وكالة قاسيون للأنباء
  • الأحد, 17 نوفمبر - 2024
austin_tice

داعش في السياق: الليبرالية الجديدة والطائفية والثورة المضادة في الشرق الأوسط

داعش في السياق: الليبرالية الجديدة والطائفية والثورة المضادة في الشرق الأوسط
<p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>المواجهة مع داعش</strong>: <strong>ورقة بحثية</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>بعد أربعة أعوام من الثورات العربية منذ 2011، يبدو أن الآمال التي أوقدتها انتفاضات الجماهير قد انطفأت. تضرب ليبيا وسوريا والعراق أمثلة كئيبة كـ&rdquo;دول فاشلة&rdquo;. بينما تقود الولايات المتحدة الأمريكية تحالفاً عسكرياً من القوى الغربية، والعرب من ورائهم، التدخل في شمالي سوريا والعراق، مبررين ذلك بنفس النغمة &ldquo;الإنسانية&rdquo; التي وفرت غطاءاً للاحتلال الكارثي للعراق بعد 2003. أما في مصر، فقد بعثت الديكتاتورية نفسها في شكل أكثر عنفاً ودموية حتى من الفترات الأسوأ في ظل حكم مبارك، حيث قتل ما يزيد عن ألف من مؤيدي الإخوان المسلمين في يوم واحد (14 أغسطس 2013)، واعتقال ما يتجاوز 40 ألف سجين سياسي، وخلق حالة من القداسة حول شخص المشير عبد الفتاح السيسي. وفي البحرين، لم تلن القبضة الحديدية للقمع التي حطَّمت الانتفاضة في 2011.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>في خضم ذلك، على الأقل وفقاً لرؤية الإعلام الغربي للمنطقة، يصعد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، المعروف الآن بإسم &ldquo;الدولة الإسلامية&rdquo;. هذا التنظيم الجهادي الطائفي العنيف أحكم سيطرته على الموصل، التي تعد ثاني أكبر مدينة في العراق، في يونيو 2014، كاسراً شوكة الجيش العراقي. حازت داعش اهتمام الإعلام الغربي بأفعالها البشعة التي تتضمن قطع رؤوس أسرى مدنيين بريطانيين وأمريكيين، والوحشية الممنهجة ضد النساء والأقليات الدينية وحتى المسلمين من خلفيات تختلف عن داعش. وخلال تقدمهم عبر شمال وغرب العراق، ارتكب مقاتلو داعش العديد من المذابح وعمليات التطهير العرقي، حيث القتل الجماعي لليزيديين والسجناء الشيعة في السجون العراقية والكثير من رجال عشيرة البو نمر، وذلك على سبيل المثال لا الحصر (</strong><strong><span dir="LTR">Chulov 2014; Human Rights Watch 2014b; Human Rights Watch 2014a</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>بالطبع من المغري ومن الأسهل أن نقتصر داعش في حدود مشاهد العنف المنتشرة على الإنترنت، ونأمل أن بتجاهلها والانشغال عنها ستستهلك نفسها فتخبو جذوتها. لكن ذلك لا يتعاطى مع الكثير من الأسئلة: هل هي دولة وهابية جديدة تتشكل في القوالب التي صنعها أسلاف العائلة المالكة السعودية والأئمة الإسلاميين الذين كانوا متحالفين معهم منذ قرنين من الزمان؟ أم عصابات من المرتزقة الأجانب يقودها أمير حرب جامح الطموح؟ أم أنها تلعب دور الرابط السياسي والعسكري لتحالف جديد للنخبة السنية في العراق؟ أم شبكة متعددة القوميات من الجهاديين المغتربين؟ هل صعودها يعكس الصراع بين السنة والشيعة؟ ماذا عن الأكراد؟ ما دور الولايات المتحدة ودول الخليج وإيران في صعودها؟</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>هذه المقالة تقدم جهداً تمهيدياً للإجابة على بعض هذه الأسئلة. تركز المقالة على ثلاثة مهام أولية: أولاً رسم إطار نظري عام لتحليل داعش من منظور ماركسي، ثم البحث التفصيلي في السياق العراقي الخاص الذي غرست فيه داعش جذورها، وبعد ذلك تحليل العلاقة بين هزيمة الثورة السورية وتوطيد حكم نوري المالكي المستبد في العراق بعد 2008. التركيز هنا على العراق يكشف الدور الأساسي الذي اضطلعت به القيادة العراقية لداعش. أبو بكر البغدادي، الذي قاد التنظيم منذ 2010، يُقال أنه من مدينة سمراء، بوتقة الحرب الأهلية الطائفية في 7 &ndash; 2006، إلا أنه كان رهن الاعتقال الأمريكي في معسكر باكو، وأُطلق سراحه في 2009 (</strong><strong><span dir="LTR">Cockburn, 2014b, pp. 28&ndash;9</span></strong><strong>).&nbsp; </strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>في النهاية، تضع هذه المقالة داعش في سياق أزمة الحركات الإسلامية الإصلاحية خلال نهوض ثورات 2011. إن الخطوط العامة في هذا التحليل متصلة ببعضها ومترابطة بشدة، فالكارثة التي ابتلعت العراق تعكس مشاريع جاري تنفيذها على الصعيدين العالمي والإقليمي، لكن حجم الكارثة يكثّف بدوره هذه المشاريع نفسها. وضعف الهيمنة الأمريكية، كنتيجة مباشرة للهزيمة العسكرية في العراق، يقف وراء الصعود النسبي لقوى إقليمية مثل إيران والمملكة العربية السعودية، كما يرسي هذا الضعف وضعاً يخلق ظروفاً مناسبة لتعزيز دويلات جديدة، مثل منطقة الحكم الذاتي للأكراد شمالي العراق. هل ستتبع داعش نفس المسار؟ تراهن قيادات داعش على التاريخ أن بإمكانهم ليس فقط تأسيس دولة جديدة، بل دولة من نوع جديد &ndash; القاعدة الأولى التي تتأسس عليها الخلافة الإسلامية. هناك الكثير من الأسباب لمناهضة داعش، وبنفس القدر هناك الكثير من الأسباب أيضاً لمعارضة استراتيجية الولايات المتحدة وحلفائها &ldquo;للتعامل مع داعش&rdquo; بالقصف والغارات. وفقط من خلال إحياء أشكال النضال السياسي والاجتماعي التي تربط الفقراء والمضطهَدين في المنطقة سوياً، باختلاف المعتقدات الدينية واللغة والثقافة، يمكن تقديم بديل حقيقي عن الطرفين.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify">&nbsp;</p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>نحو فهم ماركسي لداعش: تمهيد </strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>النقطة المرجعية التي يمكن من خلالها رسم خريطة لكل القضايا التي نناقشها هنا هي تبني الطبقات الحاكمة في المنطقة العربية لسياسات الليبرالية الجديدة وإرسائها على مدار أربعين عاماً. لا مجال هنا لفحص تطورات الليبرالية الجديدة في الشرق الأوسط بالتفصيل، لذا سنتعرض لثلاث نقاط أساسية ذات أهمية خاصة في هذا التحليل.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>1- لم تستلزم الليبرالية الجديدة انسحاب الدولة من الاقتصاد، بل بالعكس، كما لاحظ الاشتراكي الثوري المصري سامح نجيب، فإن تبني سياسات الليبرالية الجديدة خلق &ldquo;علاقة أعمق بين الدولة ورأس المال&rdquo; (</strong><strong><span dir="LTR">Naguib 2011, 5</span></strong><strong>). عُرضت الصناعات والخدمات المربحة التي تديرها الدولة للخصخصة، بينما أُهملت أخرى وأُغلقت في النهاية، لكن هذه العملية مزجت بين الدولة ورأس المال الخاص، حيث كانت الخصخصة تعني في الأغلب بيع أصول الدولة لأبناء وبنات الأعضاء البارزين في الحزب الحاكم (</strong><strong><span dir="LTR">Haddad 2011</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>جرت أيضاً تغيرات حقيقية على مستوى الخدمات الاجتماعية، حيث حمّلت سياسات الليبرالية الجديدة نسبة أكبر من تكاليف هذه الخدمات على الفقراء، في حين حوّلتها إلى مصادر للربح في السوق. أما أولئك غير القادرين على دفع مبالغ كبيرة مقابل الرعاية الصحية والتعليم، فقد اتجهوا إلى مصادر &ldquo;خاصة&rdquo; أخرى؛ مثل المؤسسات الدينية والجمعيات الخيرية. وعلى نحو يثير السخرية، استفادت حركات المعارضة الإسلامية سياسياً من هذه العملية، حيث دمجت بين تقديم الخدمات الخيرية للفقراء والشرائح الدينا من الطبقة الوسطى، والدعوة للتقوى والمقاومة الثقافية &ldquo;للدولة العلمانية&rdquo; (</strong><strong><span dir="LTR">Harman 1994</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>وخلال الانتقال السلس إلى النظام الاجتماعي والسياسي الجديد، كثّفت هذه العملية التطور المركب واللامتكافئ في المنطقة. ازداد التفاوت بين الاقتصادات على المستوى القومي، وبين الاقتصادات وبعضها أيضاً. كما أدت إلى زيادة الاحتكاكات الناتجة عن الخلط بين مراحل مختلفة من التطور الرأسمالي. ولضيق المساحة في هذه المقالة، سنسلط الضوء فقط على نقطتين لهذا التفاوت أثبتتا أنهما هامتين بشكل خاص. أولاً الاحتكاكات التي نتجت عن التطور اللامتكافئ داخل الاقتصادات القومية، حيث امتزجت بعض المناطق في السوق العالمي وتدفق الاستثمارات على نحو أسرع من مناطق أخرى. والفجوة بين المناطق الساحلية في تونس، والمدن الداخلية الأكثر فقراً التي كانت مهد الثورة في مراحلها الأولى، لهي خير مثال على هذه المشكلة (</strong><strong><span dir="LTR">Joyce 2013</span></strong><strong>). عملية شبيهة جرت في الاقتصاد السوري، وانعكست في التطور السريع لانتفاضة 2011 في المحافظات الأكثر فقراً وضواحي المدن التي صارت موطناً لعشرات ممن هجروا الأراضي الزراعية هرباً من الجفاف بين 2008 و2010 (</strong><strong><span dir="LTR">Maunder 2012</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>النقطة الثانية، التي لا تقل أهمية، هي تزايد ثقل رأس المال الخليجي، في الشرق الأوسط وعلى المستوى العالمي أيضاً. بدأت تكتلات رأس المال الإنتاجي والسلعي والمالي في الاضطلاع بدور حاسم في المنطقة الأوسع؛ حيث الاستثمار في الإنتاج والخدمات، واستخدام الديون والديبلوماسية، والتهديدات أيضاً، من أجل خوض سياسات الليبرالية الجديدة بغية فتح أسواق جديدة (</strong><strong><span dir="LTR">Hanieh 2013</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>لم تلغِ الليبرالية الجديدة العلاقات السياسية والاجتماعية للطور السابق من الرأسمالية بأكملها، بل قد اندمجت فيها في مزيج جديد غير مستقر. وبعد 11 عاماً