في اليوم العالمي للاجئين
لاجئ …. ؟
استغربت تلك الفتاة الصغيرة من الكلمة، وقالت: "لا لستُ لاجئة، أنا إنسانة لا أعرف ما الذنب الذي اقترفته مع عائلتي حتى أُرحَّل من بيتي وأقطع المسافات وأنا على ظهر والدي، وأمي تحمل شقيقي الأصغر مني.
الدموع والخوف كانا واضحين علينا في وجه أبي ولم يفارق ذلك مخيلتي الصغيرة
آنذاك، أما ملامح أمي فهي ملامح الخوف علينا من مستقبلٍ مجهول والأمل في حياة كريمة".
تلك الفتاة الصغيرة اليوم في دول اللجوء تدرس الطبّ البشري، وتسهم في مجتمعها، وروحها مليئة بالشجاعة. تلك الفتاة وغيرها من أبنائنا وشعبنا ليسوا لاجئين، إنما سفراء سورية في بلاد العالم وممثليها.
حتى الآن لم يفقد هؤلاء الأطفال الذين كبروا وترعرعوا في بلاد اللجوء الأمل في العودة إلى منازلهم التي يشعرون بارتباط عميق بها، من خلال القصص التي يرويها لهم الآباء والأمهات، والدردشة على الهاتف مع الأقارب الذين بقوا في البلاد، أو من خلال الصور العائلية، والصور التي غرسها آباؤهم في أذهانهم لحديقة المنزل، ومراجيح العيد، وحقول القمح، وبساتين الورود وشقائق النعمان، وورود الفل والياسمين التي تطلّ على نوافذ البيوت، وكروم الكرز والتين وشجر الزيتون، ويتشبثون بالأمل في العودة إلى هناك بأمان في يوم من الأيام. يحملون صورة سورية في أذهانهم، مرتكزين في ذلك على القصص التي رواها لهم آباؤهم، والصور الصادمة التي يشاهدونها على شاشات التلفاز، لكن قصصهم وتفاصيل حياتهم هناك التي يتبادلها أقاربهم الذين لم يغادروا، أبقتهم على تواصل مع بلدهم تعكس رسمته الهوية المزدوجة التي نشأ عليها كلاجئ في بلاد اللجوء.
لقد غير السوريون مفهوم اللجوء في معظم دول العالم التي استضافتهم، فقاموا بإضفاء روح المحبة والوفاء والإخلاص في العمل للدفع بعجلة التطور والتقدم ومواكبة مسيرة البلد المضيف ونشر مبادئ الإبداع، وكانوا من المبادرين وبسرعة في التعلم كمتدربين، والانخراط في برمجة أنظمة الكمبيوتر، وأتمتة المؤسسات التي تعتمد اعتماداً كلياً على التقنيات والبرمجيات.
فالشعب السوري لم يرتضِ عيش الذُل والهوان ولا أن تسلب كرامته، تحت وقع أنشودة موطني وشعارات حزب البعث والتصدي والصمود، شعارات زائفة كاذبة مخادعة لا تمثل إلا حفنة من المجرمين الذين اغتصبوا السلطة في جنح الليل بمباركة أسيادهم.
لقد تحمّلنا كلّ المصائب والمشقات في سبيل الكرامة والعيش بحرية، رغم أن من يعرف السلطة في دمشق لا يستغرب أن حثالة الكرة الأرضية المعروفة بعائلة الأسد ستجعل من شعب سورية في يوم من الأيام ما بين لاجئ ونازح وشهيد.
في اليوم العالمي للاجئين أخاطب كلّ من خرج من دياره وأرضه مكرهاً مجبراً في سورية خاصة، وفي كل دول العالم، وأقول: "إن روح الشجاعة لديكم جعلت من هذا اليوم حدثاً عالمياً يدل على قوة وتصميم النساء والرجال والأطفال الذين أجبروا على الفرار من وطنهم حتى لا يقعوا فريسة للاضطهاد والصراع والعنف".
فكلمة لاجئ لا تعني الإهانة البتّة إنما هي قوة وشجاعة وانتصار. وأنتم لستم بالأكثر ضعفاً في العالم ولكن لا تستطيع الأيدي العارية مجابهة الآلة العسكرية الهمجية، فنحن نعتزّ بكم ونقدّر أهمية أرواحكم وسلامتكم إخوتنا في الإنسانية.
