تحولات جذرية في الإعلام السوري بعد سقوط الأسد: من الشبيحة إلى حرية التعبير
شهد الإعلام السوري تحولًا جذريًا بعد انهيار نظام الأسد، حيث بدأ في التعافي من هيمنة الميليشيات المختلفة، مثل "الشبيحة"، التي ساهمت في دعم النظام طوال سنوات من النزاع الدموي. هذا التغيير الدراماتيكي يعكس الآمال المتزايدة في بناء إعلام معاصر يتبنى قيم الحرية وحقوق الإنسان، رغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي لا تزال تعاني منها البلاد.
تاريخ "الشبيحة"، وهي مجموعات مسلحة موالية لنظام الأسد، يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، حيث تميزت بالتهريب والجريمة المنظمة في الساحل السوري. وقد أسسها مالك الأسد عام 1975، وارتكبت هذه العناصر العديد من المجازر خلال الثورة السورية التي انطلقت عام 2011. بعد سقوط النظام، اختفت "الشبيحة" بشكل مفاجئ، مما أثار تساؤلات حول مصيرهم. تظهر التقارير أن بعضهم قد فر إلى مناطق آمنة بينما اختار الآخرون الاختباء، في حين انخرط بعض الأفراد في المجتمع المدني أو في أنشطة عصابات صغيرة، مما يثير الشكوك حول نواياهم المستقبلية.
في خضم هذه التحولات، تواجه وسائل الإعلام السورية الرسمية صعوبات جسيمة في التكيف مع الأحداث المتسارعة بعد الثورة.
فقد شهد تاريخ البلاد قمعًا شديدًا للحريات، حيث قُيدت حريات الصحفيين لفترات طويلة، مما أثر بشكل كبير على تطور المشهد الإعلامي. مع بداية الثورة في 2011، تحوّلت وسائل الإعلام إلى أدوات ترويجية للنظام، وتم منع الصحفيين المستقلين من العمل بحرية، بالإضافة إلى القيود المفروضة على دخول الإعلاميين الأجانب.
ومع الإطاحة بنظام الأسد، بدأت وسائل الإعلام المحلية في إعادة تنظيم صفوفها والتحول نحو فضاء أوسع من الحرية، حيث عادت بعض المنصات الإعلامية للعمل تدريجياً رغم ظروف عدم اليقين. ومع توقع عودة نحو مليون لاجئ في الأشهر الستة الأولى من عام 2025، تزيد الضغوط على الاقتصاد السوري المختل، الذي يتسم بمعدلات بطالة مرتفعة وحدوث تضخم مستمر.
من المهم الإشارة إلى أن سوريا، التي تحتل المرتبة قبل الأخيرة في تصنيف حرية الصحافة على مستوى العالم، تسعى حاليًا إلى إعادة تقييم بنيتها الإعلامية واستحداث آليات تضمن حرية التعبير. يشير هذا التوجه إلى اعتراف السلطة بأهمية الإعلام كأداة للمجتمع المدني، ونقطة انطلاق نحو خلق بيئة إعلامية صحية تعزز قيم الديمقراطية والمشاركة الاجتماعية.
الأزمة الإنسانية التي تعاني منها سوريا، حيث يتواجد أكثر من 6 ملايين لاجئ في دول مجاورة مثل تركيا ولبنان والأردن، تلقي بظلالها على جهود إعادة بناء البلاد، لكن الأمل يبقى معقودًا على إمكانية تأسيس إعلام نقدي ومستقل يعبر عن صوت الشعب ويساهم في العملية الانتقالية نحو الاستقرار المنشود.