اللجوء الثاني هنا...
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>إبراهيم نمر (قاسيون) - حين كان يداهمنا الجوع لم يكن أمامنا سوى الرجوع إلى «حسين» المدخن الشره للحمراء الطويلة، السيجارة المفضلة لفقراء سوريا ومثقفيها، وبطل العالم في شرب "المتة"... في تلك الليلة الوداعية تذوقنا من مأكولاته الشهية، منها ما هو من إعداده، وما تبقى من المونة التي ترسلها له والدته من حلب عاصمة المأكولات السورية والشرقية، حضر «بسام» رغم انشغاله الدائم عنا؛ ويبدو أنه استشعر من اتصالي أنه اللقاء الأخير؛ وقد لا يراني طويلاً، بعد هذا الاتصال «بسام» عاش حياته وهو يخاطر بعيدا عن الضجيج، والسجن زاده قوة على عدم الاستسلام، رغم حزنه على منزلهم ومكتبته التي جمعها؛ واعتنى بها لسنوات وهو يقتطع من أكله وشرابه من أجل اقتناء ما هو جديد- وقديم- من الكتب، تعرض منزله للقصف من النظام السوري ودمر كاملاً، ومعه المكتبة وأحلامٌ كثيرة. </strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>اضطر «خلدون» لترك منزل أهله في الحجر الأسود، ليعيش معي تارة في ذاك المنزل المقابل لثانوية «وهبة وهبة» للبنات، وأخرى في غرفة "قبو مظلمة" في السوق ميزتها الوحيدة تشاهد من خلالها "سيقان النساء" اللواتي يمرنّ على الرصيف بلمح البصر، وتارة في ذاك المنزل الذي كنا نفضل النوم في سقيفته، ورغم استقرارنا بذاك المنزل ولتلك السيدة التي تحرشت بي، إلا أننا تركناها سريعا.</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>كان «ماهر» بشطارته- وكعادته- يغازل جارتنا الأجنبية بحركات بلهاء... ماهر الذي كتب استمارته للتلفزيون في بهو الفندق المواجه لكلية الحقوق في الأسبوع الثالث من المظاهرات من 2011، ما يزال مختفيا منذ تلك اللحظة، واشعر بتأنيب الضمير حين أتذكر آخر لقاء بيني- وبينه- حين كان ماهر بضيافة شقيقه في حي يدعى "الدويلعة" بعد زيارتي له هناك قلت عليك الانتقال لمكان أفضل "المكان يشبه السجن تماما", في اليوم التالي اتصل بي صباحا وقال: «خال أنا ذاهب لرؤية أمي... اشتقت لها كثيرا ولم تنفع التحذيرات، وكان هذا الاتصال الأخير بيننا، ماهر في ما يزال في سجون النظام وتحول إلى مجرد رقم، وليس هناك أي أخبار عنه منذ اعتقاله . </strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>في هذا المنزل انتهت جولتنا، في هذه البلدة الصغيرة "جديدة" تأكد خلدون من نوايا جارنا وهو فلسطيني، والذي كان انتمائه للشعب الفلسطيني الثائر جريمة لخبثه... وردد لي خلدون أكثر من مرة: «خال والله علينا تغيير المنزل، جارنا يراقب المكان بشكل دائم، أنا متأكد أن وضعنا ليس كما يرام».</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>في هذه الغرفة الصغيرة استقبلت الكثير من الأصدقاء... أخص الذكر الدكتور «فريد سعدون» الذي لم نشعره يوماً بمخاوفنا من المكان، وأيضا الدكتور «أيمن» لقد غادرنا ماهر وكمال وآخرون كانوا نكهة لقاءتنا... لذلك لم تكن جلستنا الأخيرة في ضيافة حسين سوى وداع الأخوة, سهرنا حتى الصباح، ودعنا «حسين» ورافقنا بسام إلى الشارع الرئيس، وغادرنا المنطقة أنا وخلدون، ونحن لم نقرر وجهتنا بعد، كنت طوال الطريق أقول له: أربيل، أو تركيا؟ وهو يردد على مسمعي، وبتأثير من والده... ويقول: خال الأردن... لكني أقنعته أخيرا بالوجهة النهائية... لقد تشتتنا كما بقية الشعب السوري الذي عانى ويعاني الويلات، أنا فضلت البقاء في أربيل، وخلدون تركيا، وحسين ماليزيا، وبسام هولندا، وشاءت الأقدار أن التقي واجتمع ببسام في اللجوء الثاني هنا... هنا الشتات السوري الذي لا يختلف شيئاً عن الشتات التاريخي للفلسطينيين!!.</strong></span></sup></span></p>