الوعي حالة غيبية
قاسيون ـ مروان الحريري*
غالباً ما تجد الانسان(منذ وجد على هذه الأرض) يبحث عن ملجأ، عن فكر، عن عقيدة أو دين، ايديولوجية يعتنقها وينتمي إليها ويعتمد عليها؛ هو دائماً يبحث عما ينقذه من خوفه من الحياة، يبحث عن إجابات على أسئلته الكثيرة والتي لا يجد لها إجابات، فيتوجه إلى الجماعة ، إلى الجمعيات و الأحزاب والأديان .. يتوجه إلى الأكثرية ، إلى الحشد ليرتمي في أحضانهم ويتكل عليهم خوفاً من الحياة والتي هي مجموعة معقدة من الأسرار والألغاز والأحاجي .. الحياة دينامية ، متحركة، غير ثابتة، وغير آمنة، تحمل الكثير من الأحداث وكم كبير من التناقضات (الخوف والأمان، الحزن والفرح، المرض والشفاء....) هذه هي طبيعة الحياة.
العقل البشري هو ذاكرة مخزنة قديمة فيها معلومات وإختبارات وتجارب وموروثات تعلمها الإنسان من الأهل والمدرسة والأصحاب ورجال السياسة والدين وبالتالي هو يعتمد بمواجهته لحياته اليومية على هذه الذاكرة وعلى التجربة، يتصرف وفق الماضي و موروثاته ، وتراه دائما يملك أجوبة جاهزة ومعلبة لكل حدث لا تتوافق مع أحداث الحياة والتي هي حياة متجددة تشبه تدفق مياه الينابيع وجريان مياه الأنهار؛ في كل لحظة موقف جديد وحدث جديد. لذا من الضروري أن يتخلى الإنسان عن كل الموروثات والتعامل و العيش بوعي.
والوعي ضروري لكشف الذات الإنسانية وفهم الغاز الحياة ومواجهة مجريات أمورها .. الوعي هو حالة اليقظة والحضور، هو حالة نوم العقل والصفاء الذهني. عندما يتوقف العقل عن الثرثرة ووضع الفرضيات وتصور السيناريوهات عندئذ سيصبح بحالة سبات ، عندها فقط يستيقظ الوعي وتحدث فجوة يتصل الشخص من خلالها مع محيطه. فيصبح هو المراقب وهو المراقب بنفس الوقت .. يتوحد مع كل شي، مع البشر، مع الطبيعة ، فيصبح واحداً في الكل والكل في واحد،مثلاً: عندما تراقب البدر دون أحكام مسبقة ودون إدانة أو تقييم ودون استعمال العقل ستتوحد مع البدر وتصبح انت البدر وستشعر بتفردك وأنك لست بحاجة لأي فكرة مسبقة او قديمة ولست بحاجة لأي ايديولوجية او فكر ولا لكل الحشود عندها فقط ستفيض بالفرح وستغمرك السعادة وتعيش بحالة يقظة غير مسبوقة..
يتبع.
*كاتب لبناني مختص في الشؤون النفسية