وكالة قاسيون للأنباء
  • الثلاثاء, 24 سبتمبر - 2024
austin_tice

مسرِّب 50 ألف صورة لمجازر النظام يتساءل: هل من أدلّة أقوى؟ لماذا لم يحاسب الأسد؟

<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>عمل سيزر، المصور السابق في الجيش السوري، على نسخ آلاف الصور للمعتقلين الذين عُذبوا حتى الموت في سجون الأسد في الفترة ما بين 2011 و 2013. وقد نشرت وسائل الإعلام عدداً من المقالات عن الرجل الذي كبد نفسه، وعائلته مخاطر جمة بتسريبه أدلة صادمة عن جرائم ضد الإنسانية إلى خارج البلد، ولكن لم يُجرِ أحد لقاءً معه شخصياً بعد.</strong></span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">شهراً بعد شهر على مدى عامين واظب هذا الرجل مجهول الهوية على التقاط صورٍ لجثث تعرضت للتعذيب والحرق والتجويع، وكانت الأوامر تقضي أن يصورها لتوثيق وفاة المعتقلين، إلا أنه قام بعد ذلك باستنساخ الصور سراً وحفظها على فلاشة إلى أن يتسنى له تهريبها خارج مكان عمله مخبأة في حذائه أو حزامه، ليسلمها فيما بعد إلى صديق له يمكنه إرسالها إلى خارج البلد. وفي حين يعلن إرهابيو الدولة الإسلامية جهراً عن جرائمهم على وسائل التواصل الاجتماعي، نجد الدولة السورية تواري جرائمها في أقبية يلفها الصمت، ولم يقدّم أحد من داخل النظام السوري قبل &laquo;سيزر&raquo; أدلة على وجود آلة الموت السورية، حتى ظهرت هذه الوثائق والصور المُدينة.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">شعرت أنني لا بد أن أعثر على سيزر، فالانتصارات الكبيرة التي أحرزتها داعش بالإضافة إلى العدد المتزايد من هجماتها الإرهابية، أضحت تطغى على فظائع النظام السوري في الأخبار، والنزاع قد كلف أكثر من 220 ألف قتيل، كما تعرض نصف سكان البلد للتهجير من بيوتهم وللقصف وللحصار من قبل جيش الأسد. وفكرت أنه ربما تعيد صور سيزر انتهاكات دمشق إلى الأضواء مرة أخرى، لذا كان عليّ أن أجده.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">وكان الصحافيون من جميع أنحاء العالم مثلي يبحثون عنه، فأدركت أن المهمة ستكون صعبة، وكانت بالفعل كذلك، حتى أنني كدت أن أيأس مرتين، لكني مضيت في بحثي لأن شهادة الرجل عما رآه ذات أهمية عظيمة، وستكون عاملاً رئيسياً في فهمنا للرعب الكامن في قلب النظام.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">كان سيزر تحت حماية حزب إسلامي معتدل معارض يعرف بالتيار الوطني السوري، تفهم أفراده أن لقائي مع سيزر ليس سبقاً صحفياً بحتاً، بل يرمي إلى الخوض في تفاصيل أحداث مروعة بشكل سيتيح للعالم سماع صوت السوريين وسيترك أثراً على مدى أجيال، وبعد عدة أشهر من المفاوضات تم السماح لي بمقابلة سامي، الصديق المقرب من سيزر الذي ساعده خلال عامي المشروع.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">تحدثت إلى سامي عبر سكايب لساعات طويلة موزعة على أربع مكالمات، وبعد ستة أشهر، وافق سيزر على لقائي.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">كان اللقاء الأول مشحوناً بالخوف، خشيت أن أخسر ثقة محدثي إن طرحت الأسئلة الغلط أو أوغلت في التفاصيل قبل الأوان، وفي النهاية تحدث سيزر معي بصراحة عدة مرات، وامتدت أحاديثنا فوق الأربعين ساعة تبلورت في محاولة لإيصال الحقيقة، لكنها مجرد بداية.. وإليكم قصته.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">اسمي سيزر، كنت أعمل مصوراً للنظام السوري في فرع الشرطة العسكرية في دمشق.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">سأخبرك عن عملي قبل الثورة وخلال العامين الأولين منها، لكنني لا أستطيع الإدلاء بكل التفاصيل لئلا تنكشف هويتي للنظام. فأنا لاجئ الآن في أوروبا وأخشى أن يعثر علي أحد من النظام ويتخلص مني، أو ينتقم من أفراد عائلتي.