طوابير الذل .. تزداد طابورا جديدا
قاسيون ـ سامر العاني
خسر أبو مروان الجولة الأولى من معركته الشهرية مع الصرافات الآلية بدمشق بعد قضاء يوم كامل بحثاً عن صرّاف يعمل، لسحب راتبه الشهري الذي لا يتجاوز 15 دولاراً نظير عمله في وزارة الزراعة.
عاد إلى منزله بخفّي حنين آملاً أن يوفّق في جولة ماراثونيّة سيقضيها في اليوم التالي من صالة المصرف العقاري بمبنى الإدارة العامة إلى المصرف التعاوني إلى الجامعة ثم المزة بحثاً عن صرّاف آلي يمنحه الأمل بأن يقبض راتبه حتّى لو بعد ستّ ساعات من الانتظار في الطابور.
أبو مروان واحد من مئات ألوف الموظفين في عموم سوريا يبحثون عن رواتبهم بين 700 صرافاً آليّاً لا يعمل منها سوى 270 صرافاً في عموم مناطق سيطرة نظام الأسد التي تحتاج بحسب مسؤول في أحد المصارف إلى أكثر من 5 آلاف صرّافاً، وحتّى التي داخل الخدمة منها فغالباً فارغة من النقود أو متوقّفة بسبب انقطاع التيار الكهربائي.
يختلف الأمر مع مروة التي قالت ل "وكالة قاسيون" إنها أنشأت مجموعة على تطبيق التواصل الاجتماعي واتساب أسمتها "الصراف الآلي" تضم زملاءها في العمل وأصدقاءهم وأصدقاء أصدقائهم، إذ وصل عدد المنضمين لها إلى أكثر من 70 موظفاً يتداولون فيها أخبار الصرافات الآلية ما يعمل منها وما هو متوقف، لكن هذا لا يعفيهم من الوقوف لساعات على طابور الصراف.
قليل من البحث على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر لنا حجم المشكلة لدى الموظفين حتّى من امتهنوا في عملهم تمجيد من وصفوه بقائد مسيرة التطوير والتحديث.
كتب صحفي لدى جريدة تشرين التابعة لإعلام الأسد على حسابه في فيسبوك "من أصل 25 صرافاً داخل مقر إدارة المصرف العقاري، ثلاثة فقط في الخدمة، يقف أمامها أضعاف الناس الظاهرين في الصورتين، وبعد دقائق من التقاط الصور، نفذت النقود بداخلها وخرجت هي أيضاً عن الخدمة لعدم وجود موظفين لتغذيتها، وخرج كل هؤلاء الناس بالخيبة".
مع صدور قرار تسليم رواتب الموظفين عبر الصراف الآلي بدأ نظام أسد بسحب محاسبي الرواتب من الدوائر الحكومية ومنع تسليمها إلا عبر الصراف الآلي أو خدمة (POS) في مراكز البريد والتي غالبا يكون حالها حال الصرافات الآلية وهذا ما زاد من إرهاق الموظفين في مناطق سيطرة نظام الأسد.
يبرر المسؤول عن الدفع الإلكتروني في إدارة المصرف العقاري لدى نظام الأسد تلك المشكلة بأن عدد الموظفين لا يكفي لتغذية جميع الصرافات فضلا عن نقص الآليات والانقطاع الدائم للتيار الكهربائي، وهذا التبرير في حد ذاته يظهر ضعف التخطيط لدى الحكومة وعدم قدرتهم على إدارة أي عملية تطوير وعجز في تقديم الخدمات للمواطنين.
مشكلة الصرافات الآلية معاناة للسوريين تضاف إلى معاناتهم على طوابير الخبز والغاز والبنزين، وبطاقة الصراف الآلي أصبحت همّاً ثقيلا تضاف إلى هم البطاقة الذكية وهموم أخرى ليست من ضمن أولويات (بشار أسد) الذي صبّ كامل اهتمامه على دعم الجيش والتسليح وزيادة عدد الحواجز ودعم المليشيات العابرة للحدود وتمويل العمليات العسكرية ضد شعبه.
يقول أبو مروان ل "وكالة قاسيون" إنه يهدر أكثر من نصف يومه لتأمين مستلزماته اليومية ابتداء من الوقوف لساعات على أفران الخبز وليس انتهاء بالغاز والمواد التموينية التي توزع في المؤسسات وهذا أمر مرهق بالنسبة له، وأمّا معاناته كل شهر مع معضلة الصراف الآلي فإنّها تحتاج لهدر يومين أو ثلاثة يقضيها متنقّلا بين الصرافات الآلية في دمشق.
يضحك أبو مروان قبل أن يختم مكالمته الهاتفية وهو يسمعني آخر إبداعاته في التصرف بأغنية من سهرة حب للسيدة فيروز ووديع الصافي، ويغني بصوته المنهك "أنا من بلد الطوابير.. المتجمعة عالفرن.. ومبنية عَالذل".