من الغزو الأمريكي، يظل الاقتصاد العراقي تحت سيطرة الدولة، وكما يقول البنك الدولي متحسراً في &ldquo;تقييم مناخ الاستثمار العراقي &ndash; 2012&Prime;: &ldquo;للقطاع الخاص دور محدود، ومحفزات التوسع ليس لها وجود&rdquo; (</strong><strong><span dir="LTR">Cordesman and Khazai 2014, 227</span></strong><strong>). لكن هذا لا يعني أن تطبيق الليبرالية الجديدة على الاقتصاد لم يكن لها تأثير، بل قد أعادت تشكيل المجتمع العراقي وسياساته بشكل كبير. هذه العملية أضعفت الدولة وراء واجهة حزب البعث من خلال العقوبات التي فُرضت على العراق في التسعينيات، ثم حطمتها جزئياً وأنشأت نظاماً مستبداً جديداً بعد 2003 تديره ميليشيات وأحزاب طائفية.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>2- المحور الثاني في هذا التحليل هو الطرح الذي قدمه كارل ماركس للإجابة على سؤال من أين تأتي الأفكار؟</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>سواء كنا نتفحص معتقدات دينية، أو أيديولوجيات طائفية، أو أبعاد سياسية لحركات إسلامية معينة، لابد أن ينفصل التحليل الماركسي عما هو مُسلَّم به بأن الأفكار تحيا من نفسها بمعزل عن الواقع المادي. في حالة الشرق الأوسط، بعض المحللين يذهبون حتى للقول بأن المعتقدات الدينية للشعوب التي تعيش هناك تحدد الواقع المادي، لذا فإن الدين يمكن فهمه فقط من خلال &ldquo;الضغائن القديمة&rdquo; (</strong><strong><span dir="LTR">Burleigh, 2014; Conant 2014</span></strong><strong>). ليس غريباً ولا مصادفةً أن مقاتلي داعش يستخدمون استعارات وصيغاً مشتقة من علم الأحياء أو علم الأوبئة للتعبير عن الأفكار التي يحملوها. يصف أليستاير كروك داعش، في مقالة قرأها كثيرون، بأنها &ldquo;تشوُّه&rdquo; في &ldquo;الجين الوهابي&rdquo;، على نحو مختلف عن الأيديولوجيا التي ابتدعها محمد بن عبد الوهاب، الإمام العربي في القرن الثامن عشر، وأتباعه في سياق التحالف الطويل مع سلالة آل سعود (</strong><strong><span dir="LTR">Crooke 2014</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>المشكلة في مثل هذه الأطروحات أنها دائماً خاطئة في هذا الموضوع؛ كروك بالطبع كان صائباً في أن &ldquo;الوهابية&rdquo; التي نثرتها السياسة السعودية الرسمية قد تبنتها مجموعات صارت تهدد الحكم السعودي نفسه. لكن من خلال تصوير أن الأفكار هي القوة الدافعة للتاريخ، فمثل هذه الأطروحات تحجب وتشوّه الطرق التي يتغير بها المجتمع. وكما يوضح كريس هارمان فإن &ldquo;تصرفات البشر ليست مستقلة عن الظروف التي يعيشون في ظلها. لكن هذا لا يعني أنهم يمكن اختزالهم فقط في الظروف المحيطة. البشر ينخرطون دوماً في تغيير العالم المادي الموضوعي من حولهم، بالتفاعل معه بطريقة تغيره وتغيرهم هم أنفسهم&rdquo; (</strong><strong><span dir="LTR">Harman 1986, 11</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>التاريخ الفعلي للعراق مختلف تماماً عن الصورة المُبسّطة التي يقدمها الإعلام. المجتمعات القبلية والعرقية والدينية ليست، ولم تكن، منفصلة عن بعضها. على سبيل المثال، كان الزواج بين السنة والشيعة شائعاً في منتصف القرن العشرين. وكان الإسلام (السني والشيعي) عابراً للاختلافات اللغوية بين العرب والأكراد والتركمان، بينما كانت هناك تحالفات قبلية بين رجال السنة والشيعة (</strong><strong><span dir="LTR">Batatu 2004; Zangana and Ramadani 2006, 60</span></strong><strong>). زد على ذلك أن تلك &ldquo;المجتمعات&rdquo; كانت منقسمة وفقاً للطبقة الاجتماعية &ndash; كبار ملاك الأرض ورجال الأعمال وكبار رجال الدولة يدعون أنهم يمثلون الجميع، بينما تختلف مصالحهم تماماً عن مصالح أغلبية المجتمع.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>وهكذا فإن الانقسامات الاجتماعية الأفقية، بالأخص تلك المبنية على العلاقات الاجتماعية التي تتشكل خلال عملية الإنتاج، تقدم صورة أكثر صحة عن المجتمع العراقي، بعكس الانقسامات الرأسية المبنية على الانتماءات الدينية أو القبلية. فعشرون عاماً من الحرب والحصار والعقوبات قد خلقت قاعدة مادية جديدة للوعي الطائفي. رجال الدين الذين بإمكانهم مضاعفة تأثير خطبهم ومواعظهم الدينية من خلال السماح للعائلات باستخدام مولّدات الكهرباء الخاصة بالمساجد، أو زعماء القبائل الذين يستخدمون صلاتهم بموظفي الحكومة لتوفير فرص عمل لمؤيديهم، هؤلاء خلقوا علاقات اجتماعية تعمل على ربط طبقات مختلفة ببعضها، برغم تناقض العلاقات &ldquo;الحقيقية&rdquo;.