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">كان عملي قبل الحرب يقتصر على تصوير مواقع الجرائم والحوادث التي تقع بين موظفي الجيش، كالانتحار أو الغرق أو حوادث السير أو الحرائق المنزلية.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">كنت أذهب مع زملائي المصورين إلى موقع الحدث عند وقوع أي طارئ لتصوير الموقع والضحايا بحسب أمر المحقق، وكان عملنا مكملاً لعمله، فإن حصل إطلاق نار في مكتب مثلاً، كنا نصور المكان الذي عُثر فيه على الضحية، ومن ثم نذهب إلى المشرحة ونصور الضحية لنبين موقع دخول وخروج الرصاص من الجثة، وقد نصور بعض الأدلة كسكين أو مسدس. وإن وقع حادث مروري نصور المكان والسيارة، ثم نذهب إلى مكاتبنا لنكتب تقريراً بالحدث مرفقاً بالصور التي أخذناها، ليتم إرسال التقرير بعدها إلى المحاكم العسكرية وتبدأ العملية القضائية.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">كان عملنا سهلاً بشكل أغرى الكثيرين ممن هم في الرتب الدنيا بالانضمام إلينا، فقد كنا نقوم بمهمة واحدة كل يومين أو ثلاثة، وكان الأمر يعود لنا بلبس زينا الرسمي أم لا، بينما لم يهتم الضباط الأعلى رتباً بالانضمام لوحدتنا بالقدر نفسه، إذ لم يكن هناك أي هيبة لمنصب المسؤول عن المصورين والمؤرشفين، كما أن الشرطة العسكرية لم تكن تتمتع بنفوذ واسع كالذي يحظى به قسم المخابرات. إضافة إلى أننا لم نكن نتعامل مع المدنيين، لذلك لم يكن هناك مجال لكسب الأموال من خلال الرشاوى كما نرى في الجمارك مثلاً أو إحدى الوزارات الحكومية، ولم يكن لنا نفوذ أو تأثير على أجهزة الأمن أو الجيش.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">وفي سلسلة السلطة لم ينل عملنا اهتمام أحد، وكأن وحدتنا لم تكن تهم، كانت واحدة من عشرات مثلها، فالشرطة العسكرية فيها عشرات الأقسام، وفي دمشق لوحدها مثلاً هناك على الأقل ثلاثون قسماً، منها مصورون وسائقون وفنيو إصلاح مركبات ورياضيون والكتيبة المنوطة بنقل المساجين بين أفرع المخابرات العسكرية المختلفة، وما إلى ذلك. ولكن الأهم منها طبعاً هو ما كان مسؤولاً عن التحقيقات والسجون.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">ذات يوم أخبرني زميلي أننا على وشك تصوير بعض جثث المدنيين، وكان قد فرغ لتوه من تصوير جثث المتظاهرين في محافظة درعا، حيث بدأت أولى المظاهرات، كان ذلك في الأسابيع الأولى .. في آذار أو نيسان 2011. وكان يذرف الدموع وهو يقول لي: &ldquo;لقد مثّل الجنود بالجثث، سحقوهم بأبواطهم وهم يصيحون: ابن العاهرة&rdquo;.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">كان زميلي خائفاً ولم يرغب بالعودة إلى هناك، وعندما تم استدعائي للتصوير تبين لي ما كدره، قال الضباط إن &ldquo;القتلى هم إرهابيون&rdquo;.. لكنهم لم يكونوا كذلك، كانوا فقط بعض المتظاهرين. وكان يتم تخزين الجثث في مشرحة مشفى تشرين العسكري غير البعيد عن مقر الشرطة العسكرية.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">في البداية كانت الأسماء تُكتب على كل جثة، ولكن بعد حوالي عدة أسابيع أو شهر تحولت الأسماء إلى أرقام فقط، وفي المشرحة يسحب الجندي الجثث من البرادات ويصفهم على البلاط لنصورهم، ومن ثم يضعهم في البرادات مجدداً. وفي كل مرة ذهبنا هناك للتصوير كان برفقتنا طبيب التشريح الذي يملك مثلنا حرية ارتداء زيه الرسمي أو لا. كان الأطباء ضباطاً في الرتب الأدنى خلال الشهور الأولى، وتغيروا فيما بعد إلى آخرين أعلى رتبة.