وكالة قاسيون للأنباء
  • الأحد, 17 نوفمبر - 2024
austin_tice

إلى باسل خرطبيل في اعتقاله المجهول

إلى باسل خرطبيل في اعتقاله المجهول
<p dir="RTL"><strong>بقلم: شيار خليل...</strong></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify">&nbsp;</p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">&laquo;الذاكرة لعنة الإنسان المشتهاة ولعبته الخطرة، إذ بمقدار ما تتيح له سفراً نحو الحرية فإنها تصبح سجنه، وفي هذا السفر الدائم يعيد تشكيل العالم والرغبات والأوهام&raquo;.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">لم نكن نفكر يوماً أن عبارة &laquo;عبدالرحمن منيف&raquo; ستكون لها صدى فكريّ ومعنويّ على حياتنا، خلال مكوثنا هناك في ذلك الظلام القابع تحت سقف المعتقل، كنا نورد لبعضنا الكثير من الحب والدفء لنبقى- نبقى نتذكر- قيّمنا؛ ومواقفنا؛ وإنسانيتنا المشتركة، في ذلك البعد الجغرافي بكليته &laquo;باسل خرطبيل&raquo; أنت، وكنت؛ من تمدنا بالكثير من البقاء- البقاء الروحي- الذي صنعناه داخل أسوار المعتقل، حيث المصطلحات الدارجة في فلك لا ننتمي إليه، وعفنٌ فكريٌّ ورده لنا النظام المقيت، عبر ممارساته الهشة داخل أسوار المعتقل؛ وخارجه...</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">هناك صديقي في المعتقل الذي تشاركنا فيه أحلامنا، كنا معاً نحيك المستقبل بكلمات من الحبر والورق، وبعضاً من الألوان التي نسجناها بالدم حفاظاً على بقاءنا، في ذلك المكان المهجور من القلوب، كنا نتحدث عن المرأة وحريتها ببعضٍ من الذكريات في حياتنا وعلاقاتنا العاطفية، كانت &quot;نورا&quot; زوجتك حاضرة في كل تلك الترانيم الجميلة، تمدك بالكثير من الدفء، الدفء الذي تركته في خاتم زواجك، الذي تركته عند أصدقاءٍ يجمعنا، عند اقتيادك إلى مكانٍ مجهول الهوية والروح، في هذا المقام؛ وبغيابك سأعيد جملتنا الوحيدة عن المرأة؛ والتي تقول على لسان &laquo;منيف&raquo;: &laquo;إذا رأيت رجلا ليس في قلبه امرأة، فتأكّد أن ما تراه ليس رجلاً، إنه جثّة تريد قبراً&raquo;، هذه الجملة التي كنا نحللها أنا- وأنت- وبعضاً من الأرواح التي كانت ترافقنا، ننسج منها عالماً خاصاً يمدنا بالقوة والنشوة.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">...&laquo;إن السجن ليس فقط الجدران الأربع، وليس الجلاد أو التعذيب، إنه بالدرجة الأولى خوف الإنسان ورعبه، حتى قبل أن يدخل السجن، وهذا بالضبط ما يريده الجلادون؛ وما يجعل الإنسان سجيناً دائماً&raquo; هي الجملة التي كنا نُحيك منها عالماً آخر، نطفئه ببقائنا الروحي داخل المعتقل، فالسجن لم يكن يوماً مكاناً آمناً لأمثالنا، في كل مرة كنا نخاف من هذا المصير الذي أنت فيه الآن... أتذكر دائماً لحظة اقتيادي لإحدى الأفرع من سجن عدرا، وقتها أيقظتك من النوم وقلت لك: &laquo;إننا أحياء ننمو؛ ونكبر بقدر بقائنا، وأنا الآن ذاهبٌ إلى مصيرٍ مجهول لا أعرفه، كنّ- كما كنا- وكما كنا نحيك أحلامنا بأمل، وتذكر أنه يوماً كان لك نديماً اسمه &laquo;شيار&raquo; يمدك وتمده بكل ذلك الفكر بتداعي أفكارنا التي زرعناها في أرواحنا، ورحلتْ.</span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px">&nbsp;وقتها صديقي كانت روحك حاضرة تمدني بالكثير من الأمل، وأنا معلقٌ على عامود سيء الصيت &laquo;الشبح&raquo; ذاك، الآن صديقي، وأنت غائب في تلك المستنقعات العفنة بطهارتك، أرسل لك روحي متيقناً أنك أقوى من تلك الظروف كلها، هنا في وحدتنا ترافقك أرواحنا- وروح زوجتك- التي تمدنا بالقوة؛ وتمدك كل مرة بالأمل الذي محكومون به، أبحث في ذاكرتك جيداً صديقي، وأتمعن جيداً في تلك الذاكرة التي حفرناها معاً، أن السجون والمعتقلات لا تولد إلا فكراً نيّراً، يبقى شاهداً على مستقبلٍ- وماضٍ- كنا نصنعه من انتماءنا لهذه الأرض اليتيمة.</span></sup></span></p>