وكالة قاسيون للأنباء
  • الجمعة, 19 أبريل - 2024

تبعثر الحلم

تبعثر الحلم

قاسيون_المهندس: مصعب الخلف

اعتقد رئيس النظام السوري بشار الأسد أنه بمغادرة اللاجئين لسوريا سيكون سعيدا، آملا بأن يؤدي رحيل الملايين من العرب السنة إلى تغيير التركيبة السكانية التي كانوا يمثلون ما نسبته 75 % من مكوناتها، وبرحيلهم هذا يصبح التغيير الديمغرافي سهل لهذه العصابة الحاكمة واستبدالهم بالطائفة العلوية والمليشيات الشيعية التي بدأت تستحوذ على أملاك وبيوت أهل السنة في كل المحافظات السورية وخاصة دمشق وحلب.

ويعكس هذا التطور الاتجاه الذي ظهر في العقود القليلة الماضية، عندما كانت معدلات ت الخصوبة منخفضة في صفوف الطائفة العلوية إلا أنها بقيت مرتفعة في صفوف السنّة الأكثر فقراًK وقد قال الأسد بصراحة أيضاً أن سورية تضم عددا كبيراً من السكان مقارنة مع مواردها.

فبعد عام 1945 ، بدأ عدد السكان يتضاعف كل عشرين عاما ، كما أن معدل الخصوبة الكلي لم يبدأ بالانخفاض حتى بداية الثورة السوريةـ وحتى قبل وصول الأسد الابن إلى السلطة في عام 2000 ، كان اقتصاد البلاد غير قادر على توفير فرص عمل كافية، وزادت الفجوة بين طموحات الشباب وآمالهم وأحلامهم وواقع السوق بشكل كبير في السنوات العشر التي سبقت الثورة.

هذا الأمر ترك ملايين السوريين يعانون من الإحباط الاجتماعي والاقتصادي الضخم، ويشعرون برغبة قوية في مغادرة البلاد من أجل تحقيق ما يبتغون إليه للوصول إلى حياة أمنة وعيش كريم.

ومع انطلاق الثورة السورية وحالة التهجير والنزوح للسكان الذين غادروا بلادهم مكرهين ومجبرين من بطش العصابة الحاكمة الى دول الجوار، حيث تم توثيق مغادر أكثر من 13 مليون لسورية، وقد ساعد هذا التهجير البعض منهم في تحقيق جزء من أحلامهم، ومع مرور 12 سنة فقد معظم السوريين سواء في الداخل او في بلاد اللجوء الأمل في رؤية السلام يعم سورية من أجل العودة اليها، ولكن حتى إذا أرادوا العودة إلى بلادهم فإن النظام يمنعهم من ذلك (وبيوتهم ستكون سجون الأسد) فمثلا كل من خرج بالثورة أو بالمظاهرات أو ممن حملوا السلاح وحتى المنشقين العسكريين او المدنيين وغيرهم تم وضعهم على القائمة السوداء للنظام، ولن يُعاملوا بأية رحمة إذا حاولوا العودة هم أو أسرهم إلى سورية.

وفي الفترة الأخيرة ليست بالبعيدة من هذا العام 2023، شاهدنا الآلاف من السوريين في دول الشتات المجاورة قد تعرضوا لمحاولات التضييق والعنصرية والقتل، سواء كان في تركيا أو لبنان او حتى الأردن، وهنا يتساءل الكثيرون عن الأسباب التي تدفعهم إلى قطع مسافات طويلة تبلغ آلاف الكيلومترات في البراري والأودية والأنهار والجبال والغابات وغيرها، من أجل اللجوء والعبور إلى أوروبا، لتحقيق حلمهم في الحصول على حياة كريمة لهم ولإسرهم وتعليم وعناية صحية أفضل.

ومن جملة هذه الأسباب:

اعتقاد الناس أنه لا وجود لمؤشرات على نهاية الحرب في سوريا، وبذؤا يشعرون بفقدان الأمل في إمكانية العودة، وعدم وجود أي حل يفضي إلى رجوعهم لبلدهم والعيش هناك بسلام.