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">كان يتم ترقيم الجثث لدى وصولها إلى المشفى، برقمين على قطعة من الورق اللاصق، أو مباشرة على الجبين أو الصدر. وكان الورق اللاصق من النوع الرديء فلا يبقى مكانه في كثير من الأحيان. الرقم الأول يدل على المعتقل والثاني على فرع المخابرات الذي اعتقله، ويضيف طبيب التشريح رقماً ثالثاً على الجثة لتقريره الطبي، ذاك الرقم هو الأهم بالنسبة لنا لإعداد ملفاتنا، والرقمان الآخران كانا أحياناً بخط رديء غير مقروء أو أحياناً يكونان خطأً بالكامل، فهناك بعض الأغلاط أحياناً. أما طبيب المشرحة فيكتب الرقم الطبي على قطعة من الورق المقوى ويضعها هو أو أحد أفراد المخابرات قرب الجثة أو عليها، أو يمسكها بيده إلى جوار الجثة ونحن نصورها، تلك هي الأيدي التي ترونها في الصور التي سربتها، وأحياناً ترون أيضاً أرجلهم ظاهرة في الصورة بجوار الجثة.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">كان أطباء المشرحة يعلوننا رتبة، ولم يكن يُسمح لنا بالتحدث إليهم أو سؤالهم عن شيء، كنا فقط ننفذ أوامرهم مثل &ldquo;صوروا هذه الجثث من رقم 1 إلى 30 ثم انصرفوا&rdquo;. ولتسهيل التعرف على الجثث في الملفات التي نعدها توجب علينا التقاط صور عدة لكل جثة، للوجه والجسم والصدر والساقين، وواحدة من الجنب. وكانت الجثث مصنفة بناء على الفرع العسكري، فهناك مثلاً ركنٌ لجثث الفرع 215 من المخابرات العسكرية وآخر لفرع المخابرات الجوية، وقد سهّل ذلك التقاط الصور وإعداد الملفات لها لاحقاً.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">لم أرَ بحياتي شيئاً مشابهاً لما رأيت هناك، فقد كان النظام يعذب المعتقلين قبل الثورة لانتزاع المعلومات منهم، أما الآن فالتعذيب يهدف إلى القتل. رأيت علامات حروق بالشموع بالمشتعلة، ومرة رأيت علامات حروق من موقد كالمستخدم لتسخين الشاي على وجه وشعر أحدهم. البعض كان يحمل آثار جروح عميقة، والبعض الآخر قد اقتلعت عيناه وكُسرت أسنانه، وكانت علائم الجلد بالكبلات واضحة، إضافة إلى جروح ممتلئة بالصديد من الالتهاب الذي ألمّ بها من طول مدة إهمالها، وأحياناً كانت الجثث مغطاة بالدم وبدت حديثة الموت.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">كنت اضطر لاقتطاع وقت للاستراحة لأمنع نفسي من البكاء وأذهب لغسل وجهي، وفي المنزل لم أكن أفضل حالاً. تغيرت طباعي، فقد كنت عادة هادئ الطباع لكني أصبحت أهتاج لأبسط الأسباب مع أهلي وإخوتي وأخواتي. كنت مذعوراً بالفعل، والمناظر التي أراها خلال نهار عملي تظل تطاردني بقية اليوم، وأتخيل أخي أو أختي ضمن تلك الجثث فيثير ذلك غثياني. لم أعد أطيق تحمل المزيد، وقررت أن أتحدث إلى صديقي سامي.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">أراد سيزر أن يستقيل من عمله وأن ينشق، وكان سامي صديق العائلة لأكثر من عشرين عاماً، ولكن في ظل النظام هناك بعض الأمور التي لا يمكن التحدث عنها، فلا أحد يمكنه أن ينتقد النظام ولا حتى بالسر مع أفراد عائلته أو أصدقائه المقربين، لكن صديق سامي اعترف له قائلاً: &ldquo;رأيت جثثاً عليها علامات التعذيب، لم يمت أحد منهم ميتة طبيعية، والمزيد منهم يصلونا كل يوم.&rdquo; ووسط دموعه سأله سيزر: &ldquo;ماذا أفعل؟&rdquo;</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">كان سامي يدرك لدرجة مؤلمة كل ما يجري من العنف والقتل غير الموثق في سوريا عبر السنين، من معتقلين ماتوا بصمت في أقبية النظام إلى المتظاهرين الذين تم قتلهم وإخفاء جثثهم. أقنع سامي سيزر بمواصلة عمله إذ أنه يتيح له فرصة نادرة لجمع الأدلة من داخل النظام، ووعده بمساندته مهما حصل. وهكذا ظل المصور الشاب يخاطر بحياته على مدى عامين، وهو يعد النسخ عن صور المعتقلين التي يمكننا رؤيتها على الإنترنت وفي متحف المحرقة في واشنطن دي سي.