البروفيسورة أسمهان جعفر: المناهج الدراسية في سوريا تحتاج إلى رؤية شاملة
مقابلة خاصة مع البروفيسورة الدكتورة أسمهان جعفر: "المناهج الدراسية في سوريا بحاجة إلى رؤية شاملة توازن بين الماضي والمستقبل"
في خضم الجدل الدائر حول التعديلات الأخيرة على المناهج الدراسية في سوريا، التقت وكالة قاسيون للأنباء بالبروفيسورة الدكتورة أسمهان جعفر، عضو الهيئة التدريسية في كلية التربية بجامعة دمشق، لمناقشة القضايا المرتبطة بهذه التعديلات وأثرها على الهوية الوطنية والتعليم في سوريا. إليكم نص المقابلة:
البداية من التعديلات الأخيرة في المناهج الدراسية
قاسيون: دكتورة أسمهان، كيف ترين التعديلات الأخيرة التي أجرتها وزارة التربية والتعليم على المناهج الدراسية بعد سقوط نظام الأسد؟ هل تعتقدين أنها ضرورية لتصحيح المعلومات أم أنها تتجاوز ذلك لتدخل في إطار إعادة تشكيل الهوية الوطنية؟
د. أسمهان: لا شك أن المناهج الدراسية تلعب دورًا أساسيًا في تشكيل الهوية الوطنية والثقافية لأي شعب. مع ذلك، فإن الحكم على صحة المعلومات أو الحاجة لتعديلها يتطلب لجانًا متخصصة علميًا وتربويًا. نحن في التربية نسعى إلى تقديم المعرفة بما يناسب خصائص المتعلمين النمائية والمرحلة العمرية التي يمرون بها، سواء كانت طفولة أو مراهقة. أي تدخل غير مدروس قد يؤدي إلى زج الطلاب في أزمة قيم، مما يؤكد ضرورة التركيز على جودة التعليم ومراعاة احتياجات المتعلمين في هذه المرحلة.
حول التعديلات الدينية والتاريخية
قاسيون: شملت التعديلات مواد مثل التربية الإسلامية والتاريخ، مع تغييرات في الصياغات والمصطلحات. هل تعتقدين أن هذه الخطوة مبررة أم أنها قد تحمل أبعادًا إيديولوجية؟
د. أسمهان: برأيي، كانت هذه الخطوة متسرعة ولم تخضع للإعداد والتحضير الكافيين. ينبغي أن تكون أهداف التعديلات واضحة وعلنية، مع ضمان عدم استخدامها كأداة لفرض إيديولوجيات معينة. مثل هذه التوجهات قد تُضعف التفكير النقدي والتعددية الفكرية، وتُعزز الكراهية بدلًا من التسامح. بالنسبة لحذف شخصيات مثل زنوبيا، فهذا يثير القلق؛ إذ يسهم في تقديم رؤية ناقصة للتاريخ ويضعف التوازن الجندري في التعليم. دور الشخصيات التاريخية النسائية في تعزيز قيم المساواة والعدالة أمر لا يمكن تجاهله.
صلاحيات حكومة تصريف الأعمال وتأثير التعديلات على الأجيال
قاسيون: هل ترين أن حكومة تصريف الأعمال الحالية لها الحق في إجراء تغييرات جذرية على المناهج؟ وكيف تتوقعين تأثير هذه التعديلات على أجيال الشباب السوريين؟
د. أسمهان: حكومة تصريف الأعمال تقتصر صلاحياتها عادة على إدارة الأمور اليومية دون اتخاذ قرارات استراتيجية كبيرة، وتعديل المناهج يعتبر قرارًا استراتيجيًا يستدعي موافقة الجهات المختصة ودراسة معمقة. التأثير السلبي لهذه التعديلات قد يظهر في وعي الطلاب إذا قُدمت صورة غير متوازنة للتاريخ والثقافة. يجب أن تهدف المناهج إلى تقديم رؤية شاملة تعزز التفكير النقدي بدلاً من فرض وجهات نظر ضيقة.
الجدل حول "تنظيف" المناهج من إرث النظام السابق
قاسيون: هناك من يدعو إلى "تنظيف" المناهج من كل ما يتعلق بتمجيد نظام الأسد. كيف ترين ذلك؟
د. أسمهان: هذا النهج ضروري لضمان تقديم تعليم قائم على الحقائق والمبادئ الأخلاقية، لكن يجب أن يتم بحذر ووعي. يمكن إزالة المحتويات ذات الطابع الإيديولوجي مع الحفاظ على البنية الأساسية للمناهج، والعمل على تحسينها. علينا أن نتذكر أن التعديلات العشوائية قد تكون مكلفة وتؤدي إلى نتائج عكسية.
رؤية للمناهج الدراسية في سوريا
قاسيون: برأيك، هل المناهج الدراسية في سوريا تحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة أم أن التعديلات المحدودة تكفي؟
د. أسمهان: الخيار الأمثل هو الجمع بين التعديل التدريجي والتغيير الشامل. يمكن البدء بإزالة التأثيرات السلبية وتحديث المعلومات بشكل لا يسيء إلى المحتوى الأساسي، ثم الانتقال نحو إصلاح شامل. هذا النهج يضمن استمرارية العملية التعليمية دون اضطرابات كبيرة.
أكبر التحديات في التعليم السوري
قاسيون: ما هي التحديات الرئيسية التي تواجه التعليم في سوريا اليوم، خاصة على صعيد المناهج؟
د. أسمهان: أبرز التحديات تتمثل في جودة المناهج ومدى قدرتها على تلبية احتياجات الطلاب ومواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية. هناك فجوة في عكس التنوع الثقافي والاجتماعي، مما يؤدي إلى ضعف التفاهم بين الطلاب من خلفيات مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، تعاني البلاد من نقص البنية التحتية التعليمية وضعف تدريب المعلمين، وهو ما يعوق التعليم الشامل والفعّال.
استفادة من التجربة التركية
قاسيون: بالنظر إلى تجربة تركيا في إصلاح التعليم، هل يمكن لسوريا الاستفادة منها؟
د. أسمهان: نعم، يمكن الاستفادة من التجربة التركية، حيث شهد نظامهم التعليمي تطورات ملحوظة في السنوات الأخيرة. يمكن تبني أفضل الممارسات وتكييفها مع السياق السوري، خاصة فيما يتعلق بجودة التعليم والتكنولوجيا والبنية التحتية.
رؤية مستقبلية للتعليم في سوريا
قاسيون: كيف ترين مستقبل التعليم في سوريا بعد تحقيق الاستقرار السياسي؟
د. أسمهان: رؤيتي لمستقبل التعليم تتطلب تبني نهج شامل ومتكامل يهدف إلى بناء نظام تعليمي مستدام يلبي احتياجات المجتمع. هذا يشمل الاستثمار في البنية التحتية، تطوير المناهج لتكون شاملة وعادلة، وتوفير تدريب مستمر للمعلمين. نطمح إلى تعليم يعزز التفكير النقدي والإبداعي، ويواكب متطلبات العصر مع احترام التقاليد والثقافة.