ماذا بعد الحل في سوريا؟
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong style="line-height:1.6em">في سياق البحث عن حلّ سياسيّ للصراع في سوريا، لا بدّ من طرح السؤال الجوهريّ الخاصّ بتصوّر ما بعد الحلّ، أي ما يسمّى المرحلة الانتقالية وما بعدها. وفي سياق هذا التصوّر هناك تساؤلات تفرض نفسها. فهل سينتهي الإرهاب و«داعش» بمجرّد حصول الوفاق الإقليميّ والسوريّ على الحلّ؟ والإجابة المرجّحة هي لا.</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>لقد غدت مفردات الصراع في سوريا تنمّ عن شروخٍ طائفيّة وتجاذبات إقليميّة. كان الخطاب السائد هو البحث عن حريّة وكرامة وديموقراطيّة على طرف، والنضال ضدّ مؤامرة خارجيّة على الطرف الآخر. أمّا اليوم فقد ذهبت الأمور أبعد من مجرّد منطق «ثورة» مقابل استبداد إلى شرخٍ يُمكن أن يغذّي التطرّف والإرهاب على الطرفين لأمدٍ بعيد. هذا الشرخ الطائفيّ ليس دينيّاً أزليّاً ولكنّه سياسيّ تستخدمه الدول لأغراضها، كما كان الأمر أيّام تفكيك إمبراطوريّة الهند والإمبراطورية العثمانيّة. واللافت أنّ التطرّف الذي نشأ على أطراف العالم الإسلاميّ قد شهد بؤرته الأهمّ في العراق من جرّاء الاحتلال الأميركي، ومن ثمّ في سوريا من جرّاء لعب السلطة منذ البداية على الورقة الطائفيّة للحفاظ على هيمنتها التي لعبتها أيضاً قوى إقليميّة لوأد آمال «الربيع العربيّ» من دون رجعة.</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>لكنّ فهم أسباب الظاهرة لا يعني أنّ التطرّف والإرهاب اللذين يتغذّيان من الطائفيّة المترسّخة في الأذهان بفعل الحرب يُمكن أن ينتهيا بسهولة. صحيحٌ أنّهما وجّها غضبهما في البدء ضدّ السلطة القائمة على أرضيّة ما تعرفه السجون وأقبية التعذيب. لكنّهما أضحيا اليوم منظومة أكثر عُمقاً وأكثر عولمةً، ولن يزولا بمجرّد رحيل الاستبداد، خاصّة إذا رحل المستبدّ بطريقة عنيفة، كما حدث لطغاة العراق أو ليبيا. ومن البديهيّ أنّهما لن تزولا إن انتصر الاستبداد عسكريّاً مع كلّ ما يزرعه من أحقاد.</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>أطراف التفاوض في سوريا عليها أن تُبقي هذا التساؤل في الأذهان، وتعي كلّها أنّ إعادة توحيد المجتمع ونبذ الطائفيّة هو أهمّ وسيلة لمكافحة إرهابٍ قد يستغلّ فترة انتقاليّة ستبقى هشّة حتّى لو انطلقت. إذ لا تطرّف من دون قاعدة شعبيّة له. ولعلّ أهمّ ما حدث في «جنيف 3» هو انخراط بعض الأطراف المقاتلة المحسوبة على التطرّف في العمليّة السياسيّة. لكنّ هذه الخطوة غير كافية. إذ إنّ ما بعد الحلّ يحتاج لما يحفظ الأمن والاستقرار للمواطنين في ظلّ حربٍ ستستمرّ لمواجهة «داعش» و «النصرة». وما لا يمكن أن تقوم به قوّةٌ أجنبيّة، وما يعني تلاقي قوى متصارعة لا يمكن تصوّر التقائها اليوم.</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>وسؤال جوهريّ آخر: هل ستتوقّف شرذمة سوريا بمجرّد اتفاق على أسس قرارات مجلس الأمن؟ هنا أيضاً الإجابة ليست أكيدة مُطلقاً.</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>في صيف 2012، كانت مفردات الصراع الوطنيّة ما زالت هي السائدة، وكان الانتقال إلى نظامٍ مختلف ممكن من دون جهدٍ كبير ليشمل الوطن برمّته. لكنّ أكثر من ثلاث سنوات من حربٍ طاحنة تُلغي الآخر ألقت بأوزارها على البشر والأرض والأفئدة. لقد تشرذم الوطن وظهرت إمارات حرب، بعضها كبيرة كتلك لـ «داعش» العابرة للحدود، وأخرى مبعثرة صغيرة في كلّ بقعة ومنطقة، على طرفيّ الصراع.</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>فكيف يتأسّس حكمٌ انتقاليّ يقوم أصلاً على توافق طرفي نقيض بإعادة توحيد البلاد؟ هذا في حين أنّ على كلٍّ منهما أن يفكّك سلطة أمراء حربه، ويغّير جذريّاً مفرداته، كي تعود الدولة و «سيادة قانونٍ» واحدة على الجميع. وذلك أيضاً في حين يعتمد كلّ طرفٍ على مجموعة إقليميّة - دوليّة تتصارع مع أخرى بالخطاب والسلاح عبر السوريين. بل حتّى أنّ القضيّة أضحت متعدّدة الأطراف وليست ثنائيّة.</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>الخروج إلى الحلّ مرهونٌ بمسارٍ يسعى لإخراج الأطراف المتصارعة من المنطق السائد اليوم. والعمل على أولويّة وقف إطلاق النار وفكّ الحصار الإنساني يتطلّب من هذه الأطراف إيضاح تصوّرها أمام المواطنين لما بعد الشروع بهما، وليس لمجرّد إرضاء كلّ طرف لقاعدته الشعبيّة الخاصّة، بل التوجّه بالتحديد إلى قاعدة الآخر الشعبيّة، وإلى الأغلبيّة الصامتة التي نبذت هذا وذاك، بما يُعطي فسحةً كي لا يستمرّ فقدان الآمل ونزيف الهجرة.</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"> </p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>سمير العيطة: السفير</strong></span></sup></span></p>