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">كان التعذيب موجوداً في السجون السورية قبل بدء الحرب الأهلية وكان المعتقلون يتحدثون عنه بعد الإفراج عنهم، وذلك ضمن خطة للنظام إذ أراد أن تكون تلك الأحداث عبرة وتحذيراً ليتسرب الرعب من السجون إلى كل بيت سوري. لكن الفرق في صور سيزر يكمن في أنها توثق التعذيب والموت الذي يمارسه النظام بشكل ممنهج، ففي هذه المرة الدولة ذاتها ترصد الرعب الذي تمارسه على شعبها، وهذه الصور المأخوذة في أقبية المشافي العسكرية هي أدلة دامغة على الوحشية الممارسة، ومقارنة بالأفلام المصورة من قبل المتظاهرين في شوارع المدن فإن تلك الوثائق الرسمية تجمد الدم في العروق.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify">&nbsp;</p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>يتابع سيزر</strong></span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">ثم بدؤوا بإرسال الجثث إلى مشفى المزة العسكري، وهو أكبر بكثير من مشفى تشرين واسمه الرسمي هو مشفى 601. وفي حين يبعد مشفى تشرين 5 دقائق بالسيارة عن موقع مكتبي، فإن مشفى المزة يبعد نصف ساعة.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">كان تصوير الجثث أسهل في مشفى تشرين لأنها تبقى في الظل داخل المشرحة أو في البهو عندما تكون المشرحة ممتلئة. أما في مشفى المزة فالجثث مرمية في العراء على الأرض في أحد الكراجات. ويقع المشفى في أسفل الهضبة حيث مقر الحرس الرئاسي، يمكن حتى رؤية الهضبة في بعض الصور مع كشك حرس المشفى والشجر الذي يحدد محيط المنطقة. ويقع القصر الرئاسي إلى الخلف في أعلى الهضبة مباشرة، وبالإضافة إلى تصوير الجثث كان علينا أنا وزملائي عمل ملف لكل منها بطباعة الصور وفرزها ووضعها في بطاقات ثم حفظها في ملفات، كان عملاً روتينياً.. شخص يتكفل بطبع الصور وآخر يلصقها على البطاقات وثالث يكتب التقارير، يوقعها رؤساؤنا لنرسلها إلى المحاكم العسكرية، قبل الثورة كنا نتعامل مع جثث الجنود، أما بعدها فأصبحنا نقوم بالعمل نفسه ولكن مع جثث المدنيين.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">تزايدت أعداد الجثث خصوصاً بعد عام 2012 وأصبحنا نعمل بلا توقف، وكان الضابط المسؤول عنا يصرخ فينا &ldquo;لماذا لم تنهوا عملكم بعد؟ الجثث تتراكم! هيا أسرعوا!&rdquo;. كان يخالنا نتباطأ في العمل رغم أننا كنا نبذل قصارى جهدنا، ولكن هناك دائماً المزيد من الجثث، والانشقاقات التي حدثت في وحدتنا أدت إلى تقليل عددنا، وبدأ الكراج في مشفى المزة يمتلئ بالجثث التي لم يتسنَّ لنا تصويرها بعد. ومع عوامل الشمس والحرارة ومرور عدة أيام أخذت الجثث بالتحلل، حتى الجنود لم يكونوا يرغبون بلمسها ويحركونها من مكان لآخر بأبواطهم العسكرية، لم يظهروا أدنى احترام لها. فتعفنت الجثث ورأينا مرة عصفوراً ينقر عين إحداها، والحشرات تهاجم أخرى، أما الرائحة فلم نستطع القضاء عليها، كانت تدفعنا للجنون وكان علينا أن نجد طريقة للتخلص منها، ثم أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">كان عملنا يمتد من الثامنة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر، يتلوه استراحة حتى السادسة أو السابعة مساءً، نرجع عندها إلى المكتب لنعمل حتى العاشرة ليلاً، كانت أيام العمل طويلة ولم نشأ ترك شيء لليوم التالي إذ كنا ندرك أنه سيأتينا بالمزيد من الجثث.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">اعتدت أخذ الصور إلى سامي عدة مرات في الأسبوع، أنسخهم على فلاشة كان قد أعطاني إياها، عندما أجد نفسي وحيداً في المكتب -رغم خوفي من دخول أحد ما وكشف أمري- كنت أخرج بعد أن أخبئ الفلاشة في كعب حذائي أو تحت حزامي، وفي طريقي إلى المنزل أمر على أربعة أو خمسة حواجز ترتعد منها فرائصي، فلا أدري ما يمكن أن يحل بي، إذ يمكن أن يفتشني الجنود في أي منها حتى وإن كنت أحمل الهوية العسكرية.