في اليوم العالمي للمرأة المرأة السورية .. سواعدهن لم تثنيها المحن
فجر يوم الاثنين الواقع في السادس من شباط لعام 2023 أصبح يوما للتأريخ لدى الكثيرين من سكان الشمال السوري، إذ باتوا لهول الحادثة ينسبون العديد من أحداث حياتهم اليومية إلى ما قبل هذا التاريخ أو ما بعده . فلم يكن ما حصل فيه حدثا عاديا. إنه زلزال مدمر , يصنف ضمن أكبر وأكثر الزلازل دمارا في العصر الحديث. فقد فاضت على إثره أرواح شتى إلى بارئها , وأخرى أبصرت النور في هذا اليوم . بدءا من الطفلة عفراء التي ولدت تحت الركام , وما تبعها من ولادات . وإن المأساة الأكبر تكمن لدى الأسر التي فقدت بعض أفرادها بل وكلهم لدى البعض الآخر .وتهدمت بيوتهم بشكل كامل أو جزئي , أو تصدعت جدرانها وأصبحت آهلة للسقوط . لقد مزقت تلك الصدوع وهدَمت قلوب أصحابها قبل جدرانهم . وكان ضعف الإمكانيات والآليات المتوفرة حينها هو ما زاد حجم المعاناة والألم . إنها كارثة لم تألفها أرضنا المباركة . أسرع لأجلها أصحاب الخوذ البيضاء , وكانت نساؤنا السوريات المتطوعات ضمن كوادر الدفاع المدني أولى من سارع من العنصر النسائي لتلبية الواجب المهني والإنساني . فمنذ الساعات الأولى كن في مواقع الحدث , لم يثني ذراعهن هول الكارثة , بحثا عن أرواحا يمكن إنقاذها . لتنطلق أيضا سواعد رديفاتهن في مراكز الحماية في كافة المنظمات الإنسانية ممن يحملن في صدورهن معنى الإنسانية بكل ما فيها , و ترجمنه قولا وعملا على أرض الواقع . إذ توجهن للمساعدة في إنشاء مراكز الإيواء , واحتضان المتضررين من هذه الكارثة وتقديم الإسعاف النفسي الأولي لهم , وتأمين الاحتياجات الأساسية من حيث المأوى والطعام والماء واللباس . فضلا عن ربط وإحالة المحتاجين منهم لخدمات طبية تخصصية كل حسب احتياجه . لم يحل الظلام بينهن وبين المحتاجين لتلك الخدمات . فعملن طيلة ساعات النهار ووصلنها ببعض ساعات الليل خلال الأيام الأولى التالية لتلك الكارثة المفجعة .
لم تكن تلك الهمم العالية لنسائنا جديدة العهد إنها عزيمة متأصلة منذ زمن الصحابية الجليلة نسيبة المازنية .
ولا أحد ينكر جلَ جميع الجهود المحلية الجبارة التي بذلها الأشخاص الذين وطأت أقدامهم أرض الحدث منذ وقوعه , فشاهدوا الأجساد الطاهرة عالقة تحت الركام وسمعوا أنين آلامها . ورأوا الثكالى اللواتي فجعن بفلذات أكبادهن , والرجال الذين بكت عيونهم دما لا دموعا على أطفالهم , ورافقوا خطوات التائهين حول الركام الذين يبحثون هنا وهناك عن ذويهم عسى ألا يواروهم الثرى . في هذا المشهد المؤلم لم تكن النتائج المرجوة حسب المستوى المفروض لمواجهة تلك الكارثة . و كان في مقدمة أسباب ذلك عدم توفر المعدات والتقنيات اللازمة . مما جعل هؤلاء الناجيين بل وكل من عايش هذا الحدث المؤلم أن يشعروا بالعار اتجاه تلك الخدمات والتدخلات والمساعدات الدولية الخجولة التي لم تتناسب البتة مع هول الحدث . مما يلزم على جميع القطاعات الإنسانية على مستوى العالم تعزيز التنسيق وتضافر الجهود لتلبية النداء والواجب الإنساني اللازم لردء الأخطار الناجمة عن تلك الكوارث , والاستجابة الفاعلة العاجلة لها بعيدا عن كل الأهداف والغايات المسيسة .
فعلى الإنسانية أن تتجرد من كل ما لا يليق بها ليتم فتح كافة المعابر الإنسانية لتقديم ما يتناسب مع حجم الكارثة وبوقتها . فلا يغفل على أحد منا أهمية عامل الوقت في مواجهة ومعالجة تلك الكوارث .
وإنه من الضرورة بمكان أن يتم تمكين العنصر النسائي بشكل أكبر فهو نصف المجتمع , ولايمكن تهميشه أو جعله عالة على النصف الآخر . بل يجب الاستفادة من الخبرات و الطاقات التي يمتلكنها سعيا لردف المجتمع بكل الموارد البشرية الممكنة لتحقيق النهضة و التقدم والرقي .
لقد تسببت تلك الكارثة التي ضربت شمالنا المحرر بتضرر نحو 212 ألف عائلة , تضم أكثر من 1.16 مليون شخص بينهم نحو 230 ألف نازح وذلك بحسب فريق ( منسقو استجابة سورية ) . وإننا على الرغم من تنفس الصعداء قليلا بعد تلك الكارثة إلا أنه مازلنا في أولى الخطوات لإعادة الإعمار والتوجه نحو التعافي . وبالطبع لا أقصد إعمار الحجر فحسب , إذ أن إعمار النفوس التي أصبحت هشة ضعيفة جراء تلك الصدمة لا يقل أهمية عن إعمار الأبنية وتشييد الصروح . وبالتالي لابد من استمرار إيصال الدعم وإدخال المساعدات الإنسانية من كافة القطاعات, والعمل على إنشاء خطة طوارئ دولية إسعافية للوصول بمجتمعنا المحلي لمرحلة التعافي بالفعل .
بقلم: خلود شيحة
عاملة إدارة حالة في المنتدى السوري.