كما نطالب الدول المضيفة للاجئين السوريين وغيرهم على أن يكونوا على قدر من المسؤولية في عدم الطرد ما لم يؤد عمله إلى عكس ذلك. ونؤيد الحق المطلق للاجئين في السكن والتعليم والتنقل والوصول إلى المحاكم وفي حرية الدين والمذهب والعقيدة. ولأن اللاجئ إنسان فله الحق في الحصول على وثائق (هوية ـ جواز سفر).
كما نطالب الدول المضيفة للاجئين بحمايتهم وإبعادهم عن سياستهم الداخلية وخطابات العنصرية والكراهية. فهم ليسوا مجرمين أو إرهابيين أو حتى فارين من الدفاع عن بلدهم، إنهم ضحايا الإرهاب وضحايا القتل الجماعي والإبادة. فرب الأسرة لم يكن ليضع أولاده في القارب إلا إذا كانت المياه أكثر أماناً من الأرض.
أما اللاجئون اليوم وباعتراف الدول المضيفة لهم فقد صرحت وفي أكثر من مناسبة أنهم زادوا قيمة اضافية للمجتمعات التي مكثوا فيها، وبعضهم وصل لمناصب في الدولة وكذلك في البرلمانات والأحزاب، وليس غريباً أن نراهم في يوم ما وزراء ورؤساء. ذلك أن حقوقهم كانت مهدورة في بلدانهم ويا للأسف على تلك البلدان ……
وأدعو اللاجئين إلى مزيد من النمو والازدهار والتفوق العلمي والصناعي وأن يكون اللاجئ في بلده المضيف منضبطاً خاضعاً للقانون، وأن يقوم بدوره ورسالته في الحياة على أكمل وجه فهو لا يمثل نفسه فقط، إنما يمثل قومه وأهله، وأن يبتعد عن كل ما يسيء لبلدان اللجوء وشعوبها.
في واقع الحال فإن أزمة اللجوء بعد قيام الثورة السورية أصبحت من أكبر كوارث القرن الواحد والعشرون، ومن أكبر حالة طوارئ إنسانية في العصر الحديث، بالتزامن مع الفشل العالمي الذريع في تلبية احتياجات اللاجئين والدول التي تستضيفهم.
وعلى الرغم أن النساء والأطفال يتمتعون بحماية خاصة في إطار القانون الدولي الإنساني، ومع ذلك فإن ما تعانيـه النساء والأطفال من آلام أثناء النزاعات المسلحة أمور ما زالت غير معروفة كمـا يجـب، إذ إن النسـاء والأطفال يتعرضون إلى مخاطر إضافية بسبب جنسهن، وضعف قوة الأطفال، لذلك كفلت قواعد القانون الدولي الإنساني حمايـة خاصة لهم، والجدير بالذكر أن اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 إضـافة إلـى بروتوكوليهـا الإضافيين لعام 1977، وتضمنت تسعة عشر حكماً تنطبق تحديداً على النساء والأطفال، وتتسم هذه القواعد والغـرض مـن الاتفاقيـات بأهمية محدودة، ويستهدف العديد منها حماية الأطفال في الواقع. عموماً هو ضمان حماية خاصة للنساء الحوامل والأمهات المرضعات وبصورة عامة للأمهات وأطفالهن.
إن دعم وحماية الأشخاص الذين يتعرضون للإرهاب يمثل تحدياً عالمياً، ويجب على السياسيين والحكومات والزعماء ووسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني رفع مستوى الوعي بشأن اللاجئين، فوجودهم مؤقت حتى يتم إعادة توطينهم. كذلك نقدر عمل المفوضية العليا للاجئين ونوصي بتقديم كافة سبل الدعم لها حتى تستمر في مهامها الإنسانية. وأخيراً يجب أن نرحب بهم ((اللاجئين)) بحرارة وأن نشعر بالفخر لأنهم اختاروا المجيء إلينا في وقت الضيق واليأس. وإن الاستجابة بحساسية وإنسانية للاجئين هي اختبار لقوانيننا وسياستنا وضمائرنا.