وكالة قاسيون للأنباء
  • السبت, 11 يناير - 2025

فن التكويع في أصول الكولكة والتلميع

فن التكويع في أصول الكولكة والتلميع

 تفاجأ مئات الآلاف من السوريين الذين خرجوا منتفضين قبل أربعة عشر عامًا ضد نظام الأسد البائد، بالانقلاب الدراماتيكي الذي سلكه آلاف المؤيدين والموالين لنظام الأسد الساقط، من الضباط والشبيحة وشريحة واسعة من الفنانين والمثقفين، وذلك بعد انتصار إرادة الشعب السوري الحر وإزالة منظومة الفساد الحاكمة وفِرَار الأسد إلى روسيا وتركهم يواجهون مصيرهم، ما دفعهم إلى تغيير البوصلة مئة وثمانين درجة والإعلان عن تأييدهم للثورة، وهو ما أطلق عليه السوريون مصطلح ((التكويع)).

لا ضير في ذلك بالنسبة لمن كان صادقًا في مشاعره تجاه الثورة من الذين لم يكونوا قادرين على البوح بها خوفًا من السجن والإهانة، لكنه ليس مبررًا للصمت على ما جرى أمام أعينهم، وبغض النظر عن الأسباب التي دفعتهم إلى الصمت طيلة هذه السنوات، إلا أن معظم من سلك هذا الطريق وأقصد هنا ((التكويع)) هم من الشخصيات العامة والمسؤولين والفنانين وبعض الضباط والشبيحة، أي أنهم أشخاص أقدموا على تغيير مواقفهم طلبًا للأمن أو الاسترزاق، متجاهلين وصفهم للشعب السوري الثائر بالإرهابي، أو ما تعرض له هذا الشعب خلال سنوات الثورة من قتل وتدمير وتهجير واعتقالات تعسفية وإعدامات ميدانية على يد نظام الأسد المجرم.

لم يقتصر الأمر على ذلك، بل يجب الحديث عن الأثر النفسي الذي سببته تلك الشريحة المؤيدة لابناء سوريا الذين رفضوا الذل والظلم ، وذلك من خلال مطالبتهم الدائمة لما يسمى بجيش النظام والميليشيات الإيرانية المساندة له عبر وسائل التواصل والقنوات المتلفزة التابعة والموالية للأسد، بإبادة المدنيين في تلك المناطق و قصفهم بالبراميل المتفجرة والكيماوي.

كانت قسوة هؤلاء وعنصريتهم وطائفيتهم واضحة للجميع، بل للعالم أجمع، عند شماتتهم بمن يقتل من الأطفال والنساء وكبار السن، وضحكاتهم التي لا تنتهي كلما زاد عدد الشهداء من المدنيين في المناطق التي خرجت عن حكم منظومة آل الأسد المجرمة.

لكن بعد هذه السنوات الطويلة من العذاب والقهر، أثبت أبناء سورية الثائرون أنهم أصحاب مشروع وطني، يدعو إلى التسامح والعيش السلمي بين كافة أطياف الشعب، مستثنين من تلطخت أياديهم بدماء السوريين والمحرضين على القتل، محافظين بذلك على خصوصية النسيج الاجتماعي السوري الذي يجمع بين العديد من الطوائف والديانات، والتأكيد على حق المواطنة لكل فرد من أفراد المجتمع السوري، مؤكدين على أن حلمهم عندما خرجوا ثائرين كان يهدف إلى بناء دولة يحكمها العدل والمساواة، وخير دليل على ذلك هو هتاف المتظاهرين السلميين منذ انطلاق الثورة السورية ((واحد… واحد… واحد… الشعب السوري واحد )) ولكن هؤلاء لم يفهموا الرسالة، بل وقفوا إلى جانب الطاغية من خلال تلميع صورته والدفاع عنه أمام المجتمع الدولي، وعبر المسلسلات والبرامج التلفزيونية، أما ما تبقى فكان يمارس الكولكة والتلميع من أجل الاستفادة إما ماديًا أو للحصول على منصب ما.

هذا التلميع أو ما يُسمى بالعامية السورية (بتمسيح الجوخ) الذي يحاول هؤلاء استخدامه بعد الانتصار، من خلال محاولة إيهام الشعب بأنهم كانوا مناصرين للثورة ولكنهم كانوا خائفين، متجاهلين ما نشروه سابقًا عبر صفحاتهم التي لا يمكن إخفاؤها مهما فعلوا، وتصريحاتهم التي تملأ السوشيال ميديا وتحريضهم على القتل والدفاع عن القاتل، بات مكشوفاً وجلياً أمام أعين الجميع، ولكن الشعب السوري الحر تجاوز عن ذلك لتغليب مصلحة الوطن، ورغم مواقفهم السابقة إلا أنهم يحاولون مجددًا استعمال نفس الأساليب التي كانوا يقومون بها قبل سقوط الأسد من أجل الحصول على مكتسبات ومناصب وتلميع صورتهم أمام الحكومة الجديدة في سوريا، وهنا يجب الإشارة إلى أن هؤلاء وحسب ظنهم بأنه من الممكن أن يكون لهم دور في مستقبل سوريا الجديدة.

في النهاية أعتقد أن أبناء هذه الثورة الذين قدموا الدماء و فقدوا أحبتهم إما في معتقلات النظام البائد أو عبر القصف والقتل وغيره من الأساليب التي كان يتبعها النظام وميليشياته، لن يسمحوا لهؤلاء باستغلال هذا النصر وتحقيق مكاسب على حساب دماء أبنائهم وذويهم، بل على العكس لقد كانت التصريحات التي أُطلقت منذ التحرير إلى الآن واضحة وهي أنه يجب على هؤلاء المكوعين التزام منازلهم و إفساح الطريق أمام الخبرات الجديدة التي نضجت خلال سنوات الثورة السورية المباركة.