العدالة الانتقالية في ظل سلطة قضائية مثلومة وقوانين نظام مستبد...!
<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>بقلم: فخري كريم</strong><strong>...</strong></span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">كتب معلقاً حول «المصالحة على طريقة حوار الطرشان»: كان من المهم الكتابة عن «العدالة الانتقالية» التي لا يمكن دون إرساء أسسها القانونية تحقيق المصالحة الوطنية، أو الشروع بإجرائها، فالمصالحة بما هي عقدٌ بين طرفين؛ أو أكثر تتطلب قوانين تستند إليها وتحميها، وإلا فإنها تظل مجرد محاولات لا تحكمها ضوابط، أو ستجري في إطار أعرافٍ عشائرية؛ أو ما يشببهها من أحكام قد تكون هي من أسباب الخصومة.</span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">وما جرى في العراق على مدى بضعة عقود، لم يكن خصومة عشائرية أو طائفية، كما أنه لم يجرِ بين أحزابٍ وقوى، مع أنه تناول العلاقة في ما بين بعضها والبعض الآخر، كأجزاء حيوية من المجتمع العراقي، بل أن ما جرى قد تشكّل في بنية الدولة والنظام السياسي المهيمن والسلطة المعبّرة عنهما، وخلق بيئة للخصومة في المجتمع وأدوات لإثارة الانقسام؛ والتنافر؛ والخصومة داخل مكوناتها، وأصبح هو وما يمثله، أو تتمثل فيه من أفراد وجماعات، طرفاً في قمع كل من لم يكن منضوياً أو متوافقاً مع ما يجسده من استبدادٍ وثأرٍ وتصفياتٍ اتصفت في جوانب منها بطابع جرائم ضد الإنسانية .</span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">وكان من شأن هذه الآثار أن تنتقل إلى ما بعد انهيار الدولة؛ والنظام؛ والسلطة السياسية التي خلقت بيئة الخصومة، وكانت الطرف المباشر في إثارتها وتكريسها بقوانين؛ وأطرٍ سياسية وأجهزة قمعٍ وتصفيات. وبطبيعة الحال فإن النتائج التي ترتبت على ذلك، من ارتكاباتٍ واحتقانٍ وعداواتٍ ونزوعٍ نحو الثأر، كان لها أن تتخذ مواجهة ضد جماعات وأفرادٍ ومكون بعينه، بعد أن انهارت "الدولة والنظام والسلطة" وهي طرف الخصومة المباشرة مع الشعب ولم تعد قائمة والإشكالية التي تبرز في مثل هذه الحالة ، تنعكس في البحث عن الخصم في فضاءٍ اجتماعي لا يتسع له قفص الاتهام، وتصبح الشبهة بافتراض الولاء؛ أو الانحياز؛ أو المشاركة المباشرة بالجريمة "إدانة" لا تأخذ بالمعيار القانوني "المتهم برئٌ حتى تثبت إدانته"، مما يهدد باستهداف جماعي، وما يترتب على ذلك من عزلٍ وإقصاء وتجريد من الحقوق .</span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">حدث مثل هذا الإشكال في عراق ما بعد ٢٠٠٣ ، فالإرث الذي خلفته الدكتاتورية طبع المجتمع العراقي وترك فيه ندوباً وشروخاً ومظالم، أدت إلى انبعاث استعدادٍ غير مسبوق للقصاص. ولم يكن النظام الجديد قد تشكّل، والفوضى السياسية والأمنية والاجتماعية كانت تضرب أطنابها في كل اتجاه دون رادع، وإدارة الاحتلال الضامنة للعهد الجديد، وصاحبة الحق المطلق في إدارة شؤونه كانت تتخبط، فتعيد بناء الدولة الجديدة على فضلات النظام السابق وبأدواته وقوانينه، وفقاً لما تراه يستجيب لمصالحها ويحقق أهدافها المباشرة، دون النظر لما ستؤدي إليه مستقبلاً من تشوهاتٍ وعواقب سياسية واجتماعية وأخلاقية .