سوريا… الوطنيّة أوّلاً
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>ما هكذا تورَدُ الإبل. مثلٌ شعبيّ مستقى من الشعر العربيّ، يُضرَب حينما يحاول أحدهم إدراك الحاجة بلا تعبٍ ولا مشقّة، أو بمعنى ليس هكذا تتمّ بالأمور. ولعلّه ينطبق اليوم جيداً على «المعارضة السوريّة».</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>في بداية الأحداث تمّ استخدام تعبير «المعارضة» إعلاميّاً للإشارة إلى «المجلس الوطني» الذي نصّب نفسه ممثّلاً شرعيّاً ووحيداً للشعب السوريّ، واعترفت به بعض الدول. ثمّ أضحى «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» هو الممثّل الشرعي والوحيد للشعب السوريّ، كي يشكّل «حكومة مؤقتة» اعترفت بها بعض الدول وفتحت لها «سفارات». لكن بقي الالتباس قائماً بين «معارضة» سلطة قائمة وبين تمثيل الشعب برمّته، وبين «معارضة خارجيّة» و «معارضة داخليّة». ثمّ حلّت مؤخّراً «الهيئة التفاوضيّة العليا لقوى الثورة والمعارضة السوريّة» كي تُعلِن نفسها ممثّلة وحيدة «للمعارضة»، بعد ضمّ جزء من «المعارضة المسلّحة» وجزء ممّا كان يُسمَّى «المعارضة الداخليّة». هكذا أضحى المنطق أنّ كلّ من لم يُدعَ إلى مؤتمرها التأسيسي هو… في صفّ «النظام».</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>الاستئثار بتمثيل «المعارضة»، بل بتمثيل الشعب السوريّ بمجرّد جذب أشخاص من «مكوّنات» هذا الشعب، أو تمثيل «الثورة»، أقصى كلّ الآخرين وكأنّهم هم الذين يطلقون النار على المتظاهرين أو يأمرون بقصف بالبراميل. هذا منطقٌ عقيمٌ ينبني على الثنائيّة التي أطلقتها السلطة في بداية الانتفاضة الشعبيّة السوريّة: إمّا معي أو ضدّي.</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>انطلق هذا المنطق منذ 2011، بالتماهي حينها مع «المجلس الانتقالي الليبي» الذي شكّل ذريعةً لتدخّلٍ خارجيّ جلب فوضى وحرباً لم تنته أوزارهما حتّى اليوم. لكنّ استخدامه لم يؤتِ أُكُله، أي أنّه لم يؤدّ إلى «إسقاط النظام» سريعاً كما جرت الوعود، والحلول مكانه. بالتالي، وبعد جهدٍ جهيد، قَبِلَ «المجلس الوطني» أن يجلس في مؤتمرٍ مع أطياف المعارضة الأخرى كي يتمّ في القاهرة العام 2012 إنتاج وثائق توحّد التوجّهات والرؤى. لكنّ «المجلس» رفض أن يتمّ تشكيل أي جسمٍ مشترك، حتّى ولو لجنة متابعة، لما تمّ التوافق عليه. بل تبرّأ من تلك الوثائق الجامعة ليتبنّى وثيقة أقرّتها دولٌ من دون تواجده، هي ما سمّي وثيقة «جنيف 1». لقد قامت الدول المساندة «للمجلس» بكسر وحدة المعارضة بعد أيّامٍ من مؤتمر القاهرة الجامع، معلنةً من جديد أنّ «المجلس» الممثّل الوحيد وأنّه إذا شكّل حكومةً فسيتمّ الاعتراف بها.</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>لكنّ عودة المنطق الإقصائيّ لم تفلِح إلاّ أسابيع قليلة. وبرزت الحاجة إلى وحدةٍ أوسع للمعارضة. وتمّ تشكيل «الائتلاف» بزخمٍ إعلاميّ كبير. هذا من دون أن يتخلّى «المجلس» عن زعم صفته التمثيليّة… للشعب السوريّ. وبدوره عاد «الائتلاف» ليتبنّى المنطق ذاته، لكن ليجد نفسه بعد أسابيع أنّه بحاجة إلى توسعة جديدة. هكذا تولّدت الثقة بأنّ التركيبة المتواجدة فيه هي التركيبة النهائيّة. وتمّ تشكيل «حكومة انتقاليّة». إلاّ أنّ التفرّد سيُنزَع من يد الاثنين، برغم الحشد الإعلاميّ حولهما، في ظلّ صراعٍ سيدوم طويلاً بين الحكومة المشكّلة كـ «سلطة تنفيذيّة» وبين الائتلاف كـ «سلطة سياسيّة». فسيل المساعدات الدوليّة لن يمرّ عبر «الحكومة المؤقتة» إلاّ قليلاً. وستفشل محاولات «الائتلاف» المتعدّدة في الربط الوثيق بين ما هو سياسيّ وما هو عسكريّ مقاتل.</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>في جميع تلك التطوّرات، بقي معارضون خارج هذه التركيبة. إلاّ أنّ الأهم أنّ منطقاً آخر برز بقوّة، هو منطق التنظيمات الجهاديّة كـ «داعش» و «النصرة» اللذين أضحيا لاعبين رئيسيين يمتلكان قوّة حاسمة قادرة على السيطرة على الأرض والبشر. التنظيمان الاثنان بعيدان عن منطق «سلطة» و «معارضة» في بلدٍ اسمه سوريا، ويحملان مشاريع لشعبٍ ودولةٍ مختلفين عن سوريا.</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>وبعد كلّ القتل والدمار والتشريد الذي حلّ بالسوريين، يبدو بوضوح أنّه لا بدّ من الخروج من المنطق العقيم، والتخلّي عن مفهوم «المعارضة» لمصلحة مفهوم «الوطنيّة»، الذي يحتوي في طيّاته وحدة الأرض والشعب السوريّين، والمساواة التامّة في المواطنة والحريّة والكرامة، والابتعاد عن الادّعاء «بتمثيل» الشعب السوريّ، أو حتّى «أغلبيّته»، بل ممارسة أخلاقيّات ثورة قيم تجاه إجرام السلطة الاستبداديّة ومن خلال الانفتاح على كلّ هموم وحساسيات الوطن، لأنّ انتصار «الثورة» يعني بالتحديد تبنّي هذه الهموم واحتواء هذه الحساسيّات ضمن منطقٍ وطنيّ جامع.</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>من المرفوض وطنيّاً وأخلاقياً أن تنتصر سلطة استبداد لم تتوانَ عن قتل شعبها، ومن المرفوض أن تبقى سوريا مرتعاً لفوضى وبؤرة لإنتاج الإرهاب كما هي اليوم. كما من العبث أن تنتهي «ثورة» بحكمٍ يأتي في ظلّ طائرات ودبّابات أجنبيّة.</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>ولن تأتي كرامة الشعب والوطن وحريّاته من دون تعبٍ ومشقّة.</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"> </p>
<p dir="RTL" style="text-align: justify;"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>سمير العيطة: السفير</strong></span></sup></span></p>