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>لا يمكن حساب قوة أو ضعف هذه العلاقات الاجتماعية بمعزل عن حال علاقات اجتماعية أخرى، في مجتمع تفتته الحرب الأهلية، حيث يترك الملايين منازلهم، وحيث يُعتبر الحصول على وظيفة يقدمها زعيم قبيلة أو ميليشيا طائفية مسألة حياة أو موت بالنسبة للأفراد وعائلاتهم. في سياقات مثل هذه، تتضاءل الفرص أمام العمال في اختبار التضامن الطبقي في الممارسة العملية.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>وبالمثل، لا يمكن أن نبدأ في فهم الحركات الإسلامية من الأفكار التي يرددونها، بل من محتواها الاجتماعي، وبعبارة أخرى؛ من العلاقة بين الأعضاء والقادة والانقسامات الطبقية في المجتمع. تنطوي الحركات الإسلامية الكبيرة، مثل الإخوان المسلمين، على تناقضات اجتماعية في هياكلها، بمصالح طبقية للقيادات تخالف في الأغلب طموحات أعضائها من الطبقة العاملة وفقراء المدن والشرائح السفلى من الطبقة الوسطى (</strong><strong><span dir="LTR">Harman 1994; Naguib 2006</span></strong><strong>). أما داعش، فلها سمة مختلفة تماماً كحركة؛ فهي تنظيم عسكري نخبوي تجذرت خلال التنافس بين الكتل الطائفية في العراق أثناء الاحتلال الأمريكي. هذا ما سنبحثه بالتفصيل أسفل المقالة. لكن هذا لا يعني أن التنظيم غير قادر على الاستفادة من التطلعات المتناقضة للناس من طبقات اجتماعية مختلفة في التغيير الاجتماعي، وكذلك من هزيمة أو تهميش قوى أخرى ظهرت لتحقيق هذه التطلعات. على سبيل المثال، انتعشت داعش إثر عرضها حماية السنة من الاضطهاد الممنهج على أيدي الأحزاب الشيعة الطائفية في قيادة الدولة العراقية. إلا أن المشروع الطائفي لداعش، بهيكلها العسكري ورفضها أي برامج للتغيير السياسي أو الاجتماعي الذي يبتغيه الناس العاديون، يعني أن الاشتراكيين الثوريين لا يمكن أن يروا هذا التنظيم من نفس المنظور الذي يرون به حماس أو حزب الله أو قوى إسلامية مسلحة أخرى. داعش لا تقدم حتى مساراً منحرفاً للتعبير عن المآسي الاجتماعية والسياسية الحقيقية التي تعاني منها جماهير الناس العادية، بل تسد هذا المسار تماماً.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>3-&nbsp; المحور الثالث هو التحليل الماركسي للإمبريالية في المنطقة، وبالأخص التأثير الكارثي للتدخل الأمريكي في العراق. وكما قدم أليكس كالينيكوس شرحاً مطولاً سابقاً هنا في مجلة &ldquo;الاشتراكية الأممية&rdquo; وفي مقالات أخرى، فإن فشل هذا &ldquo;المشروع المتغطرس&rdquo; له نتائج عميقة على المستويين الإقليمي والدولي (</strong><strong><span dir="LTR">Callinicos 2014a, 19; Callinicos 2014b; Callinicos 2009</span></strong><strong>). وكما ذكرنا أعلاه، فقد أدى التمدد الإمبريالي للولايات المتحدة في العراق، مع إعمال الليبرالية الجديدة في المنطقة، إلى إنشاء مراكز وأطراف متعاركة على مستويات عدة. وقد أتاح الضعف النسبي للهيمنة الأمريكية الفرصة أمام القوى المحلية للمناورة ضد بعضها البعض، كما وفّر مساحات تصعد فيها أطراف جديدة غير متوقعة مثل داعش. علاوة على أن المزيد من التدخل الإمبريالي لـ&rdquo;حل&rdquo; المشاكل التي أنتجتها تدخلات سابقة &ndash; سواء من خلال الغارات الجوية أو الغزو البري &ndash; لن يؤدي إلا إلى التأكيد على مزاعم داعش بالدفاع عن الشعب تحت سلطتها، أو تمهيد الطريق لصعود حركات شبيهة خلفاً لها. وبرغم أن لا مجال هنا لفحص العلاقة بين الإمبريالية في الشرق الأوسط وصعود العنصرية والإسلاموفوبيا في أوروبا والولايات المتحدة، إلا أن هذه العمليات متصلة ببعضها بشدة لتغذي حالة الاغتراب لدى بعض مجندي داعش من الأجانب.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>النقطة المحورية الأخيرة التي يستند إليها هذا التحليل هي فهم دور العامل البشري في تحديد نتائج العمليات طويلة الأمد. يمكننا أن نعتبر أن هذه قضية ربط مستويات مختلفة للتحليل معاً؛ فأحد مصادر قوة الماركسية الثورية وتماسكها هو قدرتها على ربط الأفعال الفردية والجماعية باستخلاصات تعيننا على فهم أفضل لكيفية عمل المجتمع وسريانه. يقدم التحليل الماركسي منظور فريد إذ يتمسك بالعامل الأساسي الذي يمكنه توفير بديل حقيقي عن داعش &ndash; التدخل الفعّال لجماهير الناس العادية عبر المنطقة في نضال من أجل مطالب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، التي أضحت شعارات مميزة لثورات 2011.