وكالة قاسيون للأنباء
  • الخميس, 21 نوفمبر - 2024

تقديم المساعدات الإنسانية أحد ركائز الاستقرار في سورية

تقديم المساعدات الإنسانية  أحد ركائز الاستقرار في سورية

قاسيون_مازن باكير

تعتبر المساعدات الإنسانية المقدمة من الجهات المانحة الدولية والعربية أحد أهم الركائز في تقديم يد العون للضعفاء والمحتاجين المتضررين من الكوارث الطبيعية أو النزاعات والحروب، ففي حين تتمثل الحالة الطبيعية لأي مجتمع مستقر بحقوق الفرد فيه بحياة كريمة آمنة وهادئة يحصل فيها على كل ما يحتاجه من أساسيات الحياة مع سعيه وبذله الجهد للمساهمة ببناء مجتمعه، تعاني سورية على وجه التحديد من حالة مختلفة تماماً؛ إذ لا استقرار لدى الأسر فهي بحالة نزوح متكررة نتيجة الآثار الكارثية للقصف والدمار الذي تسبب به نظام الأسد، ناهيك عما يترتب على ذلك من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية تؤثر بشكل مباشر على المجتمع وأفراده دون استثناء.

 تتعدد أوجه هذا التأثير بدءاً من انهيار التعليم والبنى التحتية إلى الآثار النفسية والاقتصادية الناتجة عن عدم الاستقرار وندرة فرص العمل، الأمر الذي يجعل الوضع العام كارثياً يحتاج إلى دعم ومساندة كل الأطراف العربية والدولية، والعمل على إيجاد سبل لدعم وتطوير المشاريع التنموية التي تساهم في تحقيق نوع من الاستقرار للفرد والمجتمع وترميم ما تم تدميره، إضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية بأشكالها كافة من السلل الغذائية والماء والخبز إلى الجانب الصحي والطبي بطريقة تضمن كرامة الإنسان وتحقق له الاكتفاء الذاتي، وتقلل من أنين السوريين تحت وطأة الوجع والحرمان والفقد والتعب.

إن ارتباط المساعدات بالحالة الإنسانية تحت مسمى "المساعدات الإنسانية" يحتم على كافة الجهات إبعاد تلك المساعدات عن أي استغلال أو ضغط أو توجه سياسي، فهي مخصصة للأسر الفقيرة المحتاجة التي لا تمتلك من احتياجها شيئاً وتعاني مر الحياة وصعوبة تأمين ما يلزمها، ومع هذا كله نجد دولاً تسعى إلى إيقاف إدخال المساعدات الإنسانية كل فترة، وتعمل على استغلال حاجة هذا الشعب لكسر عزيمته أكثر، إن استخدام المساعدات كوسيلة للضغط من أجل تحقيق مكاسب سياسية وغيرها من بعض الدول إنما هو عار بحق البشرية وهو أمر يصل إلى حد الإجرام بحق شعب أعزل فقير يحتاج أدنى مقومات الحياة.

لذا لا بد من إلغاء قرار التصويت على موضوع إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحررة طالما أن هدفها الإنسان، فهي تمثل شريان الحياة للمناطق المحررة التي تحصل على الغذاء والماء والصحة عن طريقها، ورغم تأثيرها الإيجابي على المجتمع لا تزال بحاجة لتعزيز أكثر، بينما يترتب على إلغائها الكثير من النتائج السلبية التي ستنعكس على تلك المناطق وكذلك دول الجوار وأوروبا بشكل خاص، حيث ستزداد موجات الهجرة والنزوح بشكل كبير على الرغم من كل الصعوبات والمعوقات التي قد تصادف تلك الهجرة، لكنها لا تمثل ذرة صغيرة من معاناة رب أسرة غير قادر على تأمين احتياج أطفاله، الأمر الذي سيجعل محاولات الهجرة أكثر من أن تقف عند حد معين أو اتفاقات دولية أو إجراءات حدودية.

إن ما تقدمه المنظمات الإنسانية العاملة في المناطق المحررة من إعانات وخدمات يخفف نوعاً ما وإلى حد معين أوجاع وآلام وحاجة الأسر السورية التي عاشت في السنوات السابقة أصعب سنوات الحياة، لكن الاحتياج أكبر من ذلك بكثير ويتجاوز الدعم المادي إلى احتياجات أخرى، فالأطفال الذين ولدوا وكبروا في المخيمات لا يعرفون معنى المنزل أو كيف تكون الحياة داخله فصور الخيم فقط هي المطبوعة في أذهانهم، ناهيك عن الأسر التي شهدت القصف والدمار وعانت الفقد والإعاقة والنزوح أو السكن في مبانٍ ومساكن غير مجهزة وضعها لا يقل صعوبة عن المخيمات.

ولا يقل عن ذلك ما يعيشه رب الأسرة من حالة من ضياع وتعب نفسي وجسدي فلا فرص العمل متوفرة ولا الدخل الثابت مؤمّن، ما يجعله يقف عاجزاً أمام احتياج أفراد أسرته وأطفاله لعدم قدرته على تقديم أبسط احتياجاتهم، لذلك نلاحظ أن حالات الاكتئاب والأمراض النفسية منتشرة بكثرة وقد وصلت في بعض الحالات إلى الانتحار ورغم قلتها إلا أنها تعتبر مؤشراً خطيراً جداً خصوصاً لدى فئة الشباب.

وبالمقابل؛ لا بد لنا من الإشارة إلى وجود استعداد عالٍ وتقبّل كبير وإمكانية تقديم كل أشكال المساعدة والعون من قبل كل الفاعلين المحليين في المناطق المحررة لأية جهة تريد تقديم يد العون والمساعدة، فالكفاءات والقدرات الموجودة في هذه المناطق تستطيع أن تقدم وتبذل وتساعد في أية خدمة ومشروع ومساعدة من شأنها تخفيف معاناة أهلنا، والأرضية الحالية مهيئة لتقبل مشاريع إنسانية وتنموية واقتصادية، والشعب السوري قوي العزيمة وقادر على أن يبذل كل جهده في سبيل تأمين احتياجه ويعمل بكل ما يستطيع ولكنه يحتاج من يمد له يد العون والمساعدة ويفتح له الطريق، والمساعدات الإنسانية مع قلتها ومع تحجميها في السنوات الماضية لكنها بوابة لتحقيق الحد الأدنى من الاكتفاء بشكله البسيط.

بقلم: مازن باكير

مدير التدقيق الداخلي لمكاتب سورية في المنتدى السوري