وكالة قاسيون للأنباء
  • الاثنين, 23 ديسمبر - 2024

الليرة السورية ومستقبلها

قاسيون ـ تحليل

لم يعد مهما التنبؤ بمستقبل الليرة السورية ، وخصوصا مع طرح النظام لشعارات تدعو للاعتماد على الذات والصمود والصبر ، والتي تزيد من مخاوف أصحاب الأعمال وتدفعهم للتحوط أكثر على مدخراتهم ، وعدم الزج بها في هذه "المعمعة" غير المفهومة لوضع الاقتصاد السوري .

أغلب المحللين الاقتصاديين ، يميلون للقول إن هناك ثلاثة ضغوط تتعرض لها الليرة السورية .. أولها الأزمة الاقتصادية في لبنان ، والتي أودت بمئات ملايين الدولارات من إيداعات السوريين في المصارف اللبنانية وأصبح مصيرها مجهولا ، وثاني هذه الأسباب ، هي أزمة مخلوف ـ الأسد ، والتي تركت أثرا نفسيا على الأسواق أكثر منه اقتصاديا ، إذ أن الكثير من أصحاب الأموال بعد تلك الأزمة ، تساءلوا : إذا كان بشار الأسد قد فعل بابن خاله هكذا .. فما هو فاعل بنا إذا ..؟!

أما السبب الثالث والأهم ، فهو أنه لم يعد يوجد في المصرف المركزي ، احتياطي نقدي بالعملات الصعبة ، لتمويل حاجيات البلد من المستوردات ، بالإضافة إلى ضعف التصدير ، الذي تم توجيه ضربة قاضية له ، من خلال محاولات البعض ، تهريب المخدرات عبر البضائع السورية ، وهو ما دفع العديد من الدول العربية ، لإصدار قرارات بمنع دخول المنتجات السورية إلى أسواقها ، الأمر الذي أثر كثيرا على استرجاع الدولار الذي تم استنزافه في الاستيراد .

وهناك أيضا سبب رابع لم يلفت انتباه الكثيرين ، وهو وقف وزارة الاقتصاد لاستيراد أكثر من 60 مادة أساسية ، دون إحلال بدائل لها من المنتج المحلي ، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها إلى مستويات قياسية في غضون أيام ، بعد إصدار القرار في نهاية شهر أيار مايو الماضي .

وعلى جانب آخر ، وبحسبة بسيطة ، فإن مستوردات النظام التي لا يمكن الاستغناء عنها أبدا ، تبلغ سنويا نحو 3 مليار دولار ، وتشمل النفط والقمح وبعض المواد الأولية الداخلة في صناعة الأدوية وبعض المعدات الضرورية كالآلات وغيرها ، أما حجم صادراته فهي أقل من 100 مليون دولار سنويا .. ولعل ذلك يعطينا مؤشرا منطقيا على أسباب انهيار الليرة ، ومؤشرا آخر على أن الليرة ، ما لم يتم إصلاح هذا الخلل الاقتصادي ، فإنها مرشحة لأن تصبح تكلفة طباعتها أكثر من قيمتها الحقيقية .

أما من يتحدثون عن العقوبات الأمريكية ، وبالذات "قانون قيصر" بأنه هو الشعرة التي قصمت ظهر البعير ، وأنه هو الذي كشف عن عورة الليرة السورية ، وتسبب بانهيارها السريع في غضون أيام ، فهو قول لا يوجد له أي سند اقتصادي ، لأن القانون لا يطال النظام بشكل مباشر ، وإنما كل من يتعامل معه اقتصاديا وتجاريا ، بأمور لا علاقة لها بالمواد الغذائية والصحية ، أو غيرها من المواد التي تمس الحياة المعاشية للناس .. إلا أن النظام حاول في الفترة الأخيرة أن يستثمر فكرة القانون ، وأن يحمل عليه الأزمات الاقتصادية التي يعانيها ، ولكي يقول لمواليه ، وللسوريين ، بأن أمريكا هي من تسعى لتجويعكم ..

نهاية الكلام ، أن الليرة السورية ، إذا بقيت الأوضاع على ما هي عليه ، من تخاذل السلطة عن التدخل لإنقاذها ، فإن مثلها الأعلى في هذه الحالة سيكون "التومان" الإيراني … أما إذا قرر بشار الأسد أن يخرج بعض المليارات من الدولارات التي كان قد سرقها من أموال الشعب السوري ، وإعادة ضخها في الاقتصاد ، فإن ذلك سوف يعيد لليرة بعض الروح .. وهو أمر قد لا يكون مستبعدا ، سيما وأن الرهان هذه المرة على رأس الأسد ذاته .. فإما أن يبقى بمكانه ، وإما أن تطيح به الليرة السورية بعيدا عن البلد ..!!


//