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>العراق بعد 2003: الديمقراطية التوافقية والليبرالية الجديدة غرسا الطائفية في المجتمع </strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>أرسى الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003 الأسس التي حوّلت الدولة والمجتمع العراقيين، تلك الأسس التي أدت بشكل مباشر (لكن على نحو غير حتمي) إلى ظهور داعش في 2014. اندمجت السياسة &ldquo;التوافقية&rdquo; التي تبناها المسئولون الأمريكيون فيما يتعلق بحكم العراق، مع الليبرالية الجديدة المتطرفة التي قدمها أمثال بول برايمر، الذي عُيِّن لإدارة السلطة الائتلافية المؤقتة عقب الغزو الأمريكي، لتنتج مزيجاً مسموماً في مجتمع هشّمته العقوبات والحرب والاحتلال. توقع المسئولون الأمريكيون بكل ثقة أن بإمكانهم الإبقاء على الآليات التي أرسوها في 2003 لتعمل في صالحهم وتدفع التوازن الطائفي في الاتجاه &ldquo;الصحيح&rdquo; من وقت لآخر كلما كان ذلك ضرورياً. لكن في الحقيقة، أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، وسرعان ما فقدوا السيطرة على النظام الذي خلقوه، ولم يكن بوسعهم سوى تصويب الأمور بشكل مؤقت من خلال ضخ أموال هائلة وقوات عسكرية إضافية أثناء تمرد 8 &ndash; 2007.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>من المهم أن نضع التطورات بعد 2003 في سياقها الصحيح. لم يكن المجتمع العراقي قبل 2003 متطهراً من الطائفية، فطالما كان حكم البعث يستخدم ورقة الطائفية ويحفّز الانقسامات العرقية في سعيه للحفاظ على سلطته. على سبيل المثال، كانت الدعاية البعثية تصوّر كافة مجموعات المعارضة الشيعية كـ&rdquo;طابور خامس&rdquo; يعمل لصالح إيران، كما تعمّد النظام نقل الكثير من السكان العرب إلى المناطق الكردية شمالي العراق لإحكام السيطرة على المدن الغنية بالنفط &ndash; كركوك والموصل. وعلى الرغم من ذلك، ظل تأثير الطائفية مثبّطاً بسبب عددٍ من العوامل، من ضمنها اختلاط العراقيين من خلفيات دينية مختلفة في التوظيف الحكومي. لقد عاشت نسبة كبيرة من الأكراد في العاصمة العراقية، بغداد، حتى في ظل حرب صدام حسين على التمرد الكردي في الشمال (</strong><strong><span dir="LTR">Zangana and Ramadani 2006</span></strong><strong>). ونذكر أيضاً أن أغلبية الجنود الشيعة العراقيين لم يخرقوا قواعد الجيش أثناء الحرب العراقية الإيرانية، حتى برغم جهود بعض القوى الشيعية لحثّهم على الانضمام إلى الإيرانيين أصحاب نفس الديانة. ناهيكم عن تراث النضالات السياسية الكبرى في الأربعينيات والستينيات، التي كان يسود فيها التنافس بين تيارات علمانية، مثل الحزب الشيوعي وحزب البعث نفسه، في إطار حركة الإضرابات والاحتجاجات الاجتماعية، ذلك التراث الذي ظل مؤثراً في الجيل القديم من النشطاء (</strong><strong><span dir="LTR">Alexander 2003; Batatu 2004</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>إلا أن هزيمة القوات العراقية في 1991، وحالة الإفقار الشديد التي أصابت المجتمع كنتيجة للعقوبات التي فُرضت بعد ذلك مباشرةً، قد وفرا تربة خصبة لزرع جذور الطائفية. وفي محاولته للالتفاف حول تأثير الانتفاضة التي بدأت في الجنوب، اتجه النظام العراقي للبحث عن حلفاء يفرضون سلطة عسكرية وسياسية نيابةً عن الدولة. ومن ثم أنشأ صدام حسين دائرة شئون العشائر من أجل تنظيم العلاقات بين زعماء القبائل الذين قَوَت شوكتهم بسبب ضعف الحكومة المركزية. كما قدم نفسه كزعيم سني عظيم يتحكم في المؤسسة الدينية السنية. في نفس الوقت، أخلى ضعف مؤسسات الدولة، تحت ضغط الحصار والعقوبات الدولية، الساحة ليتمدد فيها نشاط المؤسسات الدينية، حيث تقديم الخدمات الصحية والتعليم، إلخ، لنسب متزايدة من السكان اليائسين (</strong><strong><span dir="LTR">Alexander and Assaf 2005a</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>منذ البداية، حتى قبل أن تطأ أقدام المسئولين الأمريكيين أرض بغداد، كانوا قد قرروا التعامل مع العراق كبلد يتشكل من طوائف مختلفة ومتنافسة. يبدو أن هذه الرؤية للمجتمع العراقي كانت مبنية على حسابات دقيقة لنسب السكان من العرب الشيعة، والأكراد السنة، والعرب السنة، في خريطة للعراق انتشرت بشكل واسع بين المسئولين الأمريكيين في 2003 (</strong><strong><span dir="LTR">International Crisis Group 2013, 4</span></strong><strong>). لقد سعوا بكل جهدهم لإنشاء &ldquo;ديمقراطية توافقية&rdquo; تتوزع فيها السلطة بين ممثلين عن طوائف دينية وقومية مختلفة وفقاً لنظام الكوتة. وهكذا كان &ldquo;التوازن&rdquo; الطائفي &ndash; وما استتبعه بطبيعة الحال من &ldquo;تنافس&rdquo; طائفي &ndash; هدفاً منذ البداية في العراق تحت الاحتلال الأمريكي (</strong><strong><span dir="LTR">Alexander and Assaf 2005a; Zangana and Ramadani 2006</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>استخدمت الأحزاب السياسية، التي يرتبط مصيرها بالطائفية، واستغلت نظام الكوتة في التعيينات. وكما يوضح توبي دودج، فإن هذا النظام &ldquo;قسّم الدولة العراقية وخصخصها، وسمح للنخبة السياسية العراقية بتجريف أصول الدولة لمصالحهم الشخصية ولتمويل الأحزاب التي يمثلونها&rdquo; (</strong><strong><span dir="LTR">Dodge 2014, 17</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>&nbsp;سبب آخر في تصاعد هذه العملية وخروجها عن السيطرة هو تعدي الليبرالية الجديدة على ما تبقى من البنية التحتية في العراق. هرع بول برايمر لسن قوانين تطرح القطاع العام والخدمات الصحية وغيرها للخصخصة. وبالرغم من تحقيق الشركات الأمريكية الكبرى أرباحاً سريعة من عقود الخصخصة تلك، إلا أن المستفيد الأول والأساسي من تفتيت وتجزئة الدولة العراقية لم يكن المستثمرين الأجانب، بل رجال الأعمال المحليين وزعماء الميليشيات وقيادات الأحزاب الطائفية الذين نجحوا في تحويل الكثير من المؤسسات إلى مصادر تدرّ الربح.