، إذا ما أردنا تجنب التقسيم بالطبع .. وهو ما يعني في المحصلة ، أن صراع الشعب السوري مع الحرية والديمقراطية ، سوف يكون طريقه طويل جدا ، ما لم نأتي بطبقة سياسية قادرة على جمع هذا الشعب من جديد ، وتوحيد رؤيته نحو المستقبل .
الكثيرون يتطلعون إلى التجربة "الراوندية" في أفريقيا ، على أنها مثال يمكن شحن الأمل منها سوريا ، وهي الدولة التي شهدت مذابح أهلية بين شعبها ، ومع ذلك استطاعت الطبقة السياسية التي جاءت بعد هذه المذابح ، أن تلملم جراح هذا الشعب ، وأن تجعله يتطلع نحو المستقبل ، من خلال تحفيز الاقتصاد ، وإقامة عدالة انتقالية حقيقية ، طالت كل من عمل على تغذية العنف من جميع الأطراف .
ونحن في سوريا ، يجب أن لا يغيب عن أعيننا ، من أن الطبقة الأوسع من المجتمع باتت على معرفة ويقين ، بأن النظام هو سبب بلائهم ، بما في ذلك أبناء الطائفة العلوية أنفسهم ، لكن ما نحتاجه هو الطبقة السياسية الواعية ، وهو ما لم يتوفر حتى الآن لدى المعارضة بجميع أطيافها ..
وأخيرا ، نتمنى أن يكون درس الحرائق الأخير ، مفيدا لأبناء الشعب السوري كله ، وبالذات ممن تماهي مع شعار "الأسد أو نحرق البلد" .. لقد ظن هؤلاء أن بيوتهم خارج البلد ، ونسوا أن أي حريق سوف يصيب البلد لا بد أن يصل إلى بيوتهم ..