وكالة قاسيون للأنباء
  • الثلاثاء, 3 ديسمبر - 2024

النعيم الأوروبي

النعيم الأوروبي
<p><span style="color: rgb(247, 247, 247); background-color: rgb(231, 99, 99);">قاسيون ـ فؤاد عبد العزيز</span></p><p>من الصعب أن تقنع سوريا يعيش في تركيا منذ عدة سنوات ، ويعمل لأكثر من 10 ساعات يوميا ، وبراتب لا يزيد عن 300 دولار شهريا ، أن البقاء هنا أفضل بكثير من الهجرة إلى أوروبا .. عبثا تحدثه عن الفوارق الثقافية وصعوبة التأقلم ، والبرد الشديد ، في الطقس والعلاقات الاجتماعية ، فهو سرعان ما يصم أذنيه ليعطيك إياها من الآخر :"بكفي أن الإنسان هناك لا يخاف من بكرا ..؟!" ويقصد الغد المعيشي .. </p><p>هذه العبارة تقف حائلا بينك وبين الاستمرار في الحوار مع أي سوري يعيش في بلدان اللجوء غير الأوروبي ، لأنك إذا كنت رب أسرة ، تدرك معنى أن يعجز الرجل عن تأمين الخبز والدواء واللباس لعياله ، والحماية لهم من أصحاب البلد الأصليين ونظرات الاحتقار والدونية .. فهي مشاهد قد يتحمل المرء ضغطها لسنة أو لسنتين ، ولكن من الصعب ، أن يعيشها مدى حياته ، وسط غياب الأفق والأمل بالعودة مجددا إلى سوريا .. </p><p>لكن يجب أن تدرك أن "الإطمئنان من بكرا" ليس مجانيا في أوروبا ، وإنما على حساب أشياء مهمة وأساسية في منظومة قيمك وتفكيرك .. قد يكون الخوف من الغد المعيشي ، غير موجود هناك ، لكن سوف تمضي باقي حياتك حزينا وخائفا من الغد المستقبلي : كيف سأزوج بناتي ..؟ ومن يضمن أن لا يضيع أولادي في ملذات أوروبا ..؟ وعندما أموت ، أين سأدفن ..؟ وهل من المعقول أن يحرقون جثتي إذا تخلى أولادي عني ..؟ .. هذه الأسئلة أكثر ما ستخطر على بالك وتسيطر على تفكيرك عندما تستقر الأمور بك هناك ، وتصبح مطمئنا إلى أنك لن تبحث بعد اليوم عن تأمين لقمة الخبز والدواء لأطفالك .. </p><p>بالنسبة للشباب ، الأمر مختلف ، فقد تكون أوروبا هي أنسب مكان يلجأون إليه ويعملون به ويدرسون ، وهم من جهة ثانية أكثر قدرة على التغلب على الصعوبات ، التي قد يعجز عن مواجهتها أرباب الأسر من الأعمار المتوسطة وما فوق .. وهي صعوبات أغلبها تتعلق باللغة ، وفقدان الصحبة ، وذكريات الزمن الجميل ، وضياع الأمجاد ، فهو سوف يتحول في أوروبا إلى إنسان بلا ماض ولا ثقافة ولا تاريخ ، وإلى أب ممل وبلا سلطة ، وإلى زوج ليس قواما على زوجته .. هؤلاء ما أكثرهم في أوروبا ، وهم اليوم يلعبون دور "المرجفين" لكل من يفكر باللجوء إلى هناك من السوريين . </p><p>خلاصة القول ، ليس كل السوريين الذين لجؤوا إلى أوروبا ، تعيسين ، لكن نسبة كبيرة منهم كذلك.. وهؤلاء أنفسهم لو خيرتهم بالعودة إلى سوريا أو إلى موطن آخر بعيدا عن أوروبا ، لرفضوا بلا تردد .. لأن الإنسان يألف أحيانا التعاسة والحزن والوحدة ، لكنه أبدا لا يستطيع التآلف مع الفقر والجوع والحرمان والذل والظلم .. وهذه الأشياء للأمانة غير موجودة في أوروبا ..</p>