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>أول من استفاد سياسياً من هذه العملية كانت الأحزاب الشيعية القريبة من الولايات المتحدة، مثل حزب الدعوة، ومنافسه المجلس الإسلامي الأعلى في العراق. لقد بذلا أقصى جهودهما لحشد الشيعة على أساس طائفي لتأييد الاحتلال، في محاولة لقطع الطريق على قوى شيعية أخرى مثل حركة مقتضى الصدر التي ناهضت الولايات المتحدة. وكذلك استفاد الأكراد المتحالفون مع الولايات المتحدة، بتنصيب رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني رئيساً للجمهورية في 2005. ومن ثم أحكم الاتحاد الوطني، جنباً إلى جنب مع حزب العمال الكردستاني، قبضتهما على المناطق ذات الأغلبية الكردية شمالي العراق، تلك المناطق التي حظت باستقلال ذاتي خلال التسعينيات تحت غطاء الحظر الجوي الذي فرضته الولايات المتحدة.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>لقد عكست دعوات الأحزاب الشيعية المتحالفة مع الولايات المتحدة لتماسك ووحدة المجتمع الشيعي، وأوضحت الخطر الذي تتعرض له المؤسسة السياسية الجديدة، وهو التمرد الموحد للشيعة والسنة سوياً. وحتى إن كانت أطراف مقاومة الاحتلال غير مُنسَّقة فيما بينها، فالواقع كان يقول أن هجمات المقاتلين السنة في الفلوجة جنباً إلى جنب مع مقاتلي مدينة الصدر الشيعة كانت تضع الاحتلال وحلفاءه موضع تهديد بإرباك مخططاتهم لحكم العراق. وقد أوضحت استطلاعات الرأي التي أجرتها الصحف الأمريكية الكبرى، والحكومة الائتلافية المؤقتة أيضاً، في مارس ومايو 2004، أن 80% من العراقيين، في كلٍ من المناطق السنية والشيعية، كانوا يرون القوات الأمريكية كقوات احتلال، فيما أراد 81% أن ترحل هذه القوات عن الأراضي العراقية على الرغم من حقيقة أن المناطق السنية قد تحملت وطأة الاضطهاد طويلاً (</strong><strong><span dir="LTR">Alexander and Assaf 2005a, 27</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>لقد أظهر رفض القوات الشيعية مشاركة القوات الأمريكية قمع المقاومة في الفلوجة في 2004 مشكلة سياسية، وعسكرية أيضاً (</strong><strong><span dir="LTR">Alexander and Assaf 2005a</span></strong><strong>). إلا أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد نجحوا منذ البداية في إجهاض وحدة المقاتلين من مختلف الطوائف في المناطق ذات الأغلبية السنية والشيعية. كما تمكنوا من عزل المناطق الأساسية للمقاومة العسكرية في غرب العراق، بالأخص في الفلوجة. اكتمل الأمر باستراتيجية تتلخص في تعزيز فكرة وجود مصالح شيعية مشتركة في تأمين السلطة في هياكل دولة ما بعد البعث. وقد كان تدخل آية الله علي السيستاني، الرمز الشهير في المؤسسة الدينية الشيعية، أمراً شديد الأهمية في هذا الشأن، فقد أيّد السيستاني بقوة المشاركة في الانتخابات البرلمانية عام 2005، مما جعل من الصعب للغاية على قيادات شيعية مناهضة للولايات المتحدة، مثل مقتضى الصدر، أن تؤيد دعوات مقاطعة الانتخابات التي أطلقها السنة (</strong><strong><span dir="LTR">Alexander and Assaf 2005b</span></strong><strong>).&nbsp; </strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify">&nbsp;</p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>صعود القاعدة وقوات الصحوة </strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>خلال عامي 2004 و2005، انحسرت بشدة فرص بناء تحالفات سياسية وعسكرية عابرة للطوائف ضد الولايات المتحدة. وأحد أهم أسباب ذلك كان توطيد الإجماع الطائفي لدى الأحزاب الشيعية الرئيسية، التي اتفقت جميعها على هدف السيطرة على جهاز الدولة. هذا بالإضافة إلى عجز قوات المقاومة الشيعية للاحتلال، مثل جيش مقتضى الصدر، عن الخروج من الإطار الطائفي. عاملٌ آخر مهم أيضاً هو استراتيجية الولايات المتحدة لتحطيم المقاومة العسكرية بهجمات واسعة النطاق في الفلوجة ومدن أخرى بمحافظة الأنبار. هذه العوامل مجتمعة خلقت أيضاً فراغاً تنمو فيه فصائل سنية جهادية طائفية، مثل تنظيم القاعدة.