هدوء ما قبل العاصفة .. بين سرت وإدلب حكاية مشتركة وهي شرق الفرات ..!!
قاسيون ـ علي تمي
بعد وصول الأطراف المتصارعة في سوريا و بالتحديد بين ( أنقرة وموسكو ) إلى تفاهمات مشتركة من خلال ( آستانة) إلى وقف إطلاق النار في إدلب ، يحاول كل طرف تقوية أوراقه على الطاولة ، فموسكو دخلت إلى الصراع في سوريا من خلال شرعية "بشار الأسد" القانونية في الأمم المتحدة كرئيس للجمهورية السورية ، بينما أنقرة تدخلت بشكل مباشر في ملف إدلب وباقي المناطق الشمالية في سوريا لحماية (أمنها القومي) وحماية المدنيين ، ولوقف تدفق المهاجرين نحو أراضيها ، لكن بعيداً عن مظلة الشرعية للنظام السوري ، معتمدةً فقط على قوى المعارضة السورية السياسية والعسكرية بعد أن حصلت على ضوء أخضر أوربي أمريكي حيال ذلك .
انتقال الصراع إلى سرت الليبية
أعلنت أنقرة حشد قواتها في ليبيا منذ ما يقارب ستة أشهر وتحديداً بالقرب من الجبهات الأمامية لمدينة سرت بعد أن تفاهمت مع لندن وواشنطن إستعدادًا لإقتحام هذه المدينة التي تشكل مفتاح الشرق الليبي وتعتبر صلة الوصل بين حقول النفط الإستراتيجية ، وتعمل أنقرة على تقديم الدعم والمساندة للحكومة الشرعية الدولية بقيادة ( السراج) . بدورها تحاول القاهرة وقف نفوذها بضوء أخضر (روسي إماراتي ) ، الذين يدعمون الجنرال ( حفتر) و الذي تسيطر قواته عسكريًا على سرت ، وعند خسارة ( حفتر) لهذه المدينة لن يتبقى له سوى قاعدة الجفرة الجوية الإستراتيجية، وسقوطها يعني تلقائيًا سقوط الجنوب، وحينها ستكون المنطقة الغربية والوسطى والجنوبية في قبضة حكومة الوفاق التي يقودها ( السراج) ، مما يعني أنّ النفوذ السياسي لحفتر سيعود إلى المربع الأول و بالتالي تخسر ( موسكو و دبي والقاهرة ) أوراقها التفاوضية مع أنقرة والدوحة ، على طاولة المفاوضات وتذهب جميع جهودهم ودعمهم لجماعة ( حفتر) إدراج الرياح
ما علاقة سرت بإدلب ؟
يبدو أن هناك علاقة مباشرة بين سرت وادلب بمعنى أن انقرة دخلت على خط المواجهة بدعم مباشر من واشنطن ، لنقل الآلاف من عناصر الفصائل المسلحة السورية إلى سرت لسببين :
- إخراج العناصر ( المتطرفة) من إدلب إلى ليبيا لتهيئة الأجواء نحو حل سياسي من خلال جنيف والتخلص منهم على الدفعات .
- تتنازل موسكو عن مناطق جديدة في شرق الفرات لصالح أنقرة مقابل نقل هذه العناصر إلى ليبيا .
- يبدو أن المشهد بات أقرب إلى الحقيقة ، فهناك إحتمال كبير جداً بأن انقرة تعمل جاهدةً لإخراج الفصائل المسلحة من (رأس العين وعفرين ) لنقل صورة اطمئنان الى الأهالي في هذه المناطق ، وتهيئة الأجواء للسيطرة على مناطق جديدة في شرق الفرات ، حتى لا تتلقى ردة فعل من الأهالي ، الذين يغلب عليهم الطابع العشائري ، وبالتالي نستنتج أن جميع الأحداث مرتبطة ببعضها ، بدءاً من سرت الليبية مروراً بادلب السورية ، وإنتهاءً بمنطقة شرق الفرات ، حيث تعمل الماكينة الإعلامية الموجهة ضد "قسد" في شرق الفرات على فضح الانتهاكات التي تحصل من خلال خطف القاصرات ، وإثارة موضوع المناهج والرفض الشعبي له ، والتفجيرات التي حصلت مؤخراً في الحسكة و كوباني وجميعها تندرج ضمن فرضية واحدة بأن هناك جهات داخل "قسد" تهيئ الأجواء لهكذا مواضيع ، وبالتالي تقوم الماكينة الإعلامية المضادة بإثارة هذه المواضيع عالمياً وتحرض الرأي العام ضد "قسد" وبالتالي تهيئ الأجواء شعبياً لإستبعادهم من إدارة بقية المناطق الشمالية .