كما أن العيش كلاجئ في دول الجوار يعتبر بائسا بالنسبة إلى الكثير من الشباب السوري، وخصوصا أنه لا يسمح لهم بالعمل في تلك الدول وفق الأنظمة والقوانين، بل يتم استغلالهم من قبل أصحاب الشركات والمصانع بكافة المجالات، سواء بعدم وجود التامين الصحي أو بالأجور المنخفضة والعمل لساعات طويلة، وحالات العنصرية والتضييق اليومي على اللاجئ السوري التي بات له الهاجس الأكبر الذي يعاني منها السوري في دولة الجوار (تركيا).

بالإضافة الى حالات القتل في لبنان من قبل المليشيات الشيعية، وحالات الفقر في هذه الدول، الآمر الذي دفعهم إلى التفكير بالهجرة الى بلاد أوروبا.

أعتقد أن حالة الفقر التي تزداد يوم بعد يوم، والأوضاع المعيشية التي تزداد سوءا شيئا فشيئا، والخدمات المستمرة في الانهيار الغير طبيعي، وانعدام الحياة التجارية والصناعية في المناطق المحررة، دفع الناس إلى مواصلة الهرب من جحيم الحرب سواء في الداخل السوري، أو من العنصرية وحالات القتل اليومية التي يتعرضون له في دول الجوار ، إلى أوروبا.

إن عدم وجود مساعدات دولية كافية لمساعدة اللاجئين في تلك الدول، والتي يرجع سبب عدم توافرها، إلى أن المشكلة كبيرة جدا، وتفوق قدرة هيئات الإغاثة الدولية، كما أن المشكلة مستمرة على مدى سنوات، والأفق لحلها حتى الأن غير واضح، فالكثير من اللاجئين لم يعد لديهم حتى كوبونات الإغاثة ولا مجال للرعاية الصحية الضرورية، كما أن دراسة الأطفال شكلت سببا آخر للجوء إلى أوروبا، ذلك أنه على مدى أكثر من 12 سنة على بدء الثورة في سوريا، فقد الأطفال إمكانية متابعة تحصيلهم العلمي، ولا يوجد فرص كافية لتعليم الأطفال في الدول المجاورة، لذلك فإن جميع هذه الأسباب كانت بالنسبة للكثيرين القشة التي قصمت ظهر البعير.

ولا ننسى أن هناك سببأ آخرا للجوء إلى أوروبا، ويكمن في أن دول اللجوء المجاورة، لا تحصل على دعم دولي مناسب، فأخذت تفرض قيودا جديدة على اللاجئين، باعتبار أنهم زادوا من أعباء تلك الدول التي تعاني أصلا من أوضاع اقتصادية واجتماعية ومعيشية صعبة

توقعات العيش في أوروبا:

من الواضح، إذاً أن الاستقرار في دول الجوار هو عملية معقدة وغير مرغوب فيها، مقارنة مع معايير الحياة الأوروبية، وبعد أن سمع السوريون عن هذه المشاكل أو عانوا منها بشكل مباشر، قرر العديد منهم التوجه إلى القارة الأوروبية. ومثلهم مثل معظم اللاجئين، فهم ببساطة يريدون الرعاية الصحية والتعليم الجيد، كما أنهم على أتم الاستعداد للعمل لكنهم يواجهون عوائق أمام جميع هذه المساعي في الدول المجاورة.

بالإضافة إلى أنهم يدركون أن لدى المجتمعات الأوروبية عراقيلها الخاصة التي تحول دون دمجهم، ولكنهم يعلقون آمالا كبيرة على مساعدات الانتقال الواسعة المقدمة للاجئين.

أما بالنسبة للوضع في سورية فهو يشبه مريض السرطان الذي تُرك لفترة طويلة جداً دون علاج، فحتى في أبعد الاحتمالات، إذا نجح نظام الأسد بإلحاق الهزيمة بجميع معارضيه، فإن القمع اللاحق والتطهير العرقي، والأزمة الاقتصادية ستستمر في توليد حركة هجرة قوية إلى أوروبا.

وطالما أن المجتمع الدولي ومعظم الدول المجاورة لا يتخذون الخطوات الكافية لجعل هؤلاء اللاجئين قادرين على احتمال الوضع الذي هم فيه، فإن التدفق إلى أوروبا سيستمر.