الثورة في ذكراها العاشرة .. والعامل الاقتصادي الذي أهملناه*
قاسيون ـ عادل قطف
ارتكبت الثورة السورية خطأ فادحا ، بإخراجها العامل الاقتصادي من احتمالات إسقاط النظام ، مع أنه اتضح منذ البداية ، أنه كان الخيار الأكثر قوة ، والأقرب للمنطق ، نظرا لأن المناطق الثائرة كانت تشكل أكثر من 70 بالمئة من سوريا ، وهذه النسبة قادرة على شل الحركة الاقتصادية في البلد ، وإجبار النظام على تقديم تنازلات وصولا إلى رحيله .
وقد وعى النظام هذا العامل ومدى قوته في فترة مبكرة ، عندما واجه الإضرابات والاعتصامات ومحاولات العصيان المدني التي جرت في مطلع الثورة في عام 2011 ، بعنف ، ومن خلال تخريب وتدمير محلات وممتلكات المضربين .
لذلك ، كان واضحا أن المعركة بين الثورة والنظام ، كان العامل الاقتصادي أحد أبرز أدواتها الفعالة ، ولكلا الطرفين .
بمعنى أن النظام ، حاول هزم الثورة من خلال حرق ممتلكات السوريين وتدميرها ومن ثم محاصرة المناطق الثائرة وتجويعها من أجل تركيعها ، والثورة كذلك حاولت في هذا الجانب في الأشهر الأولى وأوجعت النظام ، لكنها بعد ذلك ، قدمت خدمة جليلة له ، عندما أصبحت تسيطر على المدن والبلدات وتخرجها عن سيطرة النظام ، وتخفف من الأعباء الاقتصادية عنه ، وتتحمل هي أعباءها .
ويشير الكثير من المتابعين إلى أن السيطرة على محافظ الرقة وإدلب لوحدهما ، أعفيا النظام من مصاريف سنوية تفوق الثلاثة مليارات دولار ، وهي عبارة عن رواتب لأكثر من 350 ألف موظف في كل المحافظتين ، بالإضافة إلى تكاليف الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ووقود . .. فكيف الحال وقد وصل مجموع المساحات التي سيطرت عليها المعارضة أو التي تلك التي خرجت عن سيطرة النظام ، إلى أكثر من 70 بالمئة من مساحة سوريا ، بما فيها السكان ..؟!
والخدمة الأخرى والأهم التي قدمتها الثورة والمعارضة للنظام ، كانت من خلال تحويلات المغتربين لذويهم في المناطق ، التي تم تسميتها بالمحررة .. فهذه الأموال كانت تصب في النهاية في خزينة النظام ، ضمن دورة فساد ، يستفيد منها وسطاء ، بحجة إدخال المواد إلى المناطق المحررة أو المحاصرة ، وتصل تكلفتها في كثير من الأحيان إلى عشرة أضعاف ثمنها الحقيقي ، الأمر الذي أدى إلى إفقار واستنزاف الداعمين الفعليين للثورة من أبنائها ، وتسبب فيما بعد النيل من صمود أهلنا في الداخل .
إن البحث في الفرص الاقتصادية التي أضاعتها الثورة في إسقاط النظام ، والخدمات التي قدمتها له عبر هذا الجانب ، يجب أن تحتل جانبا مهما في تحليلاتنا ، عندما ندرس آثار التجربة الثورية في سوريا ومواطن ضعفها وقوتها .
والشيء المؤكد ، أن انهيار النظام اقتصاديا ، كان سيؤدي حكما إلى انهياره سياسيا وعسكريا ومن ثم سقوطه ، ولعلنا في هذا الجانب ، يجب ان نتابع علاقته مع روسيا وإيران ، اللتان احكمتا قبضتيهما عليه اقتصاديا قبل كل شيء ، ولولا أنها فعلتا ذلك ، لما استطاعتا التحكم به وتوجيه سلوكه وافعاله ..