الخلاصة : جميع المعطيات الميدانية تقول بأن واشنطن تخلت عن حماية (عين عيسى وكوباني والدرباسية ) عسكرياً ، فأصبحت مناطق نفوذ روسية ، و بالتالي كل منطقة تعرض فيها (دوريات مشتركة ) فهي تكون ضمن دائرة ( البازارات) ، وهناك معلومات تداولتها الصحافة الغربية تقول ، إن انقرة ستتوقف عن إجتياح سرت الليبية والإطاحة بالجنرال (حفتر) ، وتستمر بنقل العناصر السورية ( المتطرفة ) من إدلب إلى سرت مقابل تنازل موسكو عن ( كوباني ، عين عيسى ، الدرباسية ) وهناك تخوف روسي من أن تقوم أنقرة ، بإعادة تنظيم وتأهيل ( الجيش الوطني المعارض ) في إدلب لترتيب الأوراق من جديد و تنظيم جيش سوري جديد بالتنسيق مع القادة العسكريين المنشقين غير المنخرطين بالمعارك حالياً و بالتالي ستحاول موسكو إرضاء أنقرة بشتى الوسائل لإبعادها عن مشروع عسكري مشترك ( بريطاني أمريكي) ، مقترح على انقرة في إدلب خوفاً من أن تخسر موسكو سوريا كمنطقة نفوذ لها..
بالمحصلة الوضع بات حرجاً في شرق الفرات بينما في ادلب الأمور تتجه نحو التهدئة لأنها منطقة ذات كثافة سكانية و لا يمكن لموسكو أن تتحمل نتائج الهجوم عليها عسكرياً ، كونها ستساعد في فتح تدفق الهجرة نحو الأراضي التركية وبالتالي نحو أوروبا ، بينما في سرت الليبية سيستمر التوازن العسكري في مناطق النفوذ حتى إشعار آخر بين ( السراج والجنرال حفتر ) وبالتالي موسكو لا يمكنها الدخول في المواجهة مع أنقرة في سوريا وهي بحاجة إلى دعمها خوفاً من تكرار تجربة أفغانستان ضد جيش (الإتحاد السوفياتي) في الثمانينات من القرن الماضي بعد الدعم الغربي للمتطرفين هناك ، ومن ثم تخشى موسكو أن يقوم الغرب بدعم الفصائل الإسلامية( جبهة النصرة ) في إدلب لاستهداف الجيش الروسي والدخول معه في حرب العصابات ، وبناء على ما ذكر فإن موسكو تسابق الزمن وتعمل جاهدةً على إستبعاد المليشيات الإيرانية شيئاً فشيئاً من الجبهات وتقزيم دورها ، كرسائل اطمئنان إلى (تل أبيب) . ومن هنا يمكننا القول بأن الأيام القادمة ستكون حبلى بمفاجأة جديدة ، وعلى الأغلب وبحسب المعطيات أن اللوحة العسكرية في شرق الفرات آيلة نحو التغيير ولا مجال في ذلك .. والسؤال الذي يطرح نفسه ..
هل قيادة (قسد) على دراية بأن موسكو تعمل على سحب " البساط " من تحت قدميها شيئاً فشيئاً حتى تطيح بمشروعها في شرق الفرات مقابل أن تبتعد أنقرة عن المشروع العسكري ( الأمريكي - البريطاني ) المقترح عليها في إدلب والذي يتضمن تشكيل جيش جديد للمعارضة المسلحة هناك وعلى مرأى ومسمع من الأمريكان ؟