رأى الداعية ورجل الدين السوري "محمد حبش" أن العالِم الإسلامي "علي ابن حزم الأندلسي" هو رمز متقدم لفقهاء العقل والنظر الذين ينظرون إلى القرآن والسنة على أنه نور يهدي وليس قيداً يأسر، وأنه إمام رائع في كثير من مسائل الفقه على الرغم من أنه يخالفه في الكثير من الأمور، بحسب ما كتب على صفحته بموقع فيسبوك.

ويرى "حبش" أن تصنيف "ابن حزم" من أعلام التنوير في الإسلام على الرغم من أنه مؤسس مدرسة ظاهر النص، يعود إلى أن موقف "ابن حزم "من النص مختلفاً للغاية عن موقف الظاهرية اليوم، حيث كان يرى أن للنص دلالة ظاهرة يجب اتباعها بدون تأويل، ولكن النصوص في معظمها محكومة بأسبابها، وهي تتناول جزءاً صغيراً من الحياة، فيما تبقى أحكام الحياة على الإباحة الأصلية، وهو مذهب الاستصحاب، أما القياس على النص القرآني والسنة وإعادة استخراج الأحكام منهما لكل زمان وكل مكان فهو لون من العبث.

ويضيف"حبش"، أن "ابن حزم" ردّ رداً ماحقاً على منهج عبادة النص حيث قال: القياس منهج إبليس إذ قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين!!، فالنص محكوم بظروفه وزمانه ومكانه ولا ينبغي التوسع فيه، ولا تحميله ما لا يطاق، والمطلوب فيما يستجد من مسائل إعمال نور العقل وليس ليّ أعناق النصوص لاستخراج الإعجاز والعجائب.

ويتابع، "الكلام عن ابن حزم طويل وكثير، ومؤلفاته تعد بالمئات، ولعل الحوارات تغني معرفتنا بهذا الإمام الفريد، وأعتبره إماماً رائعاً في كثير من مسائل الفقه، وأخالفه بالطبع في كثير، وأعتبره رمزاً متقدماً لفقهاء العقل والنظر، الذين ينظرون إلى القرآن والسنة على انه نور يهدي وليس قيداً يأسر"، مشيراً إلى أن فقهاء كثر تناولوا "ابن حزم" بالثناء والاحترام خلال التاريخ، كما تناوله آخرون بالقدح والاتهام والتكفير أيضاً، واشتد في الهجوم عليه القاضي ابن العربي والتاج السبكي، ولم يقصر ابن تيمية مع أنه أنصفه في بعض مواقفه.

ابن حزم في سطور

"ابن حزم".. 996-1064 فخر الحضارة الإسلامية في الأندلس.... تعتبره إسبانيا اليوم واحداً من أعظم علماء أوروبا عبر التاريخ، وقد أقامت له احتفالات كبيرة في الذكرى الألفية لميلاده وخلدته بطوابع البريد ومتاحفها وجامعاتها.

وحين تناول النص القرآني بالتفسير جزم بأن 227 آية فيه هي من قبيل المنسوخ، نرتلها ولا نطبقها، لأنها قد نزلت لظروف مختلفة ولم تعد موجودة فيما بعد، وبعضها نسخه القرآن وبعضها السنة وبعضها الإجماع.

وزير وابن وزير، وصاحب ثروة طائلة، كان أبوه وزيراً للحاجب المنصور بن أبي عامر أقوى حكام الأندلس، أما هو فقد ولي الوزارة ثلاث مرات، وكان مستقبله وراءه حين خاض حروبه الضارية ضد الكهنوت، فترك الوزارات كلها، وأطلق قلمه الشارط في مواجهة سدنة الوهم من رجال الدين الذين حنطهم الناس واعتبروهم أئمة معصومين، فيما رآهم ابن حزم مجرد فقهاء يصيبون ويخطؤون، وليس هناك أي فائدة في اتباع أحد منهم، بل إن الاتباع يكون لنور العقل وبصيرة الوحي.

