سوريا بعد سقوط الأسد: تحديات اقتصادية كبرى أمام إعادة البناء واستعادة الاستقرار
بعد أكثر من عشر سنوات من الصراع المدمر الذي شهدته سوريا، باتت البلاد أمام مجموعة من التحديات الكبيرة التي تجعل من إعادة البناء مسألة في غاية التعقيد. مع سقوط نظام بشار الأسد، أصبحت البنية التحتية السورية متهالكة، حيث تدهورت قطاعات حيوية مثل الزراعة والصناعة والتعليم والصحة والطاقة. وتوقع الخبراء أن تستغرق عملية إعادة الإعمار أكثر من عشر سنوات في ظل الظروف الحالية.
في هذا السياق، يتناول التقرير خمسة ملفات اقتصادية رئيسية تواجه الحكومة الجديدة في سوريا، تشمل الأموال المنهوبة والعائدة للأسد، مصير العملة المحلية، الديون المتراكمة، تكلفة إعادة الإعمار، وأثر العقوبات التي فرضت على البلاد في ظل النظام السابق.
الأموال المهربة
تتعدد التقارير حول حجم الثروة التي هربها بشار الأسد قبل مغادرته إلى روسيا، حيث تتراوح التقديرات بين مئات الملايين إلى مليارات الدولارات. فقد أشارت صحيفة "فايننشال تايمز" إلى أن البنك المركزي السوري نقل حوالي 250 مليون دولار نقداً إلى موسكو خلال العامين الماضيين من حكمه، وذلك في إطار سعيه لسداد الديون للكرملين مقابل الدعم العسكري. كما أوضحت السجلات أن النظام السابق نقل كميات كبيرة من النقود، تزن نحو طنين، من فئات 100 دولار و500 يورو إلى مطار فنوكوفو بروسيا بين عامي 2018 و2019.
وأضافت الصحيفة أن عائلة الأسد تمتلك حوالي 18 شقة فاخرة في العاصمة الروسية، في الوقت الذي كانت فيه أفراد العائلة يجرون عمليات شراء سرية للأصول هناك.
بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، كانت احتياطات سوريا من الدولار في عام 2010، قبل اندلاع الثورة، تُقدر بنحو 18.5 مليار دولار، في حين كانت تمتلك البلاد حوالي 25 طناً من الذهب في يونيو 2011.
الإعلامي والمحلل السوري عدنان عبد الرزاق أكد أن الأسد قام خلال الأيام الأخيرة قبل هروبه بنقل كميات هائلة من الذهب والدولارات، مشيراً إلى أن عائلته تمتلك ثروات كبيرة في المصارف السويسرية وحول العالم، وما زالت الأرقام الكاملة للعقارات والأموال المنهوبة تتكشف تباعاً.
قيمة العملة وآفاقها المستقبلية
بالنسبة لوضع العملة المحلية، يشير عبد الرزاق إلى أن القيمة المستقبلية للليرة السورية تعتمد على عدة عوامل اقتصادية ونفسية وسياسية، أبرزها الشعور بالاستقرار السياسي. وقد شهدت الليرة تحسناً ملحوظاً في أعقاب سقوط الأسد، إلا أن استقرار سعر الصرف يبقى مرتبطاً بإعادة إنتاج وتعزيز الصادرات، مما يؤدي إلى رفع قيمة العملة المحلية.
وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال، باسل عبد الحنان، أكد خلال تصريحاته السابقة أن هناك خطة لإنقاذ الليرة من الانهيار، حيث تتضمن الخطوات الأولى التركيز على استقرار سعر صرف الليرة لتحفيز الأسواق وتحريك عجلة التبادل التجاري. وأوضح أن تعزيز قيمة العملة يحتاج إلى جهود كبيرة وتضافر جميع الأطراف المعنية.
ختاماً، يمكن القول أن التحديات الاقتصادية التي تواجه سوريا بعد سقوط الأسد تتطلب استراتيجيات فعّالة وإصلاحات شاملة، تتراوح بين استعادة الأصول المسروقة إلى إقامة بيئة استثمارية جاذبة، ودعم الإنتاج المحلي لضمان استقرار العملة الوطنية وتحقيق النمو الاقتصادي في السنوات القادمة.