معاناة اللاجئين والنازحين السوريين...وقوافل الهجرة عبر طرق الموت
قاسيون_ اللواء د. سليم إدريس
بعد ما يقارب 12 عاماً على انطلاقة الثورة السورية والتدخل العسكري الروسي المباشر الذي حال دون سقوط نظام "بشارون الكيماوي" بمباركة أمريكية أو بتراخ ولا مبالاة في أحسن الأحوال، تستمر اليوم الحال المزرية للشعب السوري الذي هُجر أكثر من ثلثيه من ديارهم وتفرقوا بين مهاجر في بلاد الله الواسعة، ونازح في المناطق المحررة من سيطرة نظام الطائفية والاستبداد بعد أن نهبت ممتلكاتهم ودمرت وأحرقت بلداتهم وقراهم ومساكنهم. تشير الإحصائيات اليوم إلى أن حوالي 8 ملايين سوري يعيشون في بلدان اللجوء في كل أطراف العالم، وإلى ما يقارب 7 ملايين نازح.
يواجه اللاجئون السوريون في بلدان الجوار ظروفاً قاسية للغاية بسبب غلاء الأسعار، وارتفاع معدلات التضخم، والحملات العنصرية والتنمر ضدهم بتحريض من سياسيين، ورجال دين، ومن أحزاب معارضة لا تملك في برامجها الانتخابية إلا التلويح بملف اللاجئين والمطالبة بإعادتهم إلى بلادهم وإلقاء تبعات تدهور الوضع الاقتصادي عليهم، وقد تحولت هذه الحملات العنصرية إلى عنف جسدي ضد اللاجئين وصل في حالات عديدة إلى حد القتل.
أوضاع النازحين السورين بائسة في جميع المناطق بسبب عدم توفر فرص العمل، وانسحاب الكثير من المنظمات وتراجع بعضها وتقليص مساعداتها، وتردي مستويات التعليم والأمن والرعاية الصحية والخدمات الضرورية، واستمرار العمليات العسكرية في بعض المناطق. تشير إحصائيات الأمم المتحدة أن أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر ويواجه 74% منهم نقصاً حاداً في الغذاء.
هذه الأحوال تدفع اليوم أعداداً كبيرة من النازحين واللاجئين بالتفكير بهجرة جديدة حيث يلتقطهم تجار البشر ويستغلونهم أبشع استغلال ويأخذون منهم مبالغ كبيرة لقاء نقلهم بقوارب لا تتوفر فيها أبسط متطلبات الإبحار الآمن، والتي في الكثير من الحالات تنتهي بعد انطلاقها بساعات بمآسٍ إنسانية كما حدث للمركب الذي انطلق من شواطئ طرابلس بلبنان وانقلب وغرق أغلب من كانوا على متنه قبالة سواحل طرطوس السورية خلال الأيام الماضية من هذا الشهر أيلول/ سبتمبر 2022م . هجرة عبر طرق الموت إلى اليونان وبلغاريا والبعض باتجاه إيطاليا ومنها إلى باقي الدول الأوروبية.
الجميع سمع ويسمع كل يوم أنهم يتعرضون للموت غرقاً، أو يتيهون في الغابات ويموتون من الجوع والعطش، أو تطلق عليهم الكلاب من قبل حرس الحدود وقوات "الكوماندوز" البلغارية لتنهش أجسادهم، أو يسلبون من كل شيء (جوالاتهم، وما لديهم من مال، وحتى ثيابهم التي تستر أجسادهم) من قبل خفر السواحل اليوناني ثم يلقون في البحر ويتعمد خفر السواحل إغراقهم أو يتركون في جزر نائية معزولة للموت دون أن يدري بهم أحد بلا شفقة ولا إنسانية.
لقد وصلت البشرية في القرن الحادي والعشرين، دولاً ومؤسسات أممية، إلى هذه الدرجة من اللامبالاة والسكوت عن جرائم تقترف بحق الإنسانية، وتجاوز وخرق أبسط حقوق الإنسان من قبل تجار البشر، وحرس الحدود، وخفر السواحل ضد أناس ضعاف مطحونين أثقلت أجسادهم الضعيفة الآلام وفقدوا كل شيء. يفرون من الموت عبر طرق الموت، أملاً في الوصول إلى بقعة يحلمون أن يعيشوا فيها ما بقي لهم من العمر كبشر.
نحن نعيش ضمن مجتمع دولي نعتقد أن فيه دولاً دائمة العضوية في مجلس الأمن، وأن هذه الدول تتحمل مسؤولية كبيرة تجاه ما يجري في العالم وما يهمنا حالياً هو قضيتنا السورية وفيما يتعلق بشؤون اللاجئين والنازحين ومعاناتهم لا بد من التذكير أن إحدى هذه القوى دائمة العضوية وهي روسيا، شريك في العدوان والإجرام والقتل والتدمير والتهجير الذي يتعرض له الشعب السوري، وهي مسببة لمعاناة هؤلاء الناس وسبب مباشر لموجات الهجرة الجديدة. لقد كانت هجمات الطيران الروسي والمجازر التي ارتكبها سبباً في تهجير أكثر من مليون وثمانمائة ألف سوري من ديارهم في أرياف حماه وحلب وإدلب وغيرها من مناطق سورية، حيث إنها هي التي تنصلت مما كان يسمى مناطق خفض التصعيد، وهي التي هجرت بالتعاون مع نظام الاستبداد والطائفية أغلب سكان تلك المناطق الى الشمال السوري.
أين منظمات حقوق الإنسان مما يجري؟ وهل يسمع لها صوت اليوم عند الدول التي ترفع شعارات حقوق الإنسان؟ أين المفوضية السامية لشؤون اللاجئين؟ وهل يمكن أن تتدخل في الدول التي لا تحترم حقوق اللاجئين ولا تعاملهم وفق القوانين الدولية؟
مشكلة اللاجئين السوريين أصبحت مشكلة إقليمية ودولية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها أغلب دول العالم بسبب انتشار فيروس كوفيد- 19، والحرب الروسية على أوكرانيا، و خروج مئات آلاف اللاجئين من أوكراني…