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>تأسس تنظيم القاعدة في العراق على يد إسلامي أردني (أبو مصعب الزرقاوي)، ومن ثم تعهد التنظيم بالولاء لأسامة بن لادن. في البداية، كانت التكتيكات الطائفية الوحشية لتنظيم القاعدة في العراق تحظى فقط بتأييد محدود بين العراقيين. وبرغم أن وجود القاعدة في غرب العراق كان مرتبطاً بالسمعة التي جنتها في إثبات فاعليتها ضد القوات الأمريكية، إلا أن قادة التنظيم ركزوا على إشعال الحرب الأهلية الطائفية من خلال التفجيرات التي دبروها للأضرحة الشيعية والحجاج الشيعة (</strong><strong><span dir="LTR">Alexander and Assaf 2005a</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>لقد مثّل التحالف المؤقت بين المجموعات الجهادية والمقاتلين المقاومين للاحتلال الأمريكي في غرب العراق مشكلة عسكرية وسياسية ضخمة أمام الولايات المتحدة. والانتصار في المعارك الجزئية، مثلما حدث في الفلوجة، قد خلق ظروفاً مناسبة للتمرد والمقاومة بشكل دائم ضد القوات الأمريكية ما لم يجد القادة العسكريون الأمريكيون شركاء محليين قادرين على تقويض الدعم المُقدَّم للمقاتلين. وفي 2006، بدا أنهم نجحوا في تمزيق التحالف التكتيكي بين القوات الجهادية والمجموعات المسلحة الأخرى في الأنبار.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>من المهم هنا التحدث عن قوات &ldquo;الصحوة&rdquo; العراقية بشيء من التفصيل، إذ يكرر الآن المسئولون الأمريكيون والعراقيون نفس عناصر الاستراتيجية كرد فعل على فشلهم الكارثي في احتواء داعش في 2014. تأسست مبادرة &ldquo;الصحوة&rdquo; بناءاً على شراكة عسكرية بين القوات الأمريكية وعددٍ من زعماء القبائل في الأنبار، فيما تولّت القوات الأمريكية عملية تدريب وإمداد المتطوعين بالسلاح، أولئك المتطوعين الذين انضموا للقتال ضد القاعدة (</strong><strong><span dir="LTR">Montgomery and McWilliams 2009</span></strong><strong>). كانت &ldquo;الصحوة&rdquo; تحظى بتشجيع ودعم زعماء القبائل من الدرجة الثانية أو الثالثة، بينما فرّ الزعماء الأبرز إلى المنفى بسبب تصاعد العنف في البلاد (</strong><strong><span dir="LTR">Al-Jabouri and Jensen</span></strong><strong>). وتشير مصادر أخرى إلى أن القاعدة في العراق قد شكلت تحدياً اجتماعياً أمام سلطة زعماء القبائل، فيما جذبت إليها آخرين من المهمشين في الهيكل القبلي (</strong><strong><span dir="LTR">International Crisis Group 2014</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>التحالف بين القاعدة في العراق والمجموعات المتمردة في الأنبار كان مبنياً بشكل كبير على اعتبارهم أن القوات الأمريكية هي التهديد الأساسي لأمن السكان المحليين، فلمدينة الفلوجة خبرة مريرة للغاية مع الاحتلال الأمريكي والحكومة العراقية، على سبيل المثال؛ حاصرت القوات الأمريكية المدينة واقتحمتها مرتين خلال عام 2004 وحده.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>&ldquo;دمر هجوم 2004 حوالي 70% من البنية التحتية في المدينة، بما يشمل 36 ألف مبنى، و8400 محل تجاري، وثلاثة خطوط أنابيب لتنقية المياه، ومحطتي كهرباء. وحينما عاد المدنيون، تعقبتهم الولايات المتحدة بالكشف عن البصمات وحدقة العين. كان كل شخص مجبراً على إشهار بطاقة أصدرتها لهم القوات الأمريكية للدخول إلى المدينة أو الخروج منها&rdquo; (</strong><strong><span dir="LTR">International Crisis Group 2014, 9</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>أهدرت القاعدة في العراق مصداقيتها بشن حملات وحشية، بالقتل والترهيب، من أجل بسط سلطتها على حلفائها وعلى المناطق تحت سيطرتها. قوبلت تكتيكاتهم الطائفية بالرفض من جانب أهالي الأنبار الذين شعروا بالاغتراب والتهميش بسبب الطائفية المتنامية في الدولة العراقية، لكنهم لم يشنوا في المقابل حرباً أهلية طائفية (</strong><strong><span dir="LTR">International Crisis Group 2014</span></strong><strong>). تُظهر شهادات من الجيش الأمريكي، يفوق حجمها الـ 300 صفحة للتأريخ عن قوات &ldquo;الصحوة&rdquo;، كيف بذل الضباط الأمريكيون جهداً هائلاً من أجل &ldquo;كسب القلوب والعقول&rdquo; (</strong><strong><span dir="LTR">Montgomery and McWilliams 2009</span></strong><strong>). وهنا تصف مريم، زوجة ضابط شرطة عراقي، عمل الكابتن ستيفين، الضابطة الأمريكية التي عملت معها ومع أخريات في منظمة مجتمع مدني محلية:</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>&ldquo;كانت ستيفين توزع الهدايا، وكنا نطلق عليها &ldquo;سانتا&rdquo; أو &ldquo;ماما كلوز&rdquo;. كانت تساعد من يريد الأمان، وتساعد النساء في إيجاد عمل. وضعت ضوابط على من تقوم بتعيينه، بحيث تستهدف حديثات التخرج العاطلات&hellip; كانت التمردات سائدة في ذلك الوقت، في حين لم تتوافر أي حصص من الغذاء أو أي إمدادات، فيما