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>تماماً مثل كتلة الحقبة الشيوعية الشرقية، تسجل سورية وتدون كل جزء من المعلومات، وكل وثيقة، تشتبه الدولة بالجميع وتحاول منع أي انحراف عن القواعد، فالذي يطيع الأوامر يجب أن يُظهر أنه أطاعهم، يجب أن يقنع رؤساءه بامتثاله لهم خوفاً من أن يُصنف في عداد العصاة أو الجبناء أو ما هو أسوأ _ وينتهي به الأمر في السجن دون محاكمة. لذلك هل يموت السجناء من الجوع أو التعذيب في مراكز الاعتقال في جهاز المخابرات؟</strong></span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">إن الأمر سري، طبعاً، ولكن يتم تسجيل الحدث وختمه كما ينبغي بالإضافة إلى شهادة وفاة تعزو وفاة السجين لأسباب طبيعية.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">عند سفح القصر الرئاسي تصل الجثث كل يوم تقريباً، لتُسحب وتُحمل وتُصنف وفقاً لفرع المخابرات حيث تم احتجازهم. كل يوم، يصل الطببيب الشرعي حوالي 07:00 صباحاً حاملاً دفتر ملاحظاته ومجموعة كبيرة من الأوراق الملتصقة ببعضها والمقسّمة إلى ثلاثة أعمدة، ويذهب من جثة إلى أخرى. ليقوم المصور بالتقاط الصور باستخدام كاميرته الرقمية الـ<span dir="LTR">Nikon Coolpix P50</span>&nbsp; أو&nbsp; <span dir="LTR">Fuji</span>، ثم يعود الطبيب الشرعي لدفتر ملاحظاته ليسجل ثلاثة أرقام في تلك الأعمدة.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">يرافقه جندي &ldquo;الشاهد&rdquo; ليقول له الخصائص ويدونها في العمود الأول: العمر التقريبي، الطول، لون الجلد والشعر، وجود وشوم أو ثقوب رصاص&hellip; وسبب الوفاة والذي يكون دائما &ldquo;أزمة قلبية &ldquo;أو&rdquo; مشاكل في الجهاز التنفسي&rdquo;، وبشكل طبيعي لم يكن هناك أي ذكر للتعذيب.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">وبعدها يقوم الطبيب الشرعي برسم خط تحت المعلومات لينتقل إلى الشخص التالي، تحتوي الصفحة بالمتوسط على ثلاثة أو أربعة قتلى، يُؤرشَف التقرير الطبي في مكتب الطبيب الشرعي في مشفى تشرين.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">بعد الانتهاء من تصويرهم، يعود سيزر وزملاؤه إلى القاعدة الأساسية لوضع التقرير الخاص بهم للمحاكم العسكرية. قبل الحرب، في بداية الانتفاضة، كان كل شخص ميت له أو لها بطاقة ملف خاصة به، تدريجياً ومع ازدياد عدد الجثث أصبحت البطاقة الواحدة تحمل تفاصيل 10، ثم 15، ثم 20 معتقلاً.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">خلال حكم حافظ الأسد والد بشار الأسد اختفى أكثر من 17.000 معتقل في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. تقدر الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن أكثر من 215.000 قد اعتقلوا منذ بداية الحرب الأهلية، ما يقرب من نصف هذا العدد من الحالات لا يعرف أقاربهم أي معلومة عنهم. بحلول كانون الأول عام 2014، نجحت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في وضع قائمة مؤلفة من 110.000 اسم.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify">&nbsp;</p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>يتابع سيزر:</strong></span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">رؤية هذه الصور على شاشة الكمبيوتر كانت أكثر إيلاما من تصوير الجثث. هناك، حيث الجثث في كل مكان حولنا لم يكن بإمكاننا التفحص. يستعجلنا الطبيب الشرعي، ويراقبنا عناصر من أجهزة الأمن ليلاحظوا ردود الفعل لدينا، الجميع في سورية يراقبون بعضهم. وبما أنه لم يكن يسمح لنا بطرح الأسئلة، كان من الأسهل التقاط الصور دون النظر جيداً في الإصابات. فمن الأسهل أن نحاول ألا نشعر بشيء.