وكالة قاسيون للأنباء
  • الخميس, 28 مارس - 2024

عشق و موت *

عشق و موت *

قاسيون ـ إيمان مسلماني 

حينَ طُلِب مني الكتابة عن روايتي وقعتُ في حيرةٍ من أمري، إذ أصعبُ شيءٍ على المرءِ أن يعرّف نفسه، أو يحكي عن أطفاله، ليسَ لأنّ شهادته مجروحة فقط، لكن لأنّه لا يستطيع رؤية الصورة الإجمالية عن نفسه أثناء غرقهِ الدائم بالتفاصيل معها.

أن تبدأ بكتابةِ كتابٍ هي تجربة صعبة تُشبهُ الدخولَ في حالةِ اكتئابٍ بكلّ ما فيها من مشاعرٍ متناقضة، الألم، الحزن، الانكسار، البهجة المفاجئة، والسعادة دون سبب.

 هكذا أمضيتُ فترة كتابة روايتي الأولى "لاموغ، عشق وموت"

كلّ الكتب هي حالات تُشبه عسر الولادة لِكُتّابها، والكتابة عملٌ جراحي تقوم خلاله بإعادةِ انتاجِ شريط الذكريات بكلّ ما فيها من صراعٍ رهيبٍ ومرهق. وكما أنّ تعلُم السّباحة لا يكون دون بلل، فالكتابةُ لا يُمكن أن تحدث ما لم تواجه جميع مخاوفك وتستسلم لفكرةِ الغرق.

كُنتُ غارقةً خلالَ فترةِ كتابةِ الرواية بأشدِّ حالاتي كآبةً وتنقلاً وعدم استقرار، لعلّ الترحال الذي أوصلني من حلب إلى فرنسا، مروراً بتركيا وكلّ المحطات الجغرافية والعاطفية، ساعدَ بشكلٍ أو بآخر على إنجازها.

فأول ما تفعلهُ حين تجلس إلى نافذةٍ داخل قطار مثلاً، أن تفكّر أو تكتب.

يُعاني الكاتبُ في كلّ جزءٍ من أجزاءِ كتابة الرواية، ويتفاعلُ مع أبطالهِ ويتحدثُ باسمِ الشّر والخير، وتلكَ مُعاناةٌ إضافية، إذ تخيّل أن تتحدث بمنطقٍ تكرهه!

لذلك يدخلُ الكاتبُ في حربِ استنزافٍ دائمة، تجعلهُ متردداً في الإكمال، أو في النشر. وقد مررتُ بذلك التردد أو التراجع مرّات كثيرة، خاصةً حين اكتملت الرواية، أو أوشكت على الانتهاء.

رُبّما لم أُخلق لأكونَ كاتبة، لكنّي أحبّ الكتابة وأجدها تشفيني من نزلاتِ الحزنِ والحنينِ المفاجئة، والأحداث القاسية الاستثنائية، لاسيّما أنّني آتية من بلدٍ كلّ ما يحدثُ فيه استثنائي خلال السنواتِ العشرِ الماضية.

لا أذكرُ الآن كيفَ كتبتُ الرواية، وأنظر للمصاعبِ والصراعاتِ التي مررتُ بها أثناء كتابتها بحبّ.

أعتقدُ أنّي أنجزتها واهتممتُ بِها كما يجب، مثلما تفعلُ أيّ أمّ مع مولودها. الانتهاء منها خلقٌ في كلّ الرضا من الإبداع، فها هُنا كانت القصة التي جلبتها إلى العالمْ، قصةٌ صغيرةٌ ومع ذلك لم تكن لتكونَ موجودةً لو لم أُشرع في كتابتها.

لا يُهمني النجاح الكبير أو الخجول، ولا أُريد لكتابي أن يكونَ الأكثر مبيعاً أو الأقل، أرغبُ فقط حين ينتهي الناس من قراءة سطوري أن يحملوا معهم الأمل، لأنّ الحياة تستحق أن تعاش، ونحنُ بحاجةٍ إلى زادٍ دائم متجدد من الفرح والحب والأمل، ولو بكلمة.