هو أغزر علماء الإسلام تأليفاً وأكثرهم آثاراً، ومع أن السيوطي يزيد في عدد الكتب عن ابن حزم، ولكن ابن حزم تجاوز الجميع في الكتب الأصيلة التي ظهر فيها علمه واجتهاده.
حين يريد الفقهاء اليوم أن يجتهدوا في مسألة فيجب أن يسألوا أولاً ابن حزم، لأنهم سيجدون يقيناً ما يبحثون عنه، وبإمكانك اليوم ان تقول في أي مسألة: هذا قول الجمهور، أما ابن حزم فله رأي آخر...

ومما انفرد ابن حزم بتأصيله مسالة الغناء والموسيقا والمعازف، فقد فتح الباب إلى الغاية لفن إسلامي راقٍ تستعمل فيه المعازف، وقد كتب هازئاً بشدة من الذين يحمّلون القرآن ما لا يحمل من النهي عن الغناء، وخاصة في آية من يشتري لهو الحديث، ثم اورد النصوص الاثني عشر التي يرويها المشايخ في تحريم الغناء والموسيقى والفن فسحقها جميعاً بآلته الأصولية الحادة، وحين كانوا يحرمون الغناء والتصوير والفنون والموسيقا كان يقول مستهجناً ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب... وما كان ربك نسياً..
وحين استوفى بحثه في فضل الغناء والمعازف أطلق كتابه التالي طوق الحمامة في الإلف والإيلاف، وهو كتاب من روائع الأدب العالمي، وقد ترجم إلى لغات كثيرة، يسجل فيه ابن حزم أخبار المحبين والعاشقين والوالهين، ويكشف عن قدسية الحب وطهارته ونبله، وعذابه ونعيمه، وآهاته ومواجعه، وما يكون فيه من عجائب، ومع أن حكاياته متنوعة ومختلفة، ولكنه أراد بالتأكيد الحب الذي ينتهي بما شرع الله من فراش الحلال.

شن عليه الفقهاء خلال التاريخ هجوماً مستمراً، ولكنهم في النهاية رجعوا إليه في دقيق المسائل.
هو مرجع الفقهاء اليوم في إصلاح الطلاق وتحويله من عبث وعصبية وانتقام يقوم به الرجل حال الغضب إلى عقد قانوني بصير يتم أمام القاضي وتترتب عليه آثار وحقوق محمية وظاهرة.
وهو مرجع الفقهاء اليوم في فرض الوصية الواجبة التي أضافها الفقهاء زيادة على ما في القرآن والسنة من أحكام الميراث وأنصفوا فيها الأحفاد الأيتام حين يموت الجد، فيما ظل الفقهاء يحرمون الأحفاد لأيتام من الميراث تمسكاً بلقياس على النص.

وهو مرجع الفقهاء اليوم في تحرير المرأة وتمكينها، وتوليها المناصب كلها بما في ذلك رئاسة الدولة والقضاء كله، وعبارته في ذلك أوسع ما قاله فقيه: إن الله اصطفاها وشرفها فكانت نبية!! فكيف تزعمون أنها لا تصلح للولاية؟، ومع ذلك تحفظ على منصب الخلافة العظمى لارتباطها بالصلاة والجهاد.

وهو مرجع الفقهاء اليوم في مسألة التصاوير والتماثيل والفنون عامة، فالرجل أندلسي، وقد نجح في أنسنة الفقه الإسلامي، وتقديمه كتراث غني في حضارة الأندلس، وبديلاً عن روح الرهبنة وتعذيب النفس التي كانت طبيعة الكنيسة الأوروبية في العصور الوسطى.

لم يسلم ابن حزم من التكفير، وحين دارت طاحونة السياسية، وأعلن موقفاً معارضاً لخلافة المعتضد بن عباد في إشبيلية أمر المعتضد بإحراق كتبه وفرض عليه الإقامة الجبرية وأطلق الدهماء يكفرونه ويشتمونه على سكك الطرق، وقد كتب الشعر في مأساته تلك، ومما قال فيها:
فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي** تضمنه القرطاس بل هو في صدري
يقيم معي حيث استقلت ركائبي **وينزل إن أنزل ويدفن في قبري

المصدر: صفحة محمد حبش بموقع فيس بوك