</span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">وفي تلك اللحظة الفارقة كانت الضرورة تستلزم الشروع بوضع الأسس اللازمة للعدالة الانتقالية، من قوانين ضامنة وأطرٍ سياسية باعتماد رصيد التجربة التاريخية التي تحققت في أنظمة شبيهة، في جنوب أفريقيا وبلدان المنظومة الاشتراكية، وغيرها من الدول والشعوب التي تعرضت إلى انقسامات حادة وعميقة نتيجة تسلط أنظمة الاستبداد وفي مقدمتها "الأبارثيد"، وهي تجربة غنية استطاعت أن ترسي أسس مصالحة وطنية "مجتمعية " وتصفي آثار الكراهية والثأر والإقصاء والاستئثار السياسي .</span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">إن ابرز خطيئة ارتكبتها إدارة بريمر المحتلة، والحكومات المتعاقبة على السلطة السياسية في العراق، لا تنحصر في عدم توقفها أمام إرساء أسس عدالة "قانونية وسياسية" انتقالية لمعالجة الآثار الإجرامية والتشوهات التي خلفها النظام الاستبدادي، لتنطلق منها مصالحة وطنية "مجتمعية" شاملة ، بل أن القوات الأميركية لوّحت منذ بدء عملياتها الحربية في العراق، بكوتشينة ورق تحمل صور وأسماء قادة النظام السابق باعتبارهم وحدهم المطلوبون للعدالة عن جرائم النظام كله. وبهذه الخطيئة كانت إدارة الاحتلال قد أعفت مئات المجرمين الذين تولوا التعذيب؛ والقهر؛ والقتل بأبشع الأساليب في أقبية الأجهزة الأمنية والمخابراتية وفي صفوف المنظمات السرية التابعة لصدام وولديه وأصهاره، وجعلت الضحايا يتلفتون حولهم بحثاً عن القصاص الذي كانوا ينتظرونه وإذا به فقاعة تبددت مع كوتشينة قوات الاحتلال. ليس ذلك فحسب، وإنما عمد بريمر وإدارته إلى إعادة توظيف المئات من هؤلاء واعتمدتهم لإعادة بناء مؤسسات العراق الجديد، بما في ذلك الأجهزة الأمنية والشرطة المحلية، كما صنوف القوات المسلحة، ومذّاك صار المواطنون يتعثرون بمعذبيهم في دوائر الأمن والمخابرات، أو عيون الأجهزة القمعية في الوزارات والدوائر الحكومي،ة وقد لبسوا زي التقوى والإيمان الكاذب و" التحوا" وأصبحوا أسيادا في الدولة الجديدة، على أيديهم وبشهادتهم تجري المصادقة على معاملات ضحاياهم ، ويعادون أو تمنع عنهم العودة إلى الوظائف واحتساب الخدمة والحقوق...؟</span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">وهنا أنهار الركن الآخر مما كان يُراد له أن يرسي أسس "العدالة الانتقالية"... واليوم إذ تصبح العدالة الانتقالية مجرد استذكار ضاعت فرصته، يظل الناس في حالة تطلعٌ نافد الصبر، للبدء بإصلاح القضاء وإرساء أسس عدالة اجتماعية ومساواة أمام القانون، عبر سلسلة من القوانين البديلة وإلغاء القوانين والقرارات؛ والتدابير التي شرعها النظام الاستبدادي، لعل فيها ما يحقق ما فات من أسس للعدالة الانتقالية، لانجاز مصالحة وطنية شاملة تعيد الاعتبار للمواطنة الحرة وتولى ترميم ما تخّرب من النسيج الاجتماعي الوطني.</span></sup></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align:justify"> </p>
<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>نقلا عن صفحة الكاتب</strong></span></sup></span></p>