وكالة قاسيون للأنباء
  • السبت, 21 سبتمبر - 2024
austin_tice

الصراع على العشائر في سوريا

قاسيون ـ فؤاد عبد العزيز

يلفت انتباهك باستمرار تلك المؤتمرات الكثيرة التي تعقد باسم العشائر في المنطقة الشرقية من سوريا منذ مطلع العام 2012 وحتى اليوم، ويتناوب على عقدها، تارة النظام وتارة أخرى المعارضة وثالثة تركيا ورابعة السعودية وخامسة إيران وسادسة الأكراد، حتى أن لأمريكا و"داعش"، نصيب منها.. لدرجة أن رأسك يدوخ وأنت تتابع عدد المؤتمرات التي عقدت باسم العشائر والقبائل السورية منذ انطلاق الثورة السورية في العام 2011.. فتتساءل باستغراب: هؤلاء مع من..؟ وما سبب هذا الصراع بين كل هذه الدول والمكونات والتنظيمات السياسية، على استمالة العشائر السورية إلى جانبها؟
قادني هذا التساؤل، إلى قراءة العديد من الأبحاث خلال الأيام الماضية، التي تتحدث عن تاريخ العشائر في منطقة الجزيرة السورية، والصراع عليها وفيما بينها، منذ الدولة العثمانية، إلى الدولة الأسدية، مرورا بمرحلة الاستعمار الفرنسي، وقيام الدولة الوطنية بعد الاستقلال عن فرنسا.
ومما لفت انتباهي، أن المرحلة الذهبية للعشائر في سوريا، كانت إبان الاحتلال الفرنسي، حيث عمدت فرنسا إلى دعم شيوخ العشائر، وأمدتهم بالمال والجاه، بهدف تحييدهم عن الانخراط في الثورات التي تصاعدت ضدهم منذ احتلالهم لسوريا في العام 1920.
ولم يختلف دور زعماء العشائر وجاههم، بعد الاستقلال في العام 1946، إذ حفظت لهم الدولة الوطنية الوليدة مواقعهم في مجلس النواب، واعتمدت عليهم في إدارة مناطقهم التي يسود فيها العرف العشائري أكثر من القانون.
وتراجعت مكانة العشائر إبان الوحدة مع مصر في العام 1958، حيث ألغى الرئيس جمال عبد الناصر قانون العشائر، كما خفض من تمثيلهم في مجلس الأمة.
ومع مجيء حزب البعث إلى السلطة في العام 1963، أول ما قام به هو السطو على ممتلكات العشائر، بحجة قانون الإصلاح الزراعي وإلغاء الإقطاع، ما خفض من ملكياتهم ومن نفوذهم على أفراد عشائرهم، واضطر الكثير من زعماء العشائر للهجرة إلى دول الخليج العربية، أو إلى العراق.
أما حافظ الأسد الذي تولى السلطة في العام 1970، فقد وجه ضربة أخرى كبيرة للعشائر في منطقة الجزيرة السورية، من خلال تسريح عدد كبير من الضباط الذين ينتمون إلى العشائر الكبيرة، ومن ثم بث الفرقة بين العشائر ذاتها، من خلال إصدار مرسوم يعطي لوزارة الداخلية دورا في تسمية زعيم العشيرة.
وكان من أبرز انعكاسات مرحلة حافظ الأسد على العشائر، أنه سوّد (جعله يسود) الوضيع والمرتزق ومن كان ذليلا في السابق، وأبعد عن الواجهة الشيوخ الحقيقيين لهذه العشائر، بالإضافة إلى أنه أمد الزعماء الجدد بالمال والسلاح، واستخدمهم في فترات كثيرة، لحراسة منطقة الجزيرة، من عمليات تهريب السلاح من العراق في فترة الثمانينيات.
ولا بد أن نشير إلى أن حافظ الأسد، ظل يعطي لبعض الزعامات العشائرية دورا شكليا بدفع من دول الخليج، وبحسب مؤشر العلاقات معها، بين العداوة والصلح، إلا أنه على مستوى الخطاب الحزبي، ظل يتهم العشائر بأنهم من مخلفات حقبة الإقطاع والجهل والتخلف.
أما في عهد بشار الأسد، تزايد إهمال منطقة الجزيرة السورية، وتراجعت مكانة العشائر كثيرا بالمقارنة مع والده، إلا أنه تنبه لدورهم في العام 2004، خلال ثورة الأكراد، حيث قام بتسليحهم وجعلهم هم من يواجهون هذه الثورة، ويقضونعليها.
ثم عاد الإهمال إلى سابق عهده، إلى أن قامت الثورة السورية في العام 2011، عندها أحس بشار الأسد بأهمية زعماء العشائر، ودورهم في تأخير الثورة في مناطقهم أو حتى مواجهتها، وهو ما حدث بالفعل، حيث أن الثورة أول ما جوبهت في المنطقة الشرقية من سوريا، كان من زعماء العشائر، الذين أحاط الكثير منهم نفسه، برجال من عشيرته، وفق منطق الشبيحة، استخدمهم في التنكيل بأبناء العشيرة الذين قرروا المشاركة في الثورة والخروج عن الزعامات التقليدية لهم.
ومما يلفت الانتباه، أن النظام هو أول من عقد مؤتمرا للعشائر السورية، وكان ذلك في شهر كانون الثاني من العام 2012، وقبل المؤتمر الذي عقده المجلس الوطني السوري بأربعة أشهر من نفس العام، تحت اسم المجلس التأسيسي لمؤتمر العشائر والقبائل السوري. كما قام بشار الأسد بتعيين فهد جاسم الفريج من عشيرة الحديديين وزيرا للدفاع، واللواء جمعة الجاسم من نفس العشيرة، قائدا للواء الصورايخ، بالإضافة إلى تعيين العديد من الضباط الذين ينتمون إلى العشائر، في مواقع حساسة، وأوكل لهم مهام تدميرية، طالت بالدرجة الأولى تصفية حساباتهم مع أبناء العشائر الأخرى.
ما يهمنا من كل العرض السابق، هو كما ذكرنا في المقدمة، التساؤل عن أسباب الصراع بين كل هذه القوى والدول، لاستمالة العشائر السورية في منطقة الجزيرة، ومن ثم ما الذي يدفع العشائر في تلك المنطقة لأن يكونوا عامل قوة في يد هذه الدولة أو ذاك الفصيل؟ ولماذا لا يكونون قوة مستقلة وقائمة بحد ذاتها، ولا تخضع لأحد؟
لا أخفيكم أنني أخشى أن أتطوع بإجابة متسرعة، أو أن يكون فيها إساءة لدور العشائر، انطلاقا من فهمي الغلط لما قرأته ودرسته.
لذلك أتمنى من أبناء المنطقة ذاتها، الذين ينتمون إلى العشائر العربية الأصيلة، أن يوضحوا لنا هذا الأمر.. والأهم أن يفسروا لنا ما الذي يجري هناك ولماذا؟