بين الناتو العتيد والناتو الجديد تركيا تودع منطقة الوسط
قاسيون_هشام سكيف
حظيت فنلندا والسويد أخيراً ببطاقة الدخول إلى حلف الناتو هذه البطاقة أعطت تركيا ثماراً سياسية كبيرة قد تفوق دخول الدولتين للحلف العتيد، ومع أهمية هذا الدخول وتأثيره على حرب بوتين المسعورة على أوروبا عامة وعلى أوكرانيا خاصة ، كانت موافقة تركيا تساوي أو تزيد تلك الأهمية فالتغيرات التي أحدثتها تلك الموافقة ، ستطوي مراوحة تركيا في منطقة الوسط التي اتخذتها لنفسها من الحرب الروسية على أوكرانيا ، فهذا الإجراء يعد انتقالاً كاملا لتركيا للضفة المقابلة لحرب بوتين ، بعد مرحلة اعتبرت روسيا أن تركيا ذات موقف متوازن من الحرب ، هذا الاتفاق والذي أفضى إلى رفع الفيتو التركي على دخولهما للحلف ، و توجه اجتماع رباعي رفيع المستوى ضم الرئيس رجب طيب أر دوغان والرئيس جو بايدن وقادة فنلندا والسويد أتى ليرسم وبشكل رسمي مكان تركيا من الحرب الروسية على أوكرانيا سيما أن روسيا قد اعتبرت سويسرا فقدت حيادها لمجرد مشاركتها بالعقوبات عليها ، فمن الأجدر بأن تعتبر أن من وافق على دخول فنلندا والسويد لحلف الناتو بأنه اتخذ قرارا معاديا ً لروسيا
الناتو الجديد والناتو العتيد معادلات جديدة قد تطيح بالاتفاق النووي
الولايات المتحدة الأمريكية ـ التي بذلت جهدا دبلوماسياً فائقاً لترتيب توقيع اتفاق تركيا مع فنلندا والسويد يسمح بدخولهما للحلف العتيد ـ تسير في خطين متوازيين ، خط ٌيتضمن الحشد ضد روسيا ، وهذا يستلزم منها ضمان أمن ومصالح الحلفاء التاريخيين لها ومن ضمنها تركيا السعودية والامارات وقطر والأردن ومصر وخط ٌ يتضمن الاتفاق النووي مع إيران والذي يتجاهل مصالح وأمن تلك الدول فلا يمكن الجمع بين هذه الخطين المتوازيين ولا يمكن الوثوق بإيران كمورد للطاقة بناء على نصيحة أحد المسؤولين الكبار في البيت الأبيض فإيران ليست حليفة بينما تعتبر تلك الدول حليفاً تاريخياً للولايات المتحدة الأمريكية ، فعليها إذن الاختيار وعدم اختبار مواقف حلفائها كثيراً ، فقد نجحت في معالجة مخاوف تركيا ، ولكنها في نفس الوقت يصطدم سعيها لعقد الاتفاق النووي مع إيران ـ والذي طالما تسبب بإغضاب حلفائها التاريخيين دول الخليج ، وإسرائيل و الأردن ـ بنتائج ستكون له آثار كارثية على حشد واشنطن للدول النفطية لها ضد روسيا ، وضمن هذه الأجواء انطلقت حركة دبلوماسية نشطة جداً وكأنها تتسابق مع الزمن هذه التحركات في مسارين مختلفين وبأهداف مختلفة ، فمنذ أسبوع والمنطقة تشهد تحركات دبلوماسية إقليمية مكوكية ولقاءات وتصريحات لزعماء المنطقة، كلها تسبق زيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية واجتماعه بقادة دول المنطقة يضاف لها العراق ، هدفين مختلفين لكلا الطرفين، فالولايات المتحدة تنطلق من هاجسها المتعلق بإغراق روسيا أكثر في وحل أوكرانيا وعلاج أزمة الطاقة وأزمة تعثر سلسلة التوريدات الغذائية ، بينما دول المنطقة تتحرك على وقع هاجسها من إيران وأذرع إيران وسيما إذا أصبحت إيران دولة نووية ، ولكن ماهي الأثمان التي سيدفعها بايدن؟ وهل ستقف الأثمان عند إعادة استراتيجية الأمن مقابل النفط؟ أم سيجد الرئيس " جو بايدن " نفسه مضطراً للتضحية بورقة الاتفاق النووي مع إيران خاصة بعد طروحات تشكيل ( الناتو الشرق أوسطي ) ،وبشكل موازي لمشروع " جو بايدن " وأهدافه وبطريقة قد لا تعجب واشنطن ولا ترغب فيها على الرغم من أنها تريده ولكن ليس على مقاس حلفائها بل على مقاس مصالحها ، وما أعاد ذلك الطرح القديم الجديد إلى الواجهة ، أن إيران وبشكل متزايد أصبحت ضمن نتيجة من اثنين إما ستوقع اتفاقاً سيطيح بمصالح هذه الدول أو أنها ستكون دولة نووية بعد فترة ليست بعيدة ، هذه الفرضيتين دفعت دول الشرق الأوسط إلى إنهاء كل خلافاتها التي وصفت بأنها مزمنة إلى حد كبير والوصول إلى صفر أزمات وصناعة اصطفافات ٍ جديدة شكلت تغيراً جذرياً في نمط العلاقات الدولية التي سادت خلال السبع سنوات الماضية وعلى وقع تلك الاصطفافات جاء طرح ملك الأردن " الملك عبد الله الثاني " مبادرة متمثلة في إنشاء تحالف عسكري أمني لمواجهة إيران وأذرعها سمي مجازاً ( الناتو ) ، فبناء على الاستعراض السابق للخطين المتوازيين ، على إدارة الرئيس جو بادين الاختيار فعلياً بين أمرين إما خيار الاتفاق ِ النووي الذي يصارعُ الموتَ السريري في الدوحة ، أو جلب الجميع إلى اصطفاف مضاد لروسيا ،فهل ممكن الاعتقاد إذن أن مفاوضات الدوحة شكل من أشكال محاولات إبراء الذمة ؟ لكي تقرر الولايات المتحدة بعدها التضحية بورقة الاتفاق لصالح ضمان الحشد ضد روسيا وضمان تدفق النفط وهبوط لأسعاره التي تؤرق الغرب؟ ومع ذلك لا يمكن تجاهل تحركات الرئيس "جو بايدن " ولا معادلته التي لا تخفيها حتى التصريحات الدبلوماسية والتي تلخصها المقولة السائدة اليوم : ((فمن سيركب القطار الأمريكي سيأخذ الجزرة ويتفادى العصا فمرحلة قبل الحرب الروسية على أوكرانيا غير ما بعدها)) ولكن أيضا قد يكون عدم التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران ـ وكما كانت ترغب واشنطن وطهران ـ هو الجزرة و هو الثمن الذي سيدفعه " جو بايدن " لكي يجلب الجميع لمواجهة الروس ؟؟ وضمان توسيع حلف الناتو العتيد وتفادي تشكيل تحالفات تضع واشنطن في مأزق اقتصادي وربما سياسي كبير وستكون آثاره كارثية لولادة ناتو شرق أوسطي جديد.