المساعدات الإنسانية لسوريا بين الابتزاز الروسي وتجاوز مجلس الأمن
قاسيون_أنس الشهاب
سبعة عشرة مرّة استخدمت فيها روسيا حق النقض "الفيتو" بما يخصّ قضية الصراع في سوريا، حيث يشنّ النظام الأسدي حرباً ظالمة على الشعب السوري، ثلاث مراتٍ منها كانت بخصوص المساعدات الإنسانية للمحتاجين السوريين.
إن استخدام روسيا لحق النقض يأتي مناصرة ودفاعاً عن حليفها النظام الأسدي، الذي ارتكب بشكل مثبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، منذ أن ثار السوريون على نظامه الاستبدادي سلمياً في منتصف آذار / مارس من عام 2011.
لكن تبني مجلس الأمن في شهر تموز / يوليو الماضي عام 2022 للقرار رقم 2642، والذي بموجبه تمّ تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية الأممية عبر الحدود من تركيا إلى سوريا لمدة ستة أشهر، كان مجرد حلٍ مؤقت لهذه القضية الإنسانية، إذ لا يزال الفيتو الروسي سيفاً مشهراً على رقاب السوريين المحتاجين، وعلى جهود المجتمع الدولي بشأن منع وقوع مجاعة في سوريا، حيث يمارس الروس ابتزازاً سياسياً علنياً لتمرير قرارٍ يخصّ قضية إنسانية.
إن الروس الذين يستخدمون منصة مجلس الأمن الدولي في الابتزاز السياسي، إنما ينتهكون وظيفة ومهام عضوية الخمسة الدائمين في هذا المجلس، والتي تقوم على حفظ الأمن والسلام في العالم، وهو أمر يفعل الروس عكسه في دفاعهم المستميت عن نظام شبيه لنظامهم السياسي، حيث سيطرة نظام حكم الفرد المطلقة على الحياة بشتى مناحيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. الخ.
إن المجتمع الدولي الذي عجز بعد مرور أحد عشر عاماً على التوافق على حل سياسي للصراع في سوريا، إنما يساهم بقصدٍ ودراية، أو بغيرها، على تفاقم الوضع المعاشي للسوريين عموماً، حيث بلغت نسبة ممن هم تحت مستوى خط الفقر في سوريا أكثر من 85% من مجموع السكان الذين لا يزالون يعيشون في سوريا.
هذا العجز يحتاج من الدول المناصرة لتنفيذ القرار 2254 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بتاريخ الثامن عشر من شهر كانون الأول / ديسمبر عام 2015 إلى مراجعة ووقفة مسؤولة، فليس من الطبيعي والمنصف إنسانياً أن يؤخذ مجلس الأمن رهينة للفيتو الروسي في قضايا إنسانية واضحة كقضية المساعدات الأممية للسوريين المحتاجين.
روسيا تريد أن تشيرعن وجود النظام الأسدي، رغم ارتكابه للمجازر وانتهاكه للقوانين الدولية بشأن حقوق الانسان، وذلك من خلال إصرارها على وصول المساعدات الإنسانية عبر النظام الأسدي فحسب، وهذا يعني اعتبار هذا النظام هو الحكومة الشرعية في سوريا، مما يضع هذه المساعدات رهن ابتزاز النظام لشعبه وللمحتاجين السوريين لها.
إن تجاوز الفيتو الروسي ممكن من خلال خطوات ملموسة، تشتغل عليها مجموعة أصدقاء سوريا، هذه المجموعة التي تضم الولايات المتحدة وعدداً من الدول الأوربية مثل فرنسا وبريطانيا، وعدداً من الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والأردن، حيث يجب على هذه المجموعة اعتماد وسائل أكثر مرونة في تقديم المساعدات دون الحاجة إلى قرار جديد من مجلس الأمن، حيث تمارس روسيا ابتزازها للمجتمع الدولي لتمرير سياساتها الداعمة لنظام الأسد.
