بصمة قدم في وجه العالم
<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>إبراهيم نمر (قاسيون) - </strong></span></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align:justify"> </p>
<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px">تشهد سوريا موجات هجرة، ونزوح لم يشهد مثيل لها منذ الحرب العالمية الثانية، هذا البلد الذي حكمه طغمة عسكرية مافياوية عائلية، والحكم الوراثي الذي شهد أكثر من حرب داخلية، وانتفاضات شعبية قمعت بالحديد والنار، إنها التغريبة السورية في القرن الواحد والعشرون، ليست ترفا؛ وﻻ سياحة دولية قارية بين مغارب اﻷرض؛ ومشارقها، بسبب جور ذوي القربى، ومعاملتهم السيئة للنازح السوري، فدول الجوار تلك استقبلت الملايين أيضا في (تركيا، لبنان، اﻷردن، وإقليم كوردستان). </span></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px">إن الهجرة الجماعية السورية اليوم، هي تعبير عن سخط واحتقان لعشرات السنين من المظلومية؛ والصمت؛ والعيش بذل وهوان، لم يعد باستطاعة هذا المهاجر أن يقف في طوابير الخبز، والغاز؛ والمازوت؛ والحرمان من أبسط الحقوق والعيش الكريم.</span></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"> لقد دنست الكرامات باﻷرض في سبيل رغيف الخبز، فالنساء السوريات تلك اﻷمهات البطلات، كن يتوسلن جزمة العسكري على الحواجز للحصول على رغيف خبزهم، وحليب أطفالهم لم يعد منطقيا أن يلام ذاك السوري الذي كفر بماضيه من اﻷغاني، واﻷناشيد الوطنية التي حفظها بالقوة، وكان يردد تحيات الصباح في تمجيد القائد وأوﻻده وورثته، وترديد نشيد الطلائع؛ والشباب؛ والبعث؛ وحماة الديار، وختمها بالصفقة الطلائعية، هذا النازح المهاجر فضل ركوب قوارب الموت؛ واقتحام اﻷسوار، واﻷسلاك الشائكة قاطعا حدود الدول برفقة مافيات الموت، غير آبه بشيء إنها «متلازمة الموت والحياة» التي يحملها السوري بين جنباته أملاً بالخلاص، والقطيعة مع ماضيه المذلّ الذي فرض عليه بقوة السلاح، ليس مستغربا أن يرمي السوري نفسه تحت سكة القطار عند أسوار أوربا؛ أو أن يموت برداً وغرقاً؛ أو جواً... لقد اختار مصيره الجديد، مهما كانت نتائج هذا النزوح، ليس لحظة غضب عابرة، إنه الخيار النهائي في القطيعة لكل تلك القصص المرعبة في ذاكرة السوري، لسان حاله يقول: «بوركت لكم أناشيدكم؛ ومقدساتكم؛ وجيوشكم؛ وفصائلكم؛ ولأنكم لم، ولن تشبعوا من دمائنا، سنرحل بعيداً عنكم هذه الرسالة لكل منطقة وبقعة محتلة- ومحررة- ولكل من يريد البقاء ﻻ تلومونا أخوتنا في التراب، نحن اخترنا أرض الكفار- كما يحلو لكم قولها لنا- موطنا، بحثاً عن أمل وسلام.</span></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px">إنها التغريبة السورية، التي بدأت، ولن تنتهي إﻻ بخلع جذور تلك الدولة البوليسية الفاشلة، التي قتلت البشر والحجر، تلك الدولة ونظامها القمعي الذي أمعن في قتل النساء والأطفال، قبل الرجال هذا القتل الممنهج الذي يحتاج لمراكز أبحاث ودراسات، لكشف نفسية وعقلية مرتكبيها الساديون، في سوريا اغتصبوا الشعب السوري كله برجاله؛ ونسائه؛ وأطفاله... خنساء درعا التي فقدت أبنائها الخمسة وزوجها، أخبرت العالم أجمع ما كان يحصل في السجون والمعتقلات، وماذا فعلوا بنساء وبنات سوريا؟ وكيف كانوا يرمون جثث الشهداء يومياً في الممرات والزنازين لترحل بعد ذلك إلى صناديق الموت، والاغتصاب بدافع الإهانة؟ وأطفال ولدوا في الزنازين، إنها سوريا المغتصبة من القتلة المأجورين، العالم كله شاهد الطفل حمزة الخطيب، وثامر الزعبي، وحنجرة القاشوش، منشد الثورة السورية، وذاك الطفل السوري الذي أقسم أن يخبر الله بكل ما جرى... وأطفال الحولة وشهداء الغوطتين بالكيماوي من أطفال سوريا، وهم نيام، لم يسمع صرخات الطفلة التي فقدت كل أفراد أسرتها ببرميل غادر؛ وطيار مجرم، الطفلة التي توسلت للطبيب أن ﻻ يقطع ويشق بنطالها الجديد، بينما هو كان يقوم بعلاج حروقها، وساقها المكسورة، كان تبكي وتصرخ «عمو ﻻ تقطع بنطولوني» القلوب التي اعتصرت من هول القتل والتدمير، منهم من مات بصمت، ومنهم ما يزال يصرخ ألماً، وﻻ أدري من أين استمد ذاك الصبي كل هذه العزيمة واﻷمل، وهو يجيب أحد الصحفيين أن الله أعطاني يدين وقدمين، وأخذ يداً وقدماً، وترك لي الباقي، وكذلك أعطاني عينان...؟ أخذ واحدة، وترك لي الأخرى، كي أرى فيها النصر... أيّ حكيم أنت يا صغيري؟ أي أمل هذا وسط كل هذا الخراب والدمار والقتل.</span></span></p>
<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px">أما أنت يا «آيلان» فقد شاء القدر أن تنضم ﻷخوتك من الشهداء، في حضرة شقيقك «غالب» ووالدتك «ريحانة» لكنك في موتك لقنتهم درساً لن ينسوه، لقد درت لهم ظهرك، ونمت نومتك اﻷبدية على ذاك الشاطئ، كي تبقى شاهداً على جرائمهم جميعاً، لقد وجهت لهم سفل قدماك الصغيرتان، وبهذه البصمة ودعت عالمهم القاتل، وستبقى صورتك تدك الرعب في مضاجعهم وستلاحقهم في مناماتهم؛ وسيبقى والدك «عبدالله» يسقي قبرك بالدمع حيناً، والزهور أحياناً أخرى...</span></span></p>