قاسيون ــ فؤاد عبد العزيز
يؤكد الكثير من المحللين والمتابعين والمراقبين ، أن العالم ما قبل "كورونا" لن يكون كما بعده ، لكن أي من هؤلاء لا يحدد على وجه الدقة ، طبيعة التغيرات التي سوف تعصف بالعالم ريثما يتم الخروج من أزمة هذا الوباء .
أقل المتشائمين ، يرى أن العالم مقبل على أزمة اقتصادية كبرى ، قد تعصف بدول مركزية مهمة ، في إشارة إلى دول الاتحاد الأوروبي ، التي أكثر ما تعاني من انتشار هذا الوباء ، وآثاره المدمرة على اقتصاداتها ومجتمعاتها ، بينما الأكثر تشاؤما ، يرى بأن الحرب العالمية الثالثة قادمة لا محالة ، لكن ليس بالضرورة أن تكون هذه الحرب بالأسلحة التقليدية المعروفة ، وإنما بأسلحة أكثر خطرا وأشد فتكا ، ويقصدون إما الحرب البيولوجية ، أو الحرب الاقتصادية المفتوحة ، والتي سوف تكون الصين في كلا الحالتين ، هي محورها .
ولعل من تابع كلمة وزير الخارجية الأمريكية ، مايك بومبيو ، خلال مؤتمر قمة مجموعة العشرين الافتراضية ، التي ترأستها الرياض ، أمس الأول ، يدرك تماما حقيقة ، ما تفكر وتخطط له أمريكا ، من استثمار حدث فيروس " كورونا" ، لممارسة المزيد من الضغوط على الصين ، والتي حملها بومبيو ، المسؤولية الكاملة عن انتشار هذا الوباء ، وبالتالي ضرورة تحملها أعباء الخسائر التي سببها لدول العالم ، بما فيها الخسائر الاقتصادية والبشرية .
وهذا ليس كل شيء ، بل إن أمريكا بدأت منذ الآن ، بتشكيل لوبي عالمي مناهض للصين ، ويدعو لمحاصرتها تجاريا ومعاقبتها على ما اقترفت من كارثة بحق دول العالم أجمع ، غير أن بكين بنظر الكثير من المراقبين لن تقف مكتوفة الأيدي ، بل سترد وربما بشكل غير متوقع على هذه الإجراءات الأمريكية ، الأمر الذي ينذر باشتعال المواجهة المباشرة بين القوتين العالميتين ، بحلول الخريف القادم ، على إثر انعقاد قمة مجموعة العشرين في المملكة العربية السعودية .
أما على الصعيد العربي ، فلا يبدو أن العرب سيكونون جزءا من التغيرات التي تعصف بالعالم ، بل يخشى الكثيرون من أن يكونوا أبرز ضحايا هذا التغيير ، وخصوصا مع نزعة تنامي الخلاص الفردي ، التي أظهرها انتشار هذا الفيروس في في الدول العربية ، إذ أنه حتى الآن لم يتم الدعوة لعقد اجتماع ولو لوزراء الصحة العرب ، من أجل التنسيق فيما بينهم فيما يخص مكافحة هذا الوباء ، فكيف لو قلنا إن الضرورة تقتضي الدعوة لعقد مؤتمر قمة اقتصادي عربي افتراضي ، من أجل مساعدة الدول العربية الفقيرة ، فيما ينتظرها من أزمات اقتصادية قادمة . ..؟ بدون شك إن تحقيق هذا الأمر هو ضرب من المستحيل أو الخيال .. !
لكن بدون شكل ، كل ذلك سوف ينعكس على موقع الدول العربية في المرحلة القادمة ، عندما تتضح صورة التغيرات التي سيشهدها العالم ، وقد بتنا على بينة بأن الدول الخليجية الغنية تحاول أن تنأى بنفسها عن الوجع العربي في الدول الفقيرة ، لتلتحق بركب الدول الكبرى ، التي لا تمانع من استخدام ثرواتها في رسم صورة العالم المستقبلية .. وهو ما اتضح جليا في مؤتمر قمة مجموعة العشرين الافتراضي الذي انعقد ، يوم الأربعاء الماضي ، برئاسة الملك السعودي لأول مرة منذ تشكيل هذه المجموعة في العام 1999 .
أما على مستوى الحدث السوري ، وموقعه من هذه التغيرات التي على وشكل أن تعصف بالعالم ، فإن الأحداث تقول بأن الدول الكبرى سوف تترك الشعب السوري يواجه مصيره منفردا في مواجهة نظامه المتوحش ، الذي بات يشعر أن الفرصة أصبحت سانحة بالنسبة له ، أكثر من السابق ، لممارسة المزيد من البطش بحق هذا الشعب ، ودون حسيب أو رقيب ، مستغلا انشغال العالم بأزماته الناشئة عن انتشار فيروس "كورونا" ..
لكن مهلا .. هكذا يطلب منا الكثير من المتابعين لإيقاع السياسة العالمية .. حيث يرون أن النظام السوري هو من سيدفع الثمن هذه المرة ، ولذات الأسباب التي يعتقد فيها أن العالم منشغل عنه اتجاه الجرائم التي ارتكبها وسيرتكبها بحق شعبه ، حيث أن هناك دولا بالمرصاد ، تنتظر هذه اللحظة من الانشغال العالمي ، من أن أجل أن تلقن النظام درسا في فنون الحرب والقتال .. لم يكن قد عهدها سابقا .. ونستطيع القول وبثقة ، إن الأشهر القادمة سوف تكون حبلى بالمفاجآت من هذا النوع .. وما علينا سوى الانتظار ..