عدا عن طريق ستيفين. لقد أحضرت حمولة من 1500 حصة&rdquo; (</strong><strong><span dir="LTR">Montgomery and McWilliams 2009, 43</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>أما قوات &ldquo;أبناء العراق&rdquo; فقد كان برنامجها يمثل محاولة لنقل نموذج &ldquo;الصحوة&rdquo; إلى المناطق ذات الأغلبية السنية. جنّدت القوات الأمريكية حوالي 100 ألف من المتطوعين، أغلبهم من السنة، من كافة أنحاء العراق، بمرتب شهري 300 دولار للفرد الواحد. وحينما تحسَّن الوضع الأمني، وعد القادة العسكريون الأمريكيون متطوعي &ldquo;أبناء العراق&rdquo; بوظائف في قوات الأمن العراقية أو في الخدمات المدنية. وفي 2009، انتقل البرنامج رسمياً إلى يد الحكومة العراقية، على الرغم من أن حكم المالكي قد رأى في &ldquo;الآلاف من المسلحين السنة تهديداً استراتيجياً&rdquo;، فعمد إلى حل وحدات &ldquo;أبناء العراق&rdquo;، مع نفي وإعدام البعض دون أحكام قضائية (</strong><strong><span dir="LTR">Dermer 2014</span></strong><strong>).</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>شكل كلٌ من &ldquo;الصحوة&rdquo; و&rdquo;أبناء العراق&rdquo; جزءاً من الاستراتيجية الأمريكية في العراق، حيث أدى ذلك إلى تضخيم عدد الجنود الأمريكيين في العراق ليصل إلى 166 ألف بحلول 2007، وهذه القوات على الأراضي العراقية، والتمويل الضخم الذي تلقته، كانت سبباً في النجاح المؤقت &ldquo;للصحوة&rdquo;. وكما يوضح القائد العسكري في العراق خلال تلك الفترة، ديفيد بتروس، في اعتراف ضمني منه في مقالة مطولة وشديدة التعالي نُشرت في أكتوبر 2013، فلقد استلزم الأمر تغييراً تكتيكياً للقوات الأمريكية بعد 2007، ألا وهو استعادة السيطرة بشكل كامل على بغداد، بكل أحيائها، حيث تأسيس قواعد عسكرية محلية صغيرة نسبياً للقوات الأمريكية التي تمركزت من قبل في قواعد كبيرة بعيداً عن السكان المحليين.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>لكن بنظرة أكثر عمقاً، نستطيع أن نتعرف على السبب الذي جعل هذا النجاح سطحياً وقصير الأمد. لم تكن &ldquo;الصحوة&rdquo; تمثل قطيعة مع استراتيجية &ldquo;فرِّق تَسُد&rdquo; الطائفية، بل لقد جسّدت الجهود الأمريكية لتحقيق توازن طائفي في صالح النخب الاجتماعية والسياسية العربية السنية في غرب العراق، بعدما أظهر مقاتلو المنطقة أنهم لن يُساقوا كالماشية تحت أي ظرف. أما العوامل التي سهّلت ذلك فكانت الأموال والوظائف والأسلحة، بينما ساعدت الأساليب الوحشية التي اتبعتها القاعدة في العراق الولايات المتحدة بالتسبب في حالة اغتراب لدى مؤيديها. لم تفعل القاعدة شيئاً لتحدي عملية طوئفة الدولة، بل على العكس؛ لقد ساهمت في المزيد من التفكك والانحلال بإنشاء مجموعات وكيانات جديدة قاصرة فقط على المسلحين السنة.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify">&nbsp;</p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>نوري المالكي وفشل الدولة الطائفية </strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>السنوات التي تلت &ldquo;انتصار&rdquo; الولايات المتحدة في 2008 كانت بمثابة تكرار لنفس النمط الكئيب المألوف الذي ساد في الفترة بين 2003 و2006. سعت الأحزاب السنية للتفاوض من أجل مكانٍ لها في جهاز الدولة الطائفي، وتعلقت آمالهم بالتعاون مع الولايات المتحدة، كما بنوا جسراً من الثقة بينهم وبين الأحزاب الشيعية المنافسة، مثل حزب الدعوة الذي يتزعمه نوري المالكي. ثم جاءت الانتخابات البرلمانية في 2010 لتنذر بـ&rdquo;إعادة التوازن&rdquo; بين الكتل السياسية والطائفية داخل الدولة، حيث حظت قائمة &ldquo;العراقية&rdquo; بأغلبية المقاعد، تليها قائمة &ldquo;دولة القانون&rdquo; للمالكي.</strong></span></span></sup></p> <p dir="RTL" style="text-align:justify"><sup><span style="color:#000000"><span style="font-size:18px"><strong>تزعم قائمة &ldquo;العراقية&rdquo; البعثي السابق إياد العلوي، وكانت بمثابة تحالف حزبي عابر للطوائف يتضمن عدداً من المجموعات التي تمتعت بجذور قوية في المناطق ذات الأغلبية السنية في العراق. فيما كان رد فعل المالكي للهزيمة غير المتوقعة في الانتخابات أن ألغى النتائج وفرض حكومة تحت قيادته من قائمة &ldquo;دولة القانون&rdquo;. أصدر القضاة من مؤيدي المالكي أحكاماً قوّضت طلب كتلة &ldquo;العراقية&rdquo; بتشكيل الحكومة. وبناءاً على اعترافات الحراس الشخصيين لنائب رئيس الجمهورية السني، طارق الهاشمي، حوكم الهاشمي بتهم الإرهاب وتنظيم فرق قتل، ومن ثم حُكِمَ عليه غيابياً بالإعدام وهو أكثر السياسيين السنة في الدولة العراقية بروزاً. السياسيون السنة الكبار، مثل وزير المالية رافع العيساوي، كانوا مُستهدَفين، وق?