هل انتهت الحرب في ليبيا بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار ..؟
قاسيون ـ الأناضول
يمثل توقيع الفرقاء الليبيين على اتفاق شامل ودائم لوقف إطلاق النار، نهاية "رسمية" للحرب التي شنها الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، للاستيلاء على السلطة منذ 2014، لكن ذلك يظل حبرا على ورق ما لم يتم تجسيد الاتفاق على أرض الواقع.
فالتحدي الأكبر أمام الليبيين، ما إذا كان حفتر سيسحب فعلا مليشياته ومرتزقة شركة "فاغنر" الروسية من مدينة سرت ومحافظة الجفرة (وسط)، بحسب ما نص عليه الاتفاق.
وليس ذلك فقط، فالاتفاق ينص على مغادرة المرتزقة والمقاتلين الأجانب، من ليبيا كلها في غضون 90 يوما من تاريخ توقيع الاتفاق.
** هل ستتخلى روسيا عن مشروعها جنوب المتوسط
لكن المشكوك فيه، أن تتنازل روسيا بسهولة عن مشروعها لإقامة تواجد عسكري "دائم" في جنوب البحر المتوسط، لمحاصرة الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي "الناتو" من الجنوب، ردا على درعه الصاروخي قبالة حدودها الغربية.
وانسحاب مرتزقة فاغنر من ليبيا، يبدو أمرا مستبعدا جدا، لأن لديها أجندتها الخاصة، وثمة من يشكك بقدرة حفتر على إجبار "فاغنر" على الخروج من ليبيا إن قرر ذلك.
فالمسألة معقدة أكثر مما تبدو في الظاهر، خاصة مع استمرار تعزيز "فاغنر" تواجد مرتزقتها في ليبيا شرقا وجنوبا، على عكس مسارات الحوار في جنيف.
كما أن حفتر طالما تملص من اتفاقات سابقة، آخرها خرقه 7 مرات تفاهمات وقف إطلاق النار.
وليست هناك ضمانات كافية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، حتى ولو تم اعتماده من مجلس الأمن الدولي، نظرا لامتلاك حليفتاه روسيا وفرنسا لحق النقض (الفيتو)، مما يحصنه من أي عقوبات دولية حال تنصله مما تم الاتفاق عليه تحت رعاية أممية.
لذلك طالب وزير الدفاع الليبي صلاح الدين النمروش، الأمم المتحدة بوضع ضمانات عملية بحيث لا يتم الانقلاب على بنود الاتفاق كما حصل أكثر من مرة.
وهذا ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أيضا، إلى أن يكون متحفظا في تفاؤله، لسببين على الأقل، أولهما أنه "ليس اتفاقا على أعلى مستوى"، وثانيهما عدم اليقين بشأن "انسحاب المرتزقة من هناك في غضون 3 أشهر".
فمَن وقّع على اتفاق وقف إطلاق النار قادة عسكريون من الصف الثالث أو أقل، ولا يعطي ذلك قوة للاتفاق.
وأشار الرئيس التركي إلى خرق أرمينيا مؤخرا لاتفاق وقف إطلاق النار مع أذربيجان، ما يدعو للحذر من إمكانية تكرار ذلك في ليبيا، رغم اختلاف سياقات كل منطقة.
** محاسبة مجرمي الحرب
كما أن رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية فائز السراج، اشترط "عدم إهمال مساءلة من ارتكب الجرائم في حق الليبيين، وخلّف انسحابه ألغاما ومقابر جماعية".
ومن غير المرجح أن يقبل حفتر بمساءلة أتباعه والمرتزقة الروس على تفخيخهم الأحياء الجنوبية للعاصمة طرابلس، قبل انسحابهم منها في يونيو/حزيران 2020، وعلى المقابر الجماعية التي اكتُشف معظمها في مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس).
وما زال حفتر إلى اليوم يأوي مليشيا اللواء السابع (الكانيات) في معاقله شرق البلاد، رغم اتهامها بالوقوف وراء معظم المقابر الجماعية في ترهونة.
وإحدى النقاط المحورية التي تدعو إلى الحذر من إمكانية تملص حفتر من الاتفاق، الحشود المتواصلة لمليشياته في ثلاث قواعد جوية رئيسية؛ "القرضابية" في سرت (450 كلم شرق طرابلس)، و"الجفرة" (650 كلم جنوب شرق طرابلس) و"براك الشاطئ" (700 كلم جنوب طرابلس).
ويقول خبراء عسكريون، بينهم قائد الأركان المصري السابق سعد الدين الشاذلي، "إذا رأيت التصريحات السياسية تتناقض مع الوضع العسكري على الأرض، فاضرب بهذه التصريحات عرض الحائط".
** رغم ذلك الاتفاق خطوة مهمة لبناء الثقة
لكن من زاوية أخرى، يُعتبر ترسيم وقف إطلاق النار، يوما تاريخيا، خاصة وأنه يأتي في لقاء مباشر لوفدي الطرفين وجها لوجه، وليس عبر تفاهمات غير مباشرة بوساطة أممية.
فالفرقاء الليبيون بعد تسع سنوات من القتال وصلوا إلى قناعة بعدم قدرة أي طرف على حسم المعركة عسكريا، خاصة مع دخول فاعلين دوليين لدعم كليهما.
ووصول معركة عض الأصابع إلى درجة عدم قدرة أي طرف على التحمل أكثر، دفع الشعب الليبي، سواء في الشرق أو الغرب أو الجنوب، للخروج في مظاهرات عنيفة للاحتجاج على أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية التي لم تعد تُطاق.
واستمرار المواجهة العسكرية في ليبيا، يعني انهيار الدولة ككل، ما يعرضها للانقسام أو التفتت، الأمر الذي لا يريده الليبيون باختلاف أطيافهم، ما يفسر التنازلات التي يقدمها كل طرف رغم أنها قبل عام كانت أمرا مستحيلا.
فمجرد التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار، وجعل منطقة سرت-الجفرة، منزوعة السلاح، وخروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا خلال ثلاثة أشهر، خطوة إيجابية ستعزز الثقة بين الطرفين، وتفسح المجال أمام اتفاق سياسي مرتقب في تونس، نوفمبر الداخل.
إذ من المنتظر أن تضع محادثات تونس، خارطة طريق لمرحلة دائمة تبدأ باستفتاء على الدستور، وتنتهي بانتخابات رئاسية وبرلمانية تُنهي أربع مراحل انتقالية استهلكت من البلاد 9 سنوات عجاف.