وكالة قاسيون للأنباء
  • السبت, 20 أبريل - 2024

مرحلة التحولات الكبرى في سوريا

مرحلة التحولات الكبرى في سوريا

قاسيون ـ شادي شماع

جاء انقلاب حزب البعث على السلطة في 8 آذار من عام 1963 ، في المرحلة الصعبة التي كان الاقتصاد السوري يحاول فيها التخلص من آثار التأميم الذي فرضته ظروف الوحدة مع مصر ، فأوقف البعث كل الإجراءات التي كانت تقوم بها حكومة خالد العظم الأخيرة والتي كانت تهدف إلى العودة بالأوضاع إلى ما قبل الوحدة ، وأعلن البعث أن هويته الاقتصادية هي اشتراكية ، أي الاستمرار بما كان قد بدأه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من عمليات تأميم وتحول اقتصادي ، ولم يستطع إكماله .. بسبب أن الانفصال وقع بعد أشهر قليلة فقط من الإجراءات الاقتصادية الجديدة .

ومن الملفت أن حزب البعث الذي استولى على السلطة، لم يقم بأية عمليات تأميم جديدة ، لكنه أوقف الإصلاحات الاقتصادية التي كانت تهدف إلى إعادة ما تم تأميمه ، إلى أصحابه ، وهي إصلاحات كان يقودها في ذلك الوقت رئيس الحكومة خالد العظم ، ووزير الاقتصاد حنين صحناوي ووزير المالية جورج خوري ، لكن من جهة ثانية ، أصدر البعث قرارات بمصادرة أملاك كل المسؤولين وداعميهم الذين أيدوا الانفصال وشاركوا في الحكومات التي تلته ، بحجة أنهم عملاء للاستعمار والامبريالية ، وأعداء للأمة العربية . وهو ما أدى إلى هروب البقية الباقية من رجال الأعمال السوريين والاقتصاديين البارزين ، وكانت وجهتهم على الأغلب ، إلى لبنان ، التي نقلوا إليها ما تبقى من أموالهم ، وأسسوا ما بات يعرف لاحقا ، وسط بيروت التجاري . بالإضافة إلى أنه كان لهم مساهمة بارزة في تأسيس البنوك اللبنانية ، والكثير منها لايزال مستمرا حتى اليوم .

اقتصاديو البعث الأوائل :

من يتابع الحكومات السورية التي تشكلت منذ العام 1963 وحتى العام 1970 ، وهي ثماني حكومات ، يجد أنها كانت تخلو من أية أسماء اقتصادية بارزة ، وكانت في أغلبها لا تستمر سوى لبضعة أيام أو أشهر ، ثم يجري تغيير أعضائها بالكامل ، لدى تشكيل الحكومة الأخرى .

فعلى سبيل المثال ، تولى صلاح الدين البيطار لوحده ، رئاسة أربع حكومات في فترات مختلفة من العام 1963 وحتى العام 1966 ، أستطاع أن يشكل منها ثلاثة حكومات ، بمجموع أقل من سنتين، وكان في كل مرة يستعين بفريق اقتصادي من الوزراء ، مختلف عن الوزارات السابقة .. وتميز البيطار عن غيره من رؤساء الحكومات الذي شغلوا تلك الفترة ، أنه حاول الاستعانة بأسماء اقتصادية مهمة نوعا ما ، لكن بعد العام 1967 ، أصبح العسكر هم من يتحكمون بكل شيء ، وبدأ النظام يخطط للقضاء على القيادات البعثية البارزة ، صاحبة المشروع الاقتصادي ، وإخراجها من ساحة العمل السياسي ، مثل البيطار ذاته الذي هرب إلى لبنان ومنها إلى فرنسا ، واغتاله حافظ الأسد في باريس بمسدس كاتم للصوت في العام 1980 وشبلي العيسمي وزير الإصلاح الزراعي في العام 1963 ، الذي تم خطفه في لبنان بعد انطلاق الثورة السورية في العام 2011 ، ومنصور الأطرش الذي تولى عدة وزارات في الستينيات ، وتوفي في العام 2006 في بلدة القريا ، بعد عودته من منفاه اللبناني بشرط اعتزال العمل السياسي .

وخلال الفترة من العام 1963 وحتى العام 1970 ، توالى على وزارة المالية مثلا ، خمس وزراء ، هم عبد الوهاب حومد ومصطفى الشماع ومحمد عبد الفتاح البوشي وموفق الشربجي ونور الله نور الله ، الذي استمر في منصبه من عام 1969 وحتى العام 1974 . وجميع هؤلاء الوزراء، باستثناء عبد الوهاب حومد الذي أتى به صلاح الدين البيطار ، وسبق له وأن تولى المالية من العام 1955 وحتى العام 1956 ، جميعهم ليسوا من الاكاديميين المرموقين ، ولا يمتلكون الخبرة والمعرفة الاقتصادية الكافية ، لقيادة اقتصاد البلد .

أما وزراء الاقتصاد ، فأبرزهم كان الدكتور عبد الكريم زهور والدكتور جورج طعمة والدكتور كمال حصني ، وهؤلاء أتى بهم صلاح الدين البيطار ، وجرى ملاحقتهم وسجنهم فيما بعد ، وبعضهم هرب من سوريا ولم يعد إليها .

خلاصة واستنتاج :

يمكن اعتبار الفترة من العام 1963 وحتى العام 1970 ، وكما أطلقنا عليها ، مرحلة التحولات الكبرى في الاقتصاد السوري ، والتي أسست فيما بعد لاقتصاد النهب والسرقة والرشوة ، إذ أنه جرى في تلك الفترة ، إفراغ البلد من كل الشخصيات الوطنية البارزة ، وتهيئتها لحكم العسكر ، الذين حولوا بدورهم جميع المناصب الحكومية ، إلى مناصب شكلية ، لا يؤثر فيها طبيعة الشخص التي يتولاها ، ومستواه الاكاديمي ، أو ما يحمله من رؤى وأفكار اقتصادية .

فقد أصبح التخطيط الاقتصادي مركزيا ، مع تبني التوجه الاشتراكي ، الذي يؤمن بسيطرة الدولة على كل وسائل الإنتاج .. وهو ما حدث بالفعل ، إذ تحولت جميع المصانع والشركات الحيوية بعد العام 1963 ، إلى ملكية الدولة ، وتم إقفال جميع البنوك الخاصة ، وهو ما أدى إلى هروب الكثير من رؤوس الأموال خارج سوريا ، فخسرت البلد جزءا مهما من طاقتها الاقتصادية ، سوف يكون لها أثر كبير فيما بعد على الاقتصاد السوري ، الذي دخل العام 1970 ، مع سيطرة حافظ الأسد على السلطة ، وهو يئن ويعاني ، ثم لم يلبث أن ظهرت بوادر الانهيار مع مطلع العام 1976 .. وهو ما سنتعرف عليه في المقال القادم ، والتي سنحاول أن نغطي فيها الفترة من العام 1970 وحتى العام 1980 .