إدلب بعد "كورونا" .. ما هو السيناريو المتوقع ..؟

قاسيون ـ فؤاد عبد العزيز

لا يخفي الكثير من السوريين خشيتهم ، من أن يستغل النظام انشغال العالم بمأساته في ظل فيروس " كورونا" ، ويقوم بتنفيذ هجوم وحشي على إدلب ، بمساعدة حلفائه الروس ، وبالتالي تحدث المأساة التي لن يلتفت إليها أحد .. فإلى أي حد هذا السيناريو ممكن ومتوقع .. ؟ والسؤال الأهم : هل المعارضة جاهزة لهكذا احتمال ، وخصوصا الكتائب العسكرية المسيطرة على إدلب ..؟ 

على الجانب الأول ، يمكن القول ، إن النظام وروسيا ، يمكن أن يقومان بهجوم وحشي على إدلب ، إلا أن ذلك يتوقف على طبيعة التغيرات الدولية التي ستحصل ، بعد الانتهاء من أزمة فيروس "كورونا" .. فإذا كانت الفترة الزمنية طويلة والخسائر الاقتصادية والبشرية هائلة ، فإن ذلك سوف يعني تلاشي الاهتمام بكل ما يتعلق بسوريا ، شعبا وأرضا وقيادة ، وبالتالي سوف تترك الدول الكبرى ، مصير سوريا إلى الدولة المتدخلة فيها حاليا ، روسيا وإيران وتركيا .. وأيضا موقف هذه الدول الثلاث ، سوف يتوقف على حجم الخسائر والآثار الاقتصادية التي ستعانيها ، حالما تنجلي أزمة هذا الفيروس ..

و يتوقع الكثير من المراقبين ، أن أكثر الدول المهيأة ، حتى الآن ، للخروج من حلبة الصراع على سوريا  ، هي إيران ، نظرا لمعاناتها الاقتصادية الكبيرة قبل أزمة الفيروس ، بينما يبدو واضحا أنها ستكون من أكثر الدول المتضررة اقتصاديا وبشريا ، بعد الانتهاء من هذه الأزمة ، وقد بدأت ملامح هذا الأمر تتضح ، من خلال تخفيض الدعم على حزب الله في لبنان ، الذي أخذ يواجه مظاهرات واحتجاجات معاشية كبيرة في مناطقه ..

إذا بحسب هؤلاء المراقبين ، فإن الصراع سوف يكون محصورا بين روسيا وتركيا ، وهاتان الدولتان ، وكما يبدو ، فإن التفاهم بينهما قد يزداد إذا ما تضررت اقتصادات الدول الكبرى ، وأدخلت نفسها في دوامة تغيير النظام الحالي ، التي تلعب فيه الصين دورا كبيرا ، حيث أنهما ستستفيدان من هذا الصراع الجديد ، في تقوية علاقاتهما مع بعضهما البعض ، بالإضافة إلى تجنيب بلديهما الدخول فيه أو المساهمة في أي إجراءات عقابية تخطط لها أمريكا بحق الصين ..

أما السيناريو الأسوأ ، هو أن تعتبر روسيا ، التغيرات المقبلة في تركيبة النظام العالمي ، بأنه فرصة كبيرة لها ، لكي تتمدد في سوريا وتسيطر عليها بالكامل كقوة إحتلال مباشرة ، وبالتالي هذا سوف يدفعها للحصول على إدلب بأي ثمن ، ومن ثم يدخلها في صراع مع تركيا ، التي أقصى ما تتطلع إليه ، هو إنجاز المنطقة الآمنة على طول حدودها مع سوريا ، مع حل مشكلة اللاجئين على أراضيها ، بالإضافة إلى منع أي حركة نزوح جديدة باتجاه أراضيها من إدلب .. لكن حتى هذا السيناريو يتوقف ، على دور روسيا في النظام العالمي الجديد الذي تتحدث عنه الدول الكبرى ، ومدى رغبتها في أن تكون لاعبا أساسيا فيه ، أو مخربا له .. 

أما على الجانب الثاني وهو المعارضة ، وعن استعداداتها وتوقعها ، لهجوم وحشي من الروس والنظام على إدلب ، فهي اليوم تراهن على الدور التركي ، الذي لن يرضى بأن يكون على هامش التغيرات الدولية الناتجة عن فيروس "كورونا" ، وأنها تتحسب لمثل هذا الوضع الجديد وتعد العدة له ، من خلال زيادة تواجد قواتها في إدلب وزيادة التحصينات ، التي تشير إلى أن تركيا لن تقبل أي تغير بالوضع السوري ، يجري استغلاله من قبل النظام وروسيا ، بناء على انشغال الدول الكبرى .. بل إن تركيا بحسب الكثير من المتابعين ، تزداد حاجتها اليوم ، أكثر من أي وقت مضى ، لحماية حدودها الجنوبية ، في ظل التراخي الأمريكي الذي سيحصل ، فيما لو اتضح أن خسائر واشنطن الاقتصادية ، سوف تلهيها عن الاهتمام سوى بمشاكلها الداخلية ، أو حربها الجديدة مع الصين ، التي يحضر لها المسؤولون الأمريكيون كثيرا في تصريحاتهم ، ويهددون من خلالها أن الصين لن تخرج بلا عقاب من هذه الأزمة .. وهذا يعني أن مصير المناطق في شرق المتوسط ، التي تضبط إيقاعها مع قوات سوريا الديمقراطية الكردية ، سوف تتركه لهذه القوات ، وهو ما سيحتم على تركيا أن تقوم بحفظ أمن حدودها بنفسها ، وبعيدا عن الضغوط الأمريكية ، التي كانت تمارسها عليها سابقا ..

إذا ، باستطاعتنا القول ، أن المشهد بقدر ما هو معقد في سوريا وفي إدلب تحديدا ، إلا أنه من جهة ثانية ، قد يفضي إلى أمر واقع جديد ، يقول بأن النظام سوف يخرج من أزمة "كورونا" منهكا ومتهالكا ، ولن يكون قادرا على إدارة معركة بالسيف والترس ، وليس معركة بحجم إدلب … ! وكذلك روسيا ، التي بدأت تئن ، تحت وطأة ضربات فيروس كورونا الاقتصادية من جهة ، ومن جهة ثانية ضربة أسعار النفط ، التي كبدت اقتصادها حتى الآن خسائر فادحة .. كل ذلك يقول : إن معركة إدلب سوف تكون مؤجلة إلى فترة زمنية طويلة ، وقد لا تحدث على الإطلاق ، ويتم تسوية الوضع على ما هو عليه .. أي أن تبقى خارج سلطة النظام السوري ..