قاسيون_ فاطمة السويد
أحيا السوريون في مناطق الشمال السوري ذكرى المجزرة الكبرى التي قامت قوات النظام بمدينة داريا الواقعة في ريف دمشق، والذي يصادف يوم الخامس والعشرين من شهر آب، والتي أسفرت عن مقتل ما يقارب 700 مدني، إثر عمليات تصفية وإعدام ميداني، معظمهم من النساء والأطفال.
تفاصيل المجزرة
وفي تفاصيل المجزرة: برز اسم المدينة في بداية الثورة حين خرج أهلها مطالبين بسقوط الأسد، من خلال مظاهرات سلمية، وكانت إحدى النماذج السلمية لأهالي المدينة إعطاء جنود الأسد عند دخولهم داريا "وردة وزجاجة ماء"، إلا أن هذهِ المبادرة قوبلت بالرصاص الحي.
لم تمنع تلك المودة التي أظهرها أهالي المدينة لذلك النظام المجرم وعصابته الطائفية، من أن يواجه تلك المظاهرات بآلته المُدمرة مما دفع أهالي المدينة إلى حمل السلاح ومواجهة جرائم تلك الميليشيات، داريا التي تتمتع بموقع استراتيجي قريب من مركز العاصمة السورية دمشق، ومتاخم لمطار المزة وليس بعيداً عن القصر الرئاسي، جعل من تلك المدينة كابوساً يؤرق الأسد وأعوانه، ويشكل تهديدا حقيقيا نظامه الحاكم.
أغسطس آب من العام 2012
في هذا الوقت كانت المدينة قد خضعت لسيطرة الثوار بشكل شبه كامل، لم يكن يدري أهلها أنهم على موعد مع أبشع مذبحة سيشهدها التاريخ على يد جزارين الأسد.
في ثاني أيام عيد الفطر، قطع الأسد الاتصالات والكهرباء عن المدينة، واستقدم عشرات الدبابات إلى المنطقة، والتي أحاطت بالمدينة ومنعت دخول أو خروج أي أحد منها، تزامن ذلك مع قصف مدفعي وصاروخي على المناطق السكنية.
لم تكتفي ميليشيا الأسد بذلك بل قامت بتجهيز عناصر الفرقة الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد شقيق بشار، وبمشاركة ميليشيات إيرانية وميليشيات حزب الله الإرهابي من أجل اقتحام المدينة.
حاول الثوار التصدي لتلك الميليشيات، إلا أن سياسة الأرض المحروقة التي أنتهجها النظام من قصف وتدمير أدت لدمار واسع وأرقام مرعبة في أعداد الضحايا، في حين لا يملك الثوار سوى الأسلحة الفردية ما اضطره إلى الانسحاب من المدينة، وعودتها إلى سيطرة نظام الأسد وميليشياته، وما كان من تلك الميليشيا إلا أن أمعنت في القتل بدم بارد، حيث أقدمت تلك الميليشيا خلال سبعة أيام على ارتكاب مذبحة بحق المدنيين من النساء والأطفال وكبار السن المتواجدين في المدينة.
الإحصائيات الرسمية تشير إلى مقتل أكثر من 700 مدني، جميعهم فقدوا حياتهم بإعدامات ميدانية، كما تم التمثيل بجثثهم، بالإضافة إلى أكثر من ألف شخص لم يُعرف مصيرهم حتى يومنا هذا.
تحقيق لصحيفة الغارديان بعد عقد عن المجزرة:
وبعد عقد كامل على ارتكاب تلك المذبحة، أعلنت الغارديان في تقرير نشر حديثا، أن قام فريق من المحققين والمحققات قام بتوثيق 23 شهادة لأشخاص عاينوا وعايشوا تفاصيل مجزرة داريا، التي ارتكبتها قوات النظام السوري وحلفاؤها في 25 آب من عام 2012، والتي أودت بحياة أكثر من 700 مدني، واعتقلت وهجرت خلالها المئات غيرهم من أبناء وبنات مدينة داريا.
قدمت الغارديان في تقريرها توثيقات جديدة لتلك المجزرة عمل عليها فريق مختص من المجلس السوري – البريطاني، ومعلومات تفصيلية تُروى للمرة الأولى بدءاً من حصار قوات النظام السوري المدينة في 20 آب ، وقطع كل خطوط الاتصال معها ومنعها السكان من المغادرة، مروراً بالقصف المكثف والعشوائي على الأحياء السكنية والمدارس والمستشفيات.
