هل نجح السوريون في التعبير عن الثقافة السورية في المانيا؟
<p>" أتفهم احتفاء بعض الألمان بالمساهمات الجيدة ولكني لا افهم أسباب انبهارهم بنصوص ركيكة وقصائد شعرية هزيلة ومقاطع يوتيوب سخيفة ومملة، خاصة وان لديهم تراث ثقافي عظيم يكاد لا يضاهى!"</p>
<p>ما ان تطأ أقدام اللاجئين بلدان اللجوء حتى يبدؤون بالتصريح عن معلوماتهم الشخصية، مئات الأسئلة توجه إليهم للتعرف عليهم ومن يكونون، أسباب قدومهم، انتماءاتهم، الظروف التي دفعتهم للهجرة ولاحقا درجة تعليمهم مؤهلاتهم وخبراتهم في حال وجدت من أجل ترتيب حياتهم المهنية مستقبلاً. إلا أن هذا لا يمكن السلطات هنا من الإحاطة بكل شيء إذا ما قرر الشخص الادعاء بمعلومات ليست حقيقية او المبالغة في تقدير امكانياته أو السكوت عن بعض المعلومات.<br />أنا لا أقصد هنا الإرهابيين الفارين او المتشددين او مرتكبي جرائم الحرب الذين يخفون تاريخهم وماضيهم قد يشكلون خطر على الدولة لأنني أفترض ان هؤلاء موضع شك دائماً وأنهم بشكل أو بآخر موجودين تحت الرقابة. أنا أعني هنا المشتغلين في الثقافة والإعلام والفنون ممن وصلوا إلى هنا في السنوات الأخيرة سواء اللذين قدموا انفسهم ككتاب وشعراء ومشتغلين في الثقافة والإعلام أو هؤلاء الذين لم يتمكنوا من النفاذ إلى المشهد الثقافي ووسائل الإعلام الألمانية.<br />يمكنني القول من خلال متابعتي للحركة الثقافية أن معظم الكتاب والشعراء والإعلاميين اللذين يظهرون في الفضاء العام للثقافة والإعلام الألماني ليسوا التعبير الأفضل عن الثقافة السورية وفنونها وآدابها، إنهم حالة الأمر الواقع التي استفادت من وجودها هنا واستثمرته إلى حد بعيد مستفيدة من خلو الساحة من سواهم في ظل قلة المعرفة بالثقافة السورية في ألمانيا. الكثير من الأسماء الرائجة اليوم لم تعرف في سورية قط او كانت على الهامش، لأنها ببساطة لم تتمكن من دخول الحياة الثقافية السورية لأسباب عديدة، احدها تواضع مستوى نتاجها.<br />التذع بأن الحياة الثقافية في سورية كانت ولا تزال محكومة بعلاقات فساد ومحاباة وولاءات واعتبارات سياسية هو أمر صحيح بالمطلق و لا يمكن لأحد نكرانه، ولكن هذا لم يمنع عشرات بل مئات المثقفين الحقيقيين من كسر هذه الصيغة وتصدر المشهد الثقافي السوري بجدارة.<br />لكن هذا لا ينفي ظهور عدد من المساهمات الناضجة والكتابات الجيدة في السنوات الأخيرة بأقلام لاجئين ولكنها بقيت قليلة مقابل ظهور الكثير من المساهمات المتواضعة. أتفهم احتفاء بعض الألمان بالمساهمات الجيدة ولكني لا افهم أسباب انبهارهم بنصوص ركيكة وقصائد شعرية هزيلة ومقاطع يوتيوب سخيفة ومملة، خاصة وان لديهم تراث ثقافي عظيم يكاد لا يضاهى! التفسير الأقرب للمنطق برايي هو جهلهم المطبق بالحياة الثقافية السورية وهو ما يجعلهم يعطون هذه النتاجات المتواضعة قيمة لا تستحقها، ربما لأنهم يعتبرونها آتية من بلد لا ثقافة ولا حياة فكرية جادة فيه!. وأن مناخ الحرية والفرصة التي منحت لهؤلاء هنا في ألمانيا مكنتهم من الكتابة. إن احتفاء الألمان بهذه النتاجات هو احتفاء مقنع بثقافتهم هم وبمناخ الحرية الفكرية الذي فتح الباب لأنواع جديدة من المساهمات بغض النظر عن قيمتها الثقافية الحقيقية.<br />الوصول إلى المثقفين والكتاب الموهوبين ليست مهمة سهلة ولكنها ممكنة، يجب عدم الاكتفاء بمن هم موجودين على الساحة فهناك الكثير من الكتاب والإعلاميين والمحللين السياسيين الذين بقوا في الظل لأنهم لا يمتلكون شبكة علاقات جيدة، هؤلاء يمكن ان يشكلوا إضافة رائعة إلى المشهد الثقافي والإعلامي، لذلك يجب التوقف عن تجاهلهم ومنحهم فرصة الظهور. على سبيل المثال، في الكثير من المقابلات التلفزيونية التي يكون فيها الحدث عن سورية تعتمد القنوات الألمانية على أشخاص ألمان غالبا لشرح الحدث السوري للجمهور الألماني، منهم من مراسلون امضوا بضعة اعوام في المنطقة او أكاديميين سبق لهم كتابة بحث او رسالة دكتوراه عن المنطقة، او دبلوماسيين سابقين، معظم هؤلاء لا يمتلكون معرفة كافية عما يجري وهم غالبا ما ينسون الحديث عما يجري في سورية ويبدؤون بمهاجمة اردوغان وكيل الشتائم له بعد دقيقتين على الأكثر وينسون الموضوع الذي تم الاتصال بهم من أجله! في حين هناك عشرات الصحافيين والكتاب والخبراء السوريين هنا في المانيا وهم قادرين على شرح الأمر افضل من سواهم بمرات ومرات، لكن للأسف لا يتم الاتصال بهم من قبل الإعلام الالماني إلا نادرا. <br />تتسع دائرة الحضور الثقافي والإعلامي للاجئين في الحياة الثقافية والإعلامية الألمانية وتصبح اكثر تنظيما، لكن توسعها الكيفي لا يزال ضعيفا مقارنة بتوسعها الكمي، عسى الأيام القادمة تدفع بأقلام جديدو ومساهمات جديدة تعبر عن الثقافة السورية التي هي وبلا شك أفضل مما يقرأ في الصحافة الألمانية في الوقت الراهن.</p>
<p>بقلم يحيى الأوس نقلا عن الصحافة الألمانية</p>