وكالة قاسيون للأنباء
  • الأربعاء, 15 يناير - 2025

جهاز كشف المتفجرات يبتسم ساخراً في شوارعنا...!

بقلم فخري كريم

 

وأخيراً، نفض القضاء الغبار عن أحد أكثر ملفات الفساد إثارة للحزن والسخرية، ملف جهاز السونار «كاشف المتفجرات» الساخر من عقولنا، بالحكم على مدانٍ من قيادات وزارة الداخلية «أيام زمان»، حيث أصبح الفساد وجهة نظر وثقافة تتسيد، وتغدو مركز قرارٍ نافذ في الأمانة العامة لمجلس الوزراء والدولة المتصدعة، في ظل قيادتها الرشيدة الواعدة بتحويل العراق إلى "دولة عظمى"، لولا «شغب بعض الحلفاء».!

وليس علينا أن نعاتب القضاء، أو نتذمر من بطء تصديه للفساد الذي لم يعد منذ أن أصبح جزءاً من نسيج الدولة؛ والسلطة الحاكمة؛ وخاتماً يتزين به من له حظوة فيهما، يمرر صفقاته بيسر دون رادعٍ؛ أو رقيبٍ أمين.

وليس لنا إلا أن نستبشر بالحكم، كما نهلل لكل حكمٍ على فاسد ناهبٍ، أو لصٍ كبير؛ أو مُتَعدٍ على حريات المواطنين، ومنتهكٍ لكراماتهم. لكن من حقنا أن نتساءل بمرارة: كيف لنا أن نفرح أو أن نهلل لإدانة متسببٍ واحدٍ بإمرار صفقة السونار، دون غيره، بعد مرور سبعة أعوام على وضع الوجبة الأولى منه قيد العمل ، وبعد خمسة أعوام على انتشار فضيحة صفقتها في المحاكم البريطانية، والحكم على مصدّرها إلينا بخمس عشرة سنة سجن، وتغريمه مبالغ طائلة بتهمة الغش والإساءة إلى سمعة بريطانيا عن تصديره سلعة مغشوشة.!

كيف لنا أن نهلل للقضاء وقراره ، ومستورد الصفقة حرٌ طليق ، يتمتع بامتياز التعامل الميسور مع أغلب الوزارات العراقية التي يقال إن له عيوناً وأذانا فيها، "وأيادٍ بيضاء" تحمل عنه ملفات الصفقات وتمررها، وهي تتسلل بلا أي عقباتٍ، أو اعتراضات، جانياً ملايين متتالية من الدولارات تحصدها شركاته التي لا تُعَد، ولا تحصى "مسجلة بأسماء أخوته وأقاربه في بلدانٍ لا تطالها عين الرقيب كما يتوهم، تتخصص في كل فرع ومورد، يجري التفاهم عليها مع مقررين في الدوائر الغنية بالموارد.!

لا عليه ، فهو رجلٌ متدينٌ ، كما ينقلُ عنه ، تاجرٌ يلتزم القواعد السائدة في دولة لا راعي لها ، بعد أن تصدعت أركانها وباتت "لا دولة " ينخر في جنباتها عث الفساد والرشا المغرية، ما دام الإصلاح الذي أطلق حزمتين منها السيد حيدر العبادي طاولت نواب الرئيس ورئيس مجلس الوزراء ، ونالت من الوزارات المتضخمة بالترشيق، لم يتوقف عند الطرف الحامل لهذا العث المعدي، ونشرها وباء أينما حل، مستمراً في نهبه وإفساده، دون رادعٍ أو واعزٍ، بالتحالف مع رجالات دولة وقيادات متنفذة فيها .

إن آلاف الشركات ومن تحولوا إلى رجال أعمال بالصفقات الفاسدة، والرشا، صار لها بضعة رموز ممن تراكمت أموال سرقاتهم ونهبهم عبر الصفقات المشبوهة، يستحوذون على مليارات الدولارات، من تعاملاتهم غير النظيفة مع الدولة ، وغسيل الأموال وتهريبها والدخول المُغَفَّل إلى مزادات البنك المركزي، والاستحواذ على البنوك الأهلية والتلاعب بأرصدة المودعين، والتسلل إلى كل الشركات والقطاعات والسيطرة عليها .

ومن بحثٍ بالعين المجردة ، يمكن اكتشاف فضيحة، تتحول فيها فضيحة "كوبونات النفط" التي نشرتها "المدى" متفاخرة أنها ستكون نهاية أحزان العراقيين على صعيد نهب ثرواتهم، إلى مجرد غواية اللحظة الخادعة بتجاوز الاستبداد؛ والانتقال إلى الحرية؛ والنظام الديمقراطي المزدهر...!

ليس هذا فحسب، بل أن الفضيحة تسلط الضوء على فضيحة أكثر إثارة للأحزان والمرارة، فقد عاد بارونات كوبونات النفط، إلى البلاد هذه المرة، دون تسلل، بل متصاهرين مع عتاوي الحكم والأبناء والأنسباء وذوى القربى ، تُفتح لهم الصالات الفاخرة وتنتظرهم السيارات المدرعة ، مع المرافقين من ذوى النجوم الخمسة...!

وفي غفلة من القانون والقضاء أو السلطة التشريعية والتنفيذية، بل وبرعاية من بعضها، استطاع البعض منهم حتى الحصول على جنسية عراقية إلى جانب عدة جنسياتٍ أخرى...!

والسؤال المُمِض، أي إصلاح وتغييرٍ يستقيم، دون مطاولة هذه الديدان الحاملة لداء العث السرطاني؟.

والغريب أن المتظاهرين انشغلوا برفع شعارات الإدانة "لحرامية الدولة "ناسين شركاءهم الذين يصولون ويجولون في مرافق الدولة ويعيثون فساداً في أركانها ويشيعون قيمها ثقافة عابرة للأديان والطوائف ، مع أن رموزهم باتت معروفة في الشارع والشركاء من الأبناء والأقارب والقادة يسخرون من سذاجتنا ونحن نهتف في المظاهرات "باگونا الحرامية "..!

علينا أن نرد سخريتهم بالمطالبة ، بإشهار علني لأسماء الشركات ورجال الأعمال المتعاملين مع وزارات التجارة؛ والصناعة؛ والموارد المائية؛ وكل الوزارات المعنية بالصفقات المليارية، ونشر صفقاتهم على مواقع الوزارات، والمؤسسات المتعاملة، ومطالبة جهاز تسجيل الشركات بإشهار الشركات المسجلة وأصحابها على موقعه الالكتروني، وإحداث موقع عاجلٍ لها إن لم يكن لها موقع..!

أما إحدى اخطر بؤر الصفقات المشبوهة، فعنوانها أمانة بغداد التي حكم على أمينها الأسبق بالسجن عاماً واحداً بتهمة "تضيع" في خرائب الصفقات التي أُبرمت على مدى سنوات توالى على مقاليد إمبراطوريتها، أمناء ذاع صيتهم في الآفاق...

لا بأس من عودة الوعي للقضاء، لكن المطلوب نفض الغبار عن ملفاتٍ باتت معروفة، ومسجلة ضد مجهول...

 

من صفحة الكاتب