كما وثق التحقيق يوم 24 الذي شهد اقتحام تلك القوات المدينة وارتكابها مجموعة واسعة من الإعدامات الميدانية، مما أسفر عن مقتل عائلات بأكملها رجالاً ونساءً وأطفالاً. وسعى التقرير الاستقصائي إلى تحديد الأفراد والجهات المسؤولة عن الفظائع التي ارتُكبت في مدينة يعتبرها السوريون والسوريات منارة للحراك السلمي والكفاح غير العنفي، وذلك بهدف تحقيق العدالة لجميع الذين فقدوا حياتهم أو اختفوا دون معرفة مصيرهم حتى الآن.
تقول الدكتورة "ياسمين النحلاوي"، المحققة الرئيسية في فريق المجلس السوري – البريطاني: إن الشهود الذين تحدثنا معهم وصفوا لنا أعمال القتل والقصف والاعتقال والنهب التي شهدوها بأنفسهم، وقاموا بمشاركتنا صورهم وفيديوهاتهم.
وتابعت المحققة: "أن تصميم الشهود على توثيق ما جرى معهم قوبل بفشل ذريع من المؤسسات الدولية في تحقيق العدالة لهم ومحاسبة الجناة عن جرائم الحرب المرتكبة في سوريا، مشددة على ضرورة أن يعرف العالم حقيقة ما جرى في داريا قبل عقد من الآن. قدم تقرير داريا بعد عقد من الزمن: شهادات بالغة الأهمية، بحسب المشرفين عليه، مثل شهادة رجل يبلغ من العمر 59 عاماً، كان مسؤولاً عن تحديد أماكن جثث ضحايا المجزرة وترتيب دفنها، حيث انتشل بنفسه 50 جثة من ثلاجة بشاحنة تابعة لمستشفى النظام في دمشق وأعادها إلى مدينة داريا لدفنها، إضافة إلى شهادة سيدة من المدينة وصفت كيف اقتحم الجيش منزلها واعتقل زوجها في يوم المجزرة، والذي لا يزال مختفياً حتى الآن.
تقول الشاهدة: "كنت أسألهم باستمرار لماذا وإلى أين تأخذونهم كنت أتوسل الضباط أن يخلوا سبيلهم. ووسط بكاء أطفالي قال لي أحد الضباط: إذا استمريت بالكلام فسأطلق النار على أطفالك أمامك. وتتابع: لن أنسى أنا وأطفالي، هذه الحادثة ما حيينا حتى ابني الذي كان يبلغ عامين ونصفاً وقتها لا يزال يذكر ما جرى حتى اليوم.
وأعلن المجلس السوري – البريطاني بأنه سيقوم بنشر هذا التقرير المفصل خلال جلسة تفاعلية مفتوحة في الذكرى العاشرة لمجزرة داريا، بحضور عدد من شهود العيان والخبراء القانونيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين في مجال المحاسبة والمساءلة في سوريا.
شهود عيان:
قال أحد الشهود في حديثه عن الأحداث: “بدأ تصعيد النظام ضد مدينة داريا في اليوم الأول أو الثاني من العيد (19 أو 20 آب). أصبح القصف أسوأ من المعتاد. كان هناك قصف بقذائف الهاون وأنواع أسوأ من القصف بأسلحة لم نكن نعرفها".
فيما أضاف آخر: "علمنا أن دور منطقتنا جاء عندما توقفت قذائف الهاون"، فيما قال أحد الشهود للباحثين إن المشهد في المستشفى بعد إحدى الهجمات كان "مروعاً، مثل يوم القيامة".
وتابع "كان مشهد الدم مخيفًا. ما زلت أتذكر صرخات الناس. كان الجميع ينادون باسم أحبائهم.. أتذكر أنني أتساءل عما إذا كان بعض الناس أمواتًا أو أحياء لأنهم توقفوا عن الصراخ".
وبحسب التقرير فإن المحققين تمكنوا من التعرف على ميليشيات أسد وميليشيات إيران وحزب الله المتورطة في الهجمات من خلال زيهم وشاراتهم وأسلحتهم. كما حدد الفريق بعض الأفراد المسؤولين.
مجزرة داريا الكبرى حكاية لا تنسى من حكايا الإجرام الأسدي:
أثارت مجزرة داريا ادانات دولية كبيرة وخرجت التصريحات من قبل مسؤولين دوليين مثل آمين عام الأمم المتحدة سابقاً
"بان كي مون " الذي اعتبرها جريمة مروعة ووحشية وغيره أيضاً كالوزير البريطاني المختص بالشرق الأوسط، فيما أكد " آليستر بيرت" " إن المجزرة انتهاك جديد إدانة حازمة من المجتمع الدولي بأكمله".
وبالرغم من تلك التصريحات إلا أن المجتمع الدولي لم يتخذ أي خطوات حقيقية لمحاسبة نظام الأسد الذي ارتكاب مئات المجازر بحق المدنيين.