إن تعطيل حركة المساعدات الإنسانية لسوريا عبر آلياتها السابقة سيلعب دوراً في زيادة تدهور الوضع المعاشي والصحي لملايين السوريين المقيمين في شمالي البلاد، كما سيزيد من تدهور مؤشرات الأمن الغذائي والحياتي بما فيها توفير المياه النقية للشرب والطبية التي تساعد على استقرار الأوضاع الصحية في المناطق الخارجة عن سلطة النظام الأسدي.
إن الآليات المعتمدة منذ عام 2014 هي آليات تحفظ حق السوريين في المناطق الخاضعة لهيمنة النظام، وبالتالي لا يحق للروس الادعاء بأن حصة هذه المناطق لا تصلها، بينما الحقيقة هي أن روسيا تريد للنظام استخدام المساعدات الأممية في تحقيق أهدافٍ سياسية، تُفرض على قوى الثورة والمعارضة من خلال ابتزازها بهذه المساعدات، والتهديد بعدم تقديمها دون تقديم تنازلات سياسية له، تعمل على منحه شرعية فقدها منذ أن أطلق النار على المتظاهرين السلميين.
يمكن للمجموعة الدولية اعتماد منصة الجمعية العامة كسبيل لتمرير قرارات المساعدات دون الرضوخ لابتزاز الفيتو الروسي والصيني، كذلك يمكن للمجموعة الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية اعتماد أساليب بديلة عن اللجوء لمجلس الأمن، من خلال اعتماد بوابات العبور التركية مع المناطق المحررة، وتنشيط عمل الجمعيات الخيرية التركية بهذه المجال.
إن الركون للابتزاز الروسي لمجلس الأمن إنما يفاقم الأزمات السياسية والإنسانية في العالم، سيما وأن الروس في وضعهم الحالي يبحثون عن أي ورقة ابتزاز لحفظ ماء الوجه، بعد تورطهم المشين بحربٍ ضد الشعب الأوكراني، ولهذا فهم سيناورن بهذه الورقة لكسب نقاطٍ سياسية لمصلحتهم ومصلحة النظام الأسدي، وهذا ما يجب أن يمنعهم عنه المجتمع الدولي .
إن تسييس ملف المساعدات الإنسانية من قبل الروس وحلفهم يفرض البحث عن بدائل لمسار المساعدات عبر مجلس الأمن الدولي، وهذا يمكن الوصول إليه من خلال منظمات تعمل وفق مبدأ الحملات الطارئة.
إن تفويض مجلس الأمن للوكالات الأممية المعنية بتقديم المساعدات لم يشترط أساساً الحصول على أي موافقة من النظام الأسدي بهذا الشأن كما نصّ عليه قرار مجلس الأمن رقم 2165 لعام 2014، وما لحقه من تمديدات على قاعدة هذا القرار.
إن مواجهة الصلف الروسي بشأن تقديم المساعدات للسوريين عبر آلياتٍ لا تحوّل هذه المساعدات إلى ورقة ضغط وابتزاز سياسيين بيد النظام الأسدي، إنما تفتح الباب نحو إعادة إنتاج للموقف الدولي للدور الروسي في سوريا، وتصنيف هذا الدور على حقيقته، باعتباره موقفاً منحازاً لآلة القتل والدمار التي استخدمها نظام الأسد ضد الشعب السوري.
إن المجتمع الدولي معني بوضع خططه العملية الملموسة قبل تاريخ الثالث والعشرين من شهر كانون الثاني / يناير، وهو تاريخ جلسات مجلس الأمن بخصوص المساعدات الإنسانية لسوريا، وهذا يتطلب من هذا المجتمع عقد مؤتمر دولي خاص بسوريا ووضع شعبها المهدد بالمجاعات، دون أن يكون للروس أي سلطة على هذا المؤتمر أو قدرة على منع قراراته من التنفيذ.