هل يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلّ محل الفنانين في عالم العطور؟
تتزايد المساحة التي يحتلّها الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، فلم يعد يقتصر تأثيره على مجالات التكنولوجيا والمعلوماتية فحسب، بل بدأ يتسلّل إلى عوالم بعيدة تماماً عن سيطرته التقليدية، ومنها عالم العطور. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي والعطور قد يبدو للوهلة الأولى مصطلحان متناقضان لا يمكن أن يجتمعا، إلا أن السنوات الأخيرة أثبتت وجود علاقة وثيقة تطورت تدريجياً في هذا المجال.
يعود التاريخ الحديث لاستخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة العطور إلى عام 2019، حيث قامت شركة O Boticario البرازيلية بتطوير أول عطرين بمساعدة آلات ذكية. تمثل العطر الأول Egeo On Me بكونه عطرًا نسائيًا زهريًا، بينما العطر الثاني Egeo On You يتميز بنمطه الخشبي الذكوري. وفي السياق نفسه، تحدثت شركة Etat Libre d’Orange الفرنسية عن إطلاق عطر She was an anomaly، الذي تمت صياغته بالتعاون مع أداة الذكاء الاصطناعي Carto، مما يعكس أهمية هذه التقنية الحديثة في عملية التصنيع.
ومع مرور الوقت، أصبحت العطور الجديدة تعتمد بشكل أكبر على البيانات المتراكمة حول تفضيلات المستهلكين. على سبيل المثال، شهد عام 2021 إطلاق عطر Phantom من Rabanne، الذي اعتمد على 45 مليون قراءة دماغية لشباب تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً، ساعدت في تحديد مكوناتٍ تعزز الثقة بالنفس. وحتى عام 2024، أصبح بإمكان العلامات التجارية مثل Prada الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في تصميم عطورها، مما يعكس الاستعداد المتزايد لهذا المجال لتبني التكنولوجيا الحديثة.
الجوانب التقنية هنا لا تقتصر على تطوير الروائح فحسب، بل تشمل أيضًا تقديم الأدوات التي تساعد صانعي العطور على تصميم تجارب فريدة. على سبيل المثال، أداة الذكاء الاصطناعي Carto تستخدم 288 مكونًا طبيعياً واصطناعياً، وتساعد في تقديم اقتراحات خلطات متنوعة. والمزيد من ذلك، تعتمد شركة Takasago اليابانية على أداة AI-T-Aroma ليس فقط للاقتراح بل أيضًا لفهم الاتجاهات الشمية وتحليل ردود أفعال المستهلكين.
ورغم كل هذه التطورات، يبقى السؤال المثير للجدل: هل يحل الذكاء الاصطناعي محل "الأنف"، أي المصمم الخبير الذي يبتكر العطور بأنامله ومشاعره؟ الخبراء في المجال يؤكدون أن الذكاء الاصطناعي لن يكون بديلاً عن المبدعين، بل سيكون مساعدًا لهم. فصناعة العطور لا تزال تعتمد على اللمسة الإنسانية والجوانب الفنية التي تعجز التكنولوجيا عن محاكاتها. يبقى الناس القادرون على تحويل الذكريات والقصص إلى روائح قادرة على تحفيز الأحاسيس، وهو ما يجعل العطور فنًا من الفنون الرفيعة.
في ختام هذا النقاش العميق، يتضح أن الذكاء الاصطناعي قد يصبح شريكاً قوياً لصانعي العطور، لكن لن يحل محلهم تماماً. يبقى تأثير الإنسان، بحسه الفني وإبداعه، هو المحرك الأكبر في صناعة الخلائط العطرية الفريدة التي تحاكي مشاعرنا وتجاربنا الشخصية.