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">نعود إلى مكتبنا وهناك أثناء طباعة الصور وإلصاقها لا يمكن لأعيننا أن تتفادى هذا الأمر، لقد كان فظيعاً، كان المشهد هناك فعلاً: يعود المعتقل إلى الحياة أمامنا. شاهدنا الجسم بشكل واضح، تخيلنا التعذيب، شعرنا بالضربات، ثم كان علينا أن نكتب التقرير كما لو أننا سنصلح ما رأيناه على نحو قاس في ذاكرتنا. خلال شهر واحد في الزنزانة تغير وجه السجين تماماً،&nbsp; تغير كثيراً لدرجة أننا لم نعد نستطيع التعرف عليه.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">توفي أحد أصدقائي في الاحتجاز، قمنا بتصوير جسده دون أن نعرف من هو، وبعد فترة ليست بالقصيرة، وأثناء قيامي بالبحث بشكل سري عن معلومات نيابة عن والده، أدركت أن صورته قد مرت من خلال أيدينا ولم أكن قد تعرفت عليه، كان قد أمضى شهرين فقط في السجن. وكنت قد اعتدت أن أرى هذا الشخص كل يوم تقريبا قبل أن يقبض عليه.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">أخبرت الشرطة العسكرية الوالد أن ابنه قد مات في الاعتقال. لم يرد أن يصدق ذلك. كان عليّ أن أخبره أن ذلك الأمر صحيح فقلت له: &ldquo;اتصلتُ بالمستشفى العسكري وأكدوا لي أن ابنك قد مات.&rdquo; في الواقع، كنت قد بحثت في أرشيفنا ووجدت الصورة، لم يسمح لي أن أقول له ذلك، بطبيعة الحال. لم يكن أحد يعرف أن جثة كل معتقل يتم تصويرها كإجراء طبيعي قبل أن تُلقى في مقبرة جماعية.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">في إحدى المرات كان أحد زملائي في مستشفى المزة، حيث كانت الجثث ملقاة جنباً إلى جنب، بينما كان يقف بالقرب من أحدهم، أحس بأنه لا يزال على قيد الحياة. كان يتنفس بهدوء. &ldquo;هل أصوره؟ إنه لا يزال على قيد الحياة &ldquo;، سأل زميلي الجنود المسؤولين عن نقل الجثث.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">وصل الطبيب الشرعي وكان غاضبا. &ldquo;ماذا تقصد، لا يزال على قيد الحياة؟ ما الذي يجب عليّ القيام به الآن؟ ذلك سيغير كل ما عندي من الأرقام&rdquo; كان غاضبا لأنه كان قد ملأ سابقا دفتر ملاحظاته بأرقام الجثث الطبية.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">&ldquo;إذا كان هذا الرجل لا يزال على قيد الحياة، سيتوجب علينا شطب وتخصيص إدخالات جديدة وإعادة الإدخالات والحصص&rdquo;&hellip;. &ldquo;لا تقلق&rdquo; قال الجندي له. &ldquo;اذهب وتناول كأساً من الشاي وسوف يتم فرز كل شيء قبل أن تعود&rdquo;. وعندما عاد، انتهوا من أخذ الصور.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">في البداية، كنا نشعر بالاشمئزاز والنفور. كنت بالكاد آكل شيئا لمدة ثلاثة أو أربعة أيام. ثم أصبح ذلك روتين حياتنا اليومية وجزءاً منا، لقد كتمنا في أنفسنا، وكانت هذه الطريقة الوحيدة التي تمكننا من الاستمرار. ماذا يمكن أن نفعل؟ إذا عبرنا عن مشاعرنا قد نعتقل ونتعرض للتعذيب حتى الموت وننضم إلى تلك الجثث، كنا نخشى أيضاً على أصدقائنا وأسرنا.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">كان هناك حوالي عشرة مصورين في فريقي، لطالما دعمنا بعضنا البعض، ولكننا لم نكن نثق حقاً ببعضنا. في بعض الأحيان، يكون لدى أحدنا حديث مهموس فلا يجرؤ على إغلاق باب المكتب كي لا يتصور شخص ما أننا نتآمر على النظام وننتقده، على أي حال، لم يسمح لنا بإغلاق الباب. كنا نقول، &ldquo;في يوم القيامة، سنحاسب على أعمالنا، ماذا فعلت خلال كل هذه السنوات مع هذا النظام الإجرامي؟ لماذا بقيت معه؟&rdquo; وكنا خائفين. ما يمكننا أن نرد؟</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">لقد كنت خلال هذين العامين واقعاً بين جحيمين. كنت خائفاً من أن يتم القبض عليّ من قبل الثوار لأنني عملت لدى النظام، أو يعتقلني النظام لأنني كنت أجمع هذه الأدلة من التعذيب. كانت حياتي في خطر في كلا الحالتين _ وكانت عائلتي في خطر أيضاً.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">يزود سامي سيزر بالفلاشات بانتظام، في البداية بسعة 4<span dir="LTR">GB</span> أو 8<span dir="LTR">GB</span>، ثم 16<span dir="LTR">GB</span>. في بعض الأحيان، يشعر سيزر بالقلق من أنه قد فوّت بعض الصور، لذلك يعيد نسخ صور شهر كامل على قرص مضغوط، مع تزايد خطر اكتشاف أمرهم. يعود سامي لينسخ كل شيء مرتين، أولاً إلى القرص الصلب لجهاز كمبيوتر منزله، ومع أسماء الملفات العامة في حال قام أحد عملاء النظام بالعثور عليهم، ثم إلى قرص صلب خارجي.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify">&nbsp;</p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>استغرقت العملية دقائق طويلة مؤلمة، ولكن كانت ضرورية:</strong></span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">وحدها الصور الأصلية تحوي البيانات الوصفية (تاريخ ونوع الكاميرا، الخ) التي من شأنها أن تثبت أين التقطت هذه الصور، وعالية الوضوح التي من شأنها أن تجعل من الممكن تحليل الإصابات واكتشاف السبب المحتمل للموت. وللتأكد من عدم فقدان شيء أًرسلت الصور مباشرة إلى الخارج عبر شبكة الإنترنت _ بوضوح أقل هذه المرة لتسريع وقت التحويل. فمع انقطاع الكهرباء وخطوط الهاتف التي لا يمكن الاعتماد عليها يمكن للاتصال أن يقطع ويخفق.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">عندما هاجم النظام بلدته، أخذ سامي زوجته وأطفاله إلى مكان أكثر أمناً، ثم عاد ليعثر على أحد أصدقائه الذي كان قد ساعده في نقل الصور منذ البداية. أخذوا كمبيوتر سامي والقرص الصلب الخارجي ووضعوهم في كيس وخبؤوهم تحت كومة من القمامة. إن نقل هذه الأشياء مجتازين حاجز الجيش كان خطراً جداً. أثناء سقوط قذائف هاون بشكل أكبر وتحرك أول مجموعة من الجنود إلى الشوارع، اختبأ اثنان من أصدقائه في منزل مجاور، تكوروا فوق سقف مستعار واختبؤوا هناك لمدة ثلاثة أيام صعبة.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">يفكر سامي في عائلته ووالده والأرانب التي اعتاد أن يرعاها فوق سطح منزله. من خلال شق في الخشب حاول مراقبة ما يجري... قال متذكراً في إحدى هذه الأيام &rdquo; شاهدنا جنوداً يجبرون شاباً على قول:&rdquo; لا إله إلا بشار&rdquo; ثم قتله واحد منهم. &ldquo;لم نكن خائفين من الموت، لكننا كنا خائفين من الموت هكذا&rdquo;.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">أردنا أن نخرج هذه الصور ليعلم أسر القتلى أن فقيدهم المحبوب قد وافته المنية. كان يجب أن يعرف الناس ما يجري في السجون ومراكز الاعتقال. عندما يسقط بشار الأسد كن على يقين من أن النظام يريد تدمير الأدلة.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify">&nbsp;</p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>لماذا يحتفظ النظام بهذه الصور؟&nbsp; لطالما تساءلت. لماذا يدون هذه الأوصاف المفصلة للجثث ويحتفظ بالصور في الملفات؟</strong></span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">أنا رجل بسيط ولست سياسياً، سأعطيكم إجابة بسيطة. ليس هناك تعاون بين أجهزة المخابرات والأمن. إنهم لا يعرفون ما يقوم به الآخرون. كل واحد مسؤول عن تنظيمه الخاص ويعمل لخدمة مصالحه الخاصة. لمدة 50 عاماً تسجل الشرطة العسكرية تفاصيل الوفيات العرضية بما في ذلك الجيش، في حالة الحاجة إليها للمحاكم العسكرية. النظام يوثق كل شيء بحيث لا ينسى شيئاً. وبالتالي، فإنه يوثق هذه الوفيات. هذه الصور مفيدة للقضاة والمحققين ليكملوا ملفاتهم. في حال قام القضاة يوماً ما بإعادة فتح القضايا فإنهم سيحتاجون إليها. بعد بدء الثورة وخلال الحرب بقينا ببساطة على الروتين نفسه، لم يتصور النظام يوماً أن عملنا قد يستخدم ضده.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify">&nbsp;</p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>تعتقد الأجهزة الأمنية أنها محصنة، إنهم لا يستطيعون أن يتخيلوا أنه سيتم محاسبتهم يوماً ما على انتهاكاتهم. إنهم يعرفون أن القوى العظمى تدعم النظام، لم يعتقدوا يوما أن هذه الصور ستخرج ويراها العالم أجمع.</strong></span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">في الواقع، وأنا أتساءل عما إذا كان ضباط الأمن ليسوا أكثر غباء مما نعتقد، إنهم مشغولون بقمع المتظاهرين ونهب السكان والقتل لقد نسوا أن انتهاكاتهم يجري توثيقها. انظر إلى الهجوم الكيماوي في الغوطة! إن المسؤولين يعرفون أن هناك دليلاً على ما قاموا به،&nbsp; إلا أنهم ما زالوا يطلقون صواريخهم.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">خلال العامين وعندما كنت أنسخ هذه الوثائق سراً كنت خائفاً على عائلتي وعلى نفسي. لكني قد بدأت السير في هذا الطريق وليس هناك من سبيل للعودة. كنت أعرف أنني سأتوقف عن هذا العمل يوماً ما، ولكن لم أكن أعرف متى، بقيت أؤجل هذه اللحظة، وفي نهاية المطاف أدركت أن عليّ مغادرة البلاد.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">في يناير 2015، في مقابلة مطولة مع مجلة فورن أفيرز الأمريكية كرر الرئيس السوري بشار الأسد انتقاداته للصور. عند نقطة واحدة أظهرت الصحفية &ldquo;الأدلة المصورة للقصف العشوائي للأهداف المدنية، التي قدمها منشق يطلق عليه اسم سيزر&hellip; تظهر التعذيب الرهيب وسوء المعاملة في السجون السورية&rdquo;.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">&ldquo;من أخذ الصور؟&rdquo;، أجاب الرئيس. &ldquo;من هذا؟ لا أحد يعرف. لا يوجد إثبات لأي من هذه الأدلة، لذلك كل الادعاءات بدون أدلة. &ldquo;</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify">&nbsp;</p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>&ldquo;ولكن صور سيزر عُرضت على محققين أوروبيين مستقلين&rdquo;، أصر الصحفي.</strong></span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">&ldquo;لا لا. إنها ممولة من قطر، ويقولون إنها من مصدر مجهول. لذلك لا شيء واضح أو مثبت. الصور لا توضح لأي شخص أخذت. إنهم صور للرأس فقط، على سبيل المثال، مع بعض الجماجم. من الذي قال إنها أخدت من قبل الحكومة، وليست من قبل الثوار؟ من قال إن هذه الضحية سورية، وليس أي شخص آخر؟ فعلى سبيل المثال، كانت الصور التي نشرت في بداية الأزمة من العراق واليمن &hellip; &ldquo;</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">أحد المقربين من سيزر، وهو طبيب أطفال سابق أنشأ ملفاً لتصنيف الأنواع والدرجات المختلفة للاعتداء الذي تعرض له السجناء. وقال:</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">&nbsp;&ldquo;كيف لهؤلاء الناس أن يصبحوا أرقاماً مجهولة؟ يجب أن نرد لهؤلاء الضحايا هوياتهم مرة أخرى. أسرهم لديها الحق في معرفة مصيرهم.&rdquo;</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">إنه لمحبط أن هذه الصور لم تسفر عن أي نتيجة ملموسة. قال إنه يريد أن يعرف ماذا يفعل السياسيون، والمجتمع الدولي؟&nbsp; &ldquo;كنا نعتقد أن عملنا سيحرك الرأي العام. عرضت هذه الصور على الاتحاد الأوروبي وعلى الكونغرس في واشنطن وعلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. ولكن السياسيين يريدون فتح صفحة جديدة والتفاوض مع بشار الأسد. كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟ &ldquo;</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify">&nbsp;</p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>الغارديان: ترجمة ديمة الغزي وركانة المنير- السوري الجديد</strong></span></sup></span></p>