وكالة قاسيون للأنباء
  • الاثنين, 16 سبتمبر - 2024
austin_tice

رغم الإجراءات القمعية .. لايزال الدولار حاضر بقوة في تعاملات السوريين

قاسيون ـ فؤاد عبد العزيز

كاد الدولار أن يغزو التعاملات المالية بين السوريين ، في مطلع العام 2020 ، وذلك في أعقاب أكبر هبوط تعرضت له الليرة السورية ، من 1000 ليرة مقابل الدولار ، إلى أكثر من 2000 ليرة في غضون أقل من شهر ، غير أن النظام السوري استدرك الأمر ، وأصدر رئيسه مرسوما ، لم يمنع فيه التعامل بغير الليرة السورية ، فحسب ، وإنما حيازة العملات الأجنبية بكافة أنواعها ، مع فرض عقوبات تصل إلى 7 سنوات سجن مع الأشغال الشاقة .

وفي أعقاب إصدار هذا المرسوم ، في 18 كانون الثاني / يناير 2020 ، قام النظام السوري بحملة كبيرة على مكاتب الصرافة وشركات تحويل الأموال المرخصة ، وأغلق أغلبها ، مع تحويل أصحابها إلى القضاء ، بحجة تعاملهم بغير الليرة السورية ، كما شملت الحملة شركات القطاع الخاص ، وتجار تصريف العملات على الأرصفة ، وأولئك المختبئين في بيوتهم ، الذي كانوا يقومون بتحويل الأموال من خارج سوريا ، عبر وسطاء في عدد من دول العالم التي يتواجد فيها سوريون بكثرة ، مستفيدين من الفارق الكبير بين سعر صرف الدولار في المصرف المركزي وبين السوق السوداء ،والذي وصل إلى أكثر من ثلاثة أضعاف في عام 2020 .

لقد نجح النظام السوري ، من خلال حملات القمع التي قام بها ، وفقا للعديد من المراقبين ، بإرهاب المجتمع ، والحد بشكل كبير من التعامل بالدولار ، إلا أن كل ذلك لم يمنع الليرة السورية من الهبوط ، التي واصلت الانهيار إلى أدنى مستوى لها في تاريخها ، عند 4 آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد ، وكان ذلك في مطلع شهر آذار/ مارس الماضي ، بالإضافة إلى أنه ورغم كل هذه الإجراءات القمعية ، فإن التعامل بالدولار ظل مستمرا ، وإن على نطاق ضيق ومحفوف بالمخاطر .

من جهته ، يقول الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي من دمشق ، أحمد ، ع ، إن النظام السوري استبق عملية "دولرة" الاقتصاد في فترة مبكرة من عام 2020 ، من خلال إصدار مرسوم تحريم وتجريم التعامل بغير الليرة السورية ، وعندما اتضح أن الليرة سوف تتعرض لانهيار كبير أمام الدولار ، وهو ما حدث بالفعل في ذلك العام ، حيث تراجع سعر صرفها من نحو 1000 ليرة مقابل الدولار ، إلى أكثر من 2900 ليرة حتى نهاية العام الماضي .

لكن أحمد يرى ، أن ما أوقف التعامل بالدولار في المعاملات المالية بين السوريين ، ليس هذا المرسوم وإجراءاته القمعية فقط ، وإنما استقرار سعر صرف الليرة السوري النسبي في السوق السوداء ، طوال العام الجاري ، والذي لا يزال يراوح بين 3200 ليرة إلى أقل من 3500 ليرة مقابل الدولار ، باستثناء فترة هبوط كبيرة في الشهر الرابع من العام الجاري ، عندما وصل الدولار إلى نحو 5 آلاف ليرة سوريا .

وأشار أحمد ، ع ، إلى أن الجانب الأهم الذي ساعد على استقرار سعر صرف الليرة و حد من التحول إلى الدولار ، هو قرار المصرف المركزي برفع سعر صرف الدولار لديه ، من 1250 ليرة إلى 2500 ليرة ، بالإضافة إلى أن الحكومة اتخذت مجموعة من القرارات التي تسمح بتزويد التجار بالدولار بسعر تفضيلي من أجل تمويل المستوردات من الأسواق الخارجية .

وعلى جانب آخر ، يقول سوريون يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ، إن الدولار لا يزال حاضرا وبقوة في جميع المعاملات المالية ، وإن بشكل مباشر ، مشيرين على وجه الخصوص ، إلى أن جميع معاملات البيع والشراء ، يتم تقويمها بالدولار ، وبناء على سعر صرفه في السوق السوداء .

يقول أبو أحمد ، وهو صاحب مكتب عقاري في ريف دمشق ، إن سعر المنزل الذي كان معروضا للبيع في العام الماضي بقيمة 100 مليون ليرة سوريا ، أصبح ذاته بـ 200 مليون ليرة هذا العام ، مبينا أن صاحب العقار ، لا يقوم منزله بالليرة السورية وإنما بسعر صرف الدولار في السوق السوداء لحظة بلحظة ، فهو على سبيل المثال يطلب 50 ألف دولار ، ثم يحولها إلى الليرة السورية وفقا لسعر صرفها الحالي .

وأضاف أبو أحمد أن ما ينطبق على العقارات يمكن سحبه على أسعار جميع المواد والمعاملات في السوق السورية ، حيث يخضع تسعيرها وفقا لسعر صرف الليرة أمام الدولار ، بينما متوسط الدخل الشهري ، لا يدخل ضمن هذه الحسابات على الإطلاق ، بحسب قوله .

بدوره ، يقول "محمد" من ريف درعا ، الذي يعمل بتحويل الأموال من الخارج ، إنه تم التضييق على عملهم كثيرا ، بعد إصدار المرسوم الذي يمنع التعامل بغير الليرة السورية في مطلع العام 2020 ، وقد تم إلقاء القبض على عدد كبير ممن يمارسون هذه المهنة ، وإيداعهم في السجون وتغريمهم بأموال طائلة ، بالإضافة إلى مصادرة ما بحوزتهم من أمانات تخص الناس ، لكنه يشير إلى أن ذلك لم يوقف عمله ، بل لايزال مستمرا بتحويل الأموال من دول أوروبا وتركيا ، لأنها مهنة تدر عليه أرباحا جيدة ، وتقدم من ناحية أخرى ، خدمات كبيرة للسوريين في الخارج الذين يساعدون ذويهم في الداخل .

ويضيف محمد الذي طلب عدم الكشف عن كامل اسمه ، أنه طالما هناك فارق كبير بين سعر الصرف الرسمي وسعر صرف السوق السوداء ، فإن ذلك لن يقضي على ظاهرة تحويل الأموال بالسر والخفاء ، مهما كانت المخاطر ، مشيرا من جهة ثانية ، إلى أن أغلب السوريين المتواجدين في الخارج هم من المعارضين للنظام ، وهؤلاء لا يرغبون ، حسب قوله ، بدعم خزينة النظام المالية ، من خلال تحويل أموالهم إلى داخل سوريا ، عبر الطرق النظامية .

وبحسب البنك الدولي ، يصل حجم تحويلات المغتربين السوريين عبر القنوات الرسمية ، إلى أكثر من 4 ملايين دولار يوميا ، بينما يصل حجمها وفقا لتقديرات مراقبين إلى أكثر من 6 ملايين دولار يوميا ، بحساب التحويلات غير النظامية .