وكالة قاسيون للأنباء
  • الأربعاء, 20 نوفمبر - 2024
austin_tice

سوريا: أرض الرباط الأفغاني

<p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>لم يخرجوا في نزهة، أو في رحلة استكشاف، أو صيد. كانوا، بعشرات الآلاف، يسيرون في&nbsp; جنازة غريبة، لا تتقدمها نعوش ولا رايات ولا أكاليل. تركوا الجثامين خلفهم وحثوا الخطى في مسيرة هجرة جديدة إلى الشمال، لينضموا إلى الملايين ممن سبقوهم في الفرار من الأرض المحروقة، المنكوبة.</strong></span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>لولا بعض صرخات الاستغاثة التي أطلقت عند نقطة الحدود، لبدا أن الجنازة الصامتة هي جزء من طقوس خاصة يمارسها السوريون وحدهم. فالمشهد نفسه بات من العلامات الفارقة للأعوام الخمسة الماضية، وقد تكرر على جميع المعابر والمراكز الحدودية السورية.</strong></span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>&nbsp;لكن الصمت هذه المرة إزاء هذه الهجرة الجنائزية، كان معبراً أكثر من اي وقت مضى عن اللامبالاة من جهة، وعن التواطؤ العام من جهة ثانية. لم يصدر بيان رسمي عربي أو إسلامي واحد يدين ذلك المشهد اللاإنساني المروّع، ويناشد الروس التوقف عند هذا الحد. كاد البعض يقول ان السوريين ينجون،وهي رحمة، ولم يتورع آخرون عن طلب توجيه الشكر الى سلاح الجو الروسي الذي يقوم بعمل الخير والإحسان.</strong></span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>حصلت الجنازة الحاشدة على ترخيص رسمي. وحصل المشيعون على تصريح خروج،(بلا عودة).. ونالت روسيا تفويضاً عربياً وإسلامياً ودولياً لم يسبق له مثيل، بان تتابع حراثة الأرض السورية وحرقها تمهيدا لتطهيرها.. ولمدة ستة أشهر مقبلة، على ما نُقل عن وزير الخارجية الأميركية جون كيري في كواليس مؤتمر جنيف الأخير. والسبب، حسب تعبيره، أن المعارضة السورية لم تلبِ الدعوة إلى التفاوض، وغادرت المدينة السويسرية بلا استئذان.</strong></span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>على الرغم من هذا التفويض الذي يحمل تواقيع غالبية عالمية ساحقة، ما زال الوهم السائد هو أن روسيا تكثف حملتها العسكرية وتوسع مدى انتشار النظام وجيشه وحلفائه فقط لأنها تترقب وقفاً وشيكاً لإطلاق النار، وتمهد لجولة مفاوضات سورية قريبة تؤدي إلي تسوية سياسية بين النظام الذي لا تثق به ولا برئيسه ولا بأفعاله، وبين المعارضة التي لا تكن لها التقدير ولا الاحترام لكنها لا تنكر وجودها. </strong></span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>قبل جنيف الثالث وبعده، قالت موسكو، وردد العالم كله من بعدها، كلاماً صريحاً عن ضرورة إنهاء الثورة السورية والحاجة إلى بقاء نظام الأسد... لان الأولوية المطلقة هي لمحاربة داعش والنصرة. شرعت موسكو في تنفيذ هذه الفكرة الثابتة في برنامجها منذ اللحظة الأولى، لان رئيسها فلاديمير بوتين، كما تقول مصادر الكرملين، شعر بالحزن عندما شاهد ثلاث مرات متتالية، فيديو التعرض لمعمر القذافي بعد القبض عليه، وأدرك أنه لم يفعل شيئاً لإنقاذه، وهو الان لا يريد ان تتكرر التجربة الليبية بكامل تفاصيلها في سوريا.</strong></span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>كان جنيف الثالث أشبه بفخ نصب للمعارضة السورية التي أساءت التقدير في مغامرة الذهاب ثم في تشكيل الوفد ثم في الانسحاب، وها هي اليوم تنكشف أكثر من ذي قبل وتتعرض مع جمهورها، لحملة تصفية كاملة، لن يقوى حلفاؤها القلائل على وقفها، أو على الحد من نتائجها الكارثية على المستوى السياسي او الإنساني، لا سيما في ظل الهزل الرائج أخيراً، حول تدخل عسكري بري في سوريا. فموسكو لا تدع مجالا للشك في أن حملتها العسكرية ما زالت في بداياتها الأولى، ولم يحن بعد موعد قطف ثمارها السياسية. كما أن إيران لا تخادع أحداً حين تقول أنها ماضية قدماً في القتال مع النظام حتى النهاية، وأنها مستعدة لإرسال المزيد من القوات وتقديم المزيد من الضحايا. </strong></span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>يكفي التأكد من أن ثلاثة جيوش كاملة، جيش النظام والجيش الروسي والحرس الإيراني تقاتل اليوم بضراوة شديدة وحدات المعارضة السورية المشرذمة، والمعزولة، لكي تصبح الهجرة الجنائزية الأخيرة في اتجاه الحدود التركية مشهداً رحيماً.. يكسب داعش والنصرة زخماً استثنائياً ويجعلهما خيار السوريين وخلاصهم الوحيد، ويحيل سوريا كلها إلى بؤرة صراع وجودي بين الخير المطلق والشر المطلق، على ما كانت أرض الرباط الأولى، افغانستان، في العقود الماضية.&nbsp; </strong></span></sup></span></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify">&nbsp;</p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><span style="color:#000000"><sup><span style="font-size:18px"><strong>ساطع نور الدين: